وحدثني أبو الحسين بن الشلمغاني قال: كان بالبصرة شيخ من ذوي الهيئات، وممن دوخ البلاد
وقطع عمره في الأسفار. وكان يحدثنا بكل عجيبة، ويتحفنا بكل غريبة. فحدثنا يوما قال: ركبت في
البحر في بعض السنين، فأفضى بنا السير إلى موضع لا نعرفه ولا يعرفه المركب. وطرحنا الماء
إلى جزيرة فيها قوم على صورة الناس إلا أنهم يتكلمون بكلام لا يفهم، ويأكلون من المأكل ما لم تجر
به عادة الإنس. فاجتمعوا علينا، وأقبلوا يعجبون منا، وخفناهم على أنفسنا، واستشعرنا الهلاك منطمعهم في قلتنا مع كثرتهم، ثم توكلنا على الله جل وعز وخرجنا نطلب في تلك المدينة ما نأكله
ونشربه. فوجدنا الطراميس من خبز الدخن ولحوما كثيرة لا ندري ما هي. فاشترينا من ذلك الخبز
واللحم وأظنه من لحوم الحيتان، وصرنا إلى الساحل، وأججنا نارا وأقبلنا نكبب من ذلك اللحم، ولهم
أنبذة لا ندري ما هي، يشربونها. ويضربون بطبل عظيم، له في البحر دوي. فبينا أنا أطوف في تلك
المدينة إذ بصرت بكتابة عربية على بابها، فتأملتها، فإذا هي: بسم الله الرحمن الرحيم. بسم الله خالق
الخلق، وصاحب الرزق. ما أعجب قصتي وأعظم محنتي، أفضتني الخطوب وقصدتني النكوب حتى
بلغت هذا الموضع المهيب، ولو كان للبعد غاية هي أسحق من هذا المحل لبلغني إليها ولم يقنع إلا
بها. وتحت ذلك مكتوب:
من شدة لا يموت الفتى ولكن لميقاته يهلك
فسبحان مالك من في السما والأرض حقا ولا يملك
فاجتهدت بالمسألة عن الرجل وحاله، فلم يفهم عني، ولا فهمت أحد منهم، وأقلعنا في غير تلك الليلة،
وسلم الله تعالى، وصرنا إلى بلاد اليمن.
وحدثني رجل من بني نمير يعرف بالأخيطل، شاعر لقيته بنواحي كوثى بمشهد إبراهيم الخليل
صلوات الله عليه، قصدها ليمتدح أبا الحسن علي بن مزيد الأسدي، وأنشدني شيئا من شعره وقال:
صفحة ٩