فلما بصر بنا وبموضعنا وطيبه قال: سلام عليكم بما صبرتم، فنعم عقبى الدار. فرددنا عليه السلام.
وسألنا مجالستنا ففعل. وقال وهو يصعد إلى القلعة التي كنا عليها: يوم سرور بألف يوم. ثم جلس،
واستدعى بما أكل، وسقيناه رطلا. فلما شربه تنفس وقال: من أين سلطتم علي بليا؟ قلنا: قد والله يا
هذا دللت على عشيق يقليك، وتذكر حبيب ناء عنك. فقال: أي والله يا سادتي! أنا والله عاشق لفتى
من أولاد الرؤساء بسوق الأهواز. وكانت لي ضيعة وحال استنفدتها طلباته وإراداته وجذوره ونفقاته.
فلما قل ما بيدي هربت قبل وقوفه على صورتي، خوفا من ابتدائه بالإعراض، وانتقاصه إياي في
خطاب، أو تثريبه علي في كتاب، وقبل معرفته بالإفلاس فيجري على عادة سفل الناس. فقلنا: يا
هذا! هرفت في قطع حبل حبيبك، وبدأت بما كان يجوز أن يكون الأمر فيه بخلاف ما وقع لك.
فلاحت عبرته، ثم أخرج محبرة من كمه وقلما وكتب على صخرة كانت تليه:
قد كنت حلف سرور بقربكم وحبور
حتى تناقص مالي واختل باقي أموري
فسرت في الأرض خوفا من هجرة ونفور
فإن أعش فإليكم يعود بي ميسوريوإن أمت قبل ذاكم فالأمر للمقدور
ثم قام. فسألناه الجلوس ومساعدتنا إلى آخر النهار فأبى، ومضى على الطريق، وحده. وكان آخر
عهدنا به.
قال صاحب الكتاب: وكنت أيام مقامي بسوق الأهواز عاشرت جماعة من أهلها. فدعاني صديق لي
إلى الشاذروان يوما. فخرجت ومعنا غذاء وشراب وغير ذلك. فشربنا في البستان المعروف بليلى بن
موسى فياذه ، ثم خرجنا وجلسنا على الشاذروان فرأينا أحسن منظر وأملحه، فرأيت على حجر من
حجارته مكتوبا:
لم أنس ليلتنا بشاذروان والماء ينساب انسياب الجان
فكتبت تحته:
والبدر يزهر في السماء كأنه وجه الذي أهوى ولا يهواني
صفحة ٣٥