أدب العرب: مختصر تاريخ نشأته وتطوره وسير مشاهير رجاله وخطوط أولى من صورهم
تصانيف
هو أقرب الشعراء الجاهليين إلينا، فلسفته سهلة وعبارته هينة ومعانيه سامية، فهو لم يله نفسه بالسفاسف، وما عالج إلا كل موضوع أخلاقي، فوصف نفسه بأنه متنزه عن كل هذه الأشياء، وقد عمل بما قال، كل ذلك بصورة لطيفة ذات تشابيه واستعارات من حياة راقية، لا كما رأينا عند امرئ القيس مثلا حين راح يشبه أصابع عنيزة بالديدان.
لا أثر للكلفة والتعمد في قصيدة عنترة، وقد خصصنا هذه القصيدة للبحث لأنها جامعة للصورة العنترية، ولا عيب فيها إلا الانتقال من غائب إلى مخاطب ولكن بصورة مستحبة، وهي لا تخلو من ألفاظ وإن كانت كريهة وقبيحة الوقع في السمع لكنها مفهومة. ينتقل سريعا من موضوع إلى آخر، فتبدو قصيدته كأنها مفككة، وقد استعمل هذا العبد ألفاظا جميلة مثل «دار لآنسة» و«حامي الحقيقة» ... إلخ.
فخره:
كان عنترة يفخر بنفسه ولا يخرج في شعره عن وصف ذاته، وسبب ذلك مركب النقص والكبت، فإذا فتشنا عن شاعر عربي مغرم بذاته «نرجسي» لم نجد له مثيلا، ففخره يتناول جميع ما تفخر به العرب من شجاعة وجود وفروسية ودفاع عن الحوض. وهو في هذا يختلف عن شعراء الفخر؛ كالشريف الرضي الذي يفتخر أكثر ما يفتخر بنبل أصله وشرف جدوده، بينما عنترة والمتنبي لا يفتخران إلا بشخصهما؛ كقول المتنبي مثلا:
ما بقومي شرفت بل شرفوا بي
وبجدي سموت لا بجدودي
تأثير سواده:
كان عنترة في جهد جهيد من سواده وهو لا يعرف كيف يتخلص من نكبته، فإذا بإحساسه يجعله يشعر بأن هذا السواد لا بد له من ماح، فلجأ إلى الصور الشعرية التي لم يوفق إليها أسود غيره؛ قال:
يعيبون لوني بالسواد جهالة
ولولا سواد الليل ما طلع الفجر
صفحة غير معروفة