لا حلت عمري عن هوا ك ولو صليت بحر ناره وقمت. فلما عاد وقرأ الأبيات غضب من فعلي، وخشي أن يقف عليها من يحتشمه. وكان شديد
الكتمان لما بيني وبينه، مطالبا بمثل ذلك، مراقبة لأبيه، إلا أن ظرفه ووكيد محبته لي لم تدعه حتى
أجاب عنها بما كتب تحتها. فرجعت من ساعتي فوجدته في دار أبيه. فاستأذنت عليه، فخرج إلي
خادم وقال: يقول لك وحياتك لا التقينا، أو تقف على الجواب عن الأبيات، فإنه مكتوب تحتها.
فصعدت الدكة، فإذا تحت الأبيات بخطه:
ما هذه الشناعة، ومن فسح لك في الإذاعة، وما أوجب خروجك عن الطاعة؟ ولكن أنا جنيت على
نفسي وعليك، ملكتك فطغيت، وأطعتك فتعديت، وما احتشم أن أقول لك: هذا تعرض للإعراضعنك. والسلام.
فعلمت أني أخطأت وسقطت - علم الله - قوتي، وركبتني البلادة، وأخذتني الندامة والحيرة. ثم أذن
لي، فدخلت وقبلت يده فمنعني، وقلت: يا سيدي غلطة غلطتها، وهفوة هفوتها، وإن لم تتجاوز عنها
وتعف هلكت. فقال: أنت في أوسع العذر بعد أن لا يكون لها أخت. وعاتبني على ذلك عتابا عرفت
صحته. ثم لم تمض إلا مدة مديدة حتى قبض على أبيه فهرب، فاحتاج إلى الاستتار، فلم يأنس هو
وأهله إلا بكونه عندي. فأنا على غفلة إذ دخل في خف وإزار، وكادت والله مرارتي تنفطر فرحا.
فتلقيته أقبل رجليه، وهو يضحك ويقول: يأتيها رزقها وهي نائمة. هذا يا حبيبي بخت من لا يصوم
ولا يصلي في الحقيقة. وكان أخف الناس روحا وأمتعهم نادرة، وبتنا في تلك الليلة عروسين، لا نعقل
سكرا. واصطبحنا فقلت هذه الأبيات:
بت وبات الحبيب ندماني من بعد نأي وطول هجران
نشرب قفصية معتقة بحانة الشط منذ أزمان
وكلما دارت الكؤوس لنا ألثمني فاه ثم غناني
صفحة ٢٩