ذكرت هذا وأنا أقرأ النقد الحق الذي تقدم به الدكتور طه حسين حين قال إن الأدباء الجدد لم يعودوا يعنون بجمال العبارة ولا بالتأليف الفني.
وهذا حق من وجهة نظره؛ لأنه يعتقد أن الأدب ترف.
لقد نال تشرشل جائزة نوبل في الأدب، وأنا أعرف تاريخ هذا الرجل الذي لم يحي قط حياة أدبية ، ولم يهدف قط إلى سلام، ولم يدع دعوة الإنسانية ... إذ هو إمبراطوري.
ولكن لأنه إمبراطوري يقول بسيادة الإنجليز على غيرهم من البشر، ويشيد بالحرب والاستعمار، أجرى قلمه بأسلوب إمبراطوري كله قعقعة وجلبة ورصانة ورشاقة، كأنه المتنبي في النثر، وهو بليغ، فصيح بحيث لا يستطيع رجل الشعب من الإنجليز أن يفهمه.
ذلك لأن تشرشل ليس من الشعب، وهو لا يكتب للشعب.
تشرشل هو ابن اللورد تشرشل.
هو باشا إنجليزي يكتب للباشوات الإنجليز وأبنائهم؛ لأن هؤلاء هم بيئته ومجتمعه، ولغتهم هي لغة كتبه التي نال بها جائزة نوبل، وفي هذه اللمحة إلى تشرشل ما يبعث على التفكير.
ذلك أن الكاتب الذي امتلأت نفسه بهموم الشعب، والذي يهدف إلى قراء من الشعب، يجب أن يكتب بلغة الشعب، لغة ديمقراطية، ليست بالعامية طبعا؛ لأن العامية لا تكفي للتعبير، ولكن بلغة ميسرة تشفي على العامية، يستطيع جمهور الشعب أن يفهمها.
إنه لا يكتب لباشوات أو لوردات قد ورثوا تراث البلاغة مع الضيعة والقصر والسيارة والذهبية.
لا، إنه يكتب للنجار والطبيب والفلاح والبقال والمهندس وغيرهم ممن يعملون وينتجون، وهو يعالج همومهم واهتماماتهم فيضطر إلى أن يكتب بلغتهم.
صفحة غير معروفة