ولو كنت معروفا بها لم أقم بها ولكنني أصبحت ذا غربة بها ومن عادة الأيام إبعاد مصطفى وتفريق مجموع وتنغيص مشتهى
فاستحسنت النظم والنثر وحفظتهما.
وكنت انحدرت إلى البصرة منذ سنيات. فلما وردتها صعدت في الفيض إلى سكة قريش أطلب
منزلا أسكنه، لأنني كنت غريبا لا أعرف أحدا من أهلها، إلا من كنت أسمع بذكره، ولا آنس به.
فدلني رجل على خان، فصرت إليه، واكتريت منه بيتا، وأقمت بالبصرة أياما. ثم خرجت عنها طالبا
حصن مهدي، وكتبت هذه الأبيات على حائط البيت الذي كنت أسكنه:
الحمد لله على ما أرى من ضيعتي ما بين هذا الورى
أصارني الدهر إلى حالة يعدم فيها الضيف عندي القرى
بدلت من بعد الغنى حاجة إلى كلاب يلبسون الفرا
أصبح أدم السوق لي مأكلا وصار خبز البيت خبز الشرا
من بعد ملكي منزلا مبهجا سكنت بيتا من بيوت الكرا
فكيف ألفى ضاحكا لاهيا وكيف أحظى بلذيذ الكرى
سبحان من يعلم ما خلفنا وتحت أيدينا وتحت الثرى
والحمد لله على ما أرى وانقطع الخطب وزال المرافما أدري أهو باق إلى اليوم أم درس.
حدثني أبو محمد حمزة بن القاسم، قال: حدثني نصر بن أحمد الخبز أرزي الشاعر، قال: كان عندنا
بالبصرة فتى من أولاد التجار المياسير، وكانت لأبيه حال كبيرة، فكان في كل سنة يظفر بمال
ويصعده إلى بغداد، فيقيم بها يشرب في الحانات ويعاشر أهل الظرف. وكان مغرما بالغلمان. فإذا
نفذت الدراهم عاد إلى البصرة. فكان يحدثني بكل طريفة. فقال لي يوما: حصلت بعكبراني في بعض
الحانات، فشربت......
اشرب وغن على صوت النواعير ما كنت أعرفها لولا ابن منصور
لولا الرجاء بمن أملت رؤيته ما جزت بغداد في خوف وتغرير
وحدثني أنه قرأ في بعض سياحته على صخرة:
وكل البلاد بلاد الفتى وليس لأرض إليه نسب
قال: فقلت: لا يموت صاحب هذا البيت إلا غريبا.
صفحة ٨