هذا المركيز دوساد هو رجل فرنسي عاش في أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، وكان يعذب المرأة التي يتصل بها ويجد في هذا التعذيب لذته، وهذا التعذيب للمرأة هو في صميمه إسراف في النزعة الانفرادية؛ إذ معناه: أنا وحدي، لا شريك لي في اللذة الجنسية.
وكلاهما - أبو نواس والمركيز دوساد - انفرادي النزعة إلى حد العدوان، أحدهما يتجه عدوانه نحو الصبيان، والآخر نحو النساء، وكلاهما بالطبع مسرف، بعيد عن الاعتدال إلى حد الإجرام في نزعته الانفرادية.
ولكن الانفرادية ليست على الدوام مسرفة، فإننا نجدها في المتنبي الذي لا يتعب من كلمات: أني وأنا ... إلخ، ولكن دون أن يعرف عنه أي شذوذ جنسي مثل دوساد أو أبي نواس.
والذي أحب أن أصل إليه هو أن هناك ذهنا اجتماعيا وذهنا انفراديا، وأنه تغلب على المجتمع العربي في السياسة والأدب تلك النزعة الانفرادية دون النزعة الاجتماعية.
وأحب أن أنبه هنا أن كل إنسان يحتاج إلى قسط من النزعة الانفرادية؛ إذ هي الحافز الشخصي الذي يحمل صاحبه على الارتقاء والتوسع والتعمق في الحياة، وهذه النزعة ضرورية أيضا؛ إذ هي التي ترتفع بالفرد إلى الوجدان الشعبي أو الإنساني.
النزعة الانفرادية هي نظام المباراة في الاقتصاد، هذا النظام الذي انتهى في إسرافه بالاستعمار وعذاب الأمم الخاضعة له.
والنزعة الاجتماعية هي نظام التضامن الذي ينتهي بالاشتراكية، وقد رأينا من آثاره قوانين الكفالة الاجتماعية في إنجلترا أو غيرها؛ حيث يعوض المعطل عن عطله ويعاون المريض بالعلاج المجاني ويغذى الصغار في المدرسة وتعطى الحامل قبل ولادتها وبعد ولادتها بشهر أجرتها كاملة ... إلخ.
وداعية النزعة الانفرادية في إنجلترا هو «هربرت سبنسر» الذي كان يقول إن الدولة يجب ألا تكلف تعليم الشعب، وقصارى واجباتها تعميم الأمن، أما الشعب فعليه أن يعلم نفسه.
وداعية النزعة الاجتماعية هو «روبرت أوين» مؤسس جمعيات التعاون التي عمت أقطار العالم المتمدن، وهو واضع كلمة الاشتراكية الأوروبية.
والنزعتان واضحتان في السياسة والأدب، فإن تشرشل - زعيم اليمينيين من المحافظين - يمثل النزعة الانفرادية في السياسة الإنجليزية، في حين أن بيفان - زعيم اليساريين في حزب العمال - يمثل، إلى حد ما، النزعة الاجتماعية.
صفحة غير معروفة