شكل 4-1: رواية «حياة وجولات فأر» (1783 تقريبا) للكاتبة دوروثي كيلنر. كانت دوروثي كيلنر واحدة من كاتبات القرن الثامن عشر الكثيرات اللاتي اكتشفن طرقا جديدة لجذب اهتمام القارئ الصغير من خلال إجراء العديد من التجارب على المنظور الروائي والصوت السردي؛ وفي هذه الحالة، راوي القصة فأر.
1
أما قصص الحيوان، فهي أطول وأكثر تنوعا. وقد كانت «خرافات أيسوب» من بين أوائل الكتب التي طبعها كاكستون، كما أن هناك العديد من الحيوانات في القصص الشعبية والخيالية والنصوص الدينية. وقد استخدم كتاب القرن الثامن العشر الحيوانات لتعليم الأطفال المسئولية تجاه الاعتناء بالعالم الذي يعيشون فيه - كما هو الحال في قصة «تاريخ عائلة طائر أبو الحناء» (1786) للكاتبة سارة تريمر - وكذلك واجباتهم كأطفال ورعايا في القصص الأخلاقية كما في قصة «حياة وجولات فأر» (1783) للكاتبة دوروثي كيلنر. لقد كانت قصة كيلنر نقطة الانطلاق لتقليد جعل الحيوان يروي أحداث حياته بنفسه؛ مما أدى إلى ظهور جنس أدبي فرعي انحدرت منه بعض الأعمال البارزة مثل قصة «الجمال الأسود» (1877) لآنا سويل، وقصة «بن وأنا: جانب من الحياة الرائعة لبنجامين فرانكلين مع فأره الطيب آموس» (1937) لروبرت لاوسون. وهناك قصص الحيوان الطبيعية مثل رواية الكاتب جاك لندن «نداء البرية» (1903)، والقصص التي تخلع على أبطالها من الحيوانات صفات بشرية إلى حد بالغ، مثل رواية «الريح في أشجار الصفصاف» (1908) لكينيث جراهام، وقصص الحيوان الخيالية مثل قصة «النمر، النمر» (1996) لميلفن بيرجس، والتي تدور أحداثها حول أنثى نمر تمتلك قدرات خارقة للطبيعة تحمي نوعها من الانقراض من خلال تحويل صبي صغير إلى نمر ذكر يتزاوج معها. وكما توضح الأمثلة السابقة، فإن كتاب قصص الحيوان يجعلون الحدود بين الحقيقة والخيال ضبابية بصورة حتمية تقريبا؛ وذلك نظرا لأن هذا النوع القصصي يتطلب منهم تقديم أفكار الحيوانات بلغة البشر. في المراحل الأولى من النشر التجاري على وجه الخصوص، كان هناك شعور بالقلق بشأن مثل هذه الأساليب الخيالية على أساس أنها قد تصعب على الأطفال التمييز بين الحقيقة والخيال. وبالرغم من اعتماد قصص الحيوان على أسلوب الحيوانات المتكلمة الخيالي، فإنها تعتبر جنسا أدبيا أساسيا في أدب الأطفال منذ القرن الثامن عشر.
لقد طرح العديد من الأسباب للاستخدام الشائع للحيوانات في أدب الأطفال. على سبيل المثال، يشير النقاد إلى أوجه التشابه في المنزلة بين الأطفال والحيوانات، والتي تجعل من الحيوانات نقاط تطابق فعالة بالنسبة للقارئ الصغير. والحيوانات المستأنسة على وجه التحديد قد تشارك الأطفال بعض أوجه الشبه؛ حيث إنها ضعيفة نسبيا، ولا يمكنها التعبير عن نفسها، ومغلوبة على أمرها مقارنة بالكبار. في حين أن هناك رأيا آخر يرى أن الظهور المتكرر للحيوانات في قصص الأطفال والصغار يعزى إلى أن نقل الموضوعات التي قد تكون مزعجة - مثل الموت والجنس والعنف وسوء المعاملة - من عالم الإنسان إلى عالم الحيوان يجعل التعامل معها أكثر سهولة. وهذه النوعية من الفصل يمكن أن تعمل بأشكال شتى. فعلى سبيل المثال، منح الحيوانات قدرة الإنسان على الكلام وعقلانيته يمثل مرآة تعكس سلوكياتنا؛ مما يمكن القراء الصغار من فهم أساليب مثل الهجاء أو استيعاب النقد السياسي. وتقدم فكرة الشياطين من الحيوانات في رواية «مواده المظلمة» لفيليب بولمان وجها مختلفا لهذه الوظيفة للحيوانات في أدب الأطفال؛ حيث تظهر جوانب من الطبيعة الداخلية لشخصيات الرواية. وفي حين أن الشياطين التي تظهر في صورة إنسان ترتبط ارتباطا وثيقا بالنوع والميول الجنسية، فإن الشخصيات الحيوانية تستخدم غالبا بدقة لتقليص الحاجة إلى الإسهاب في موضوعات مثل السن والنوع والطبقة والانتماءات العرقية. هذه الوظيفة يمكن أن تكون مفيدة على وجه الخصوص بالنسبة للرسامين الذين يرغبون في تجنب توضيح هذه المعلومات.
من المهم أن تتذكر أن تصوير العلاقة بين الأطفال والحيوانات خارج كتب الأطفال غالبا ما يكون مختلفا تماما عن ذلك الموجود في قصص الحيوان الموجهة للأطفال. فهناك - على سبيل المثال - القليل من الإحساس بالتعاطف بين الأطفال والحيوانات في رواية ويليام هوجارث المؤثرة «المرحلة الأولى من القسوة» (1751)، وحتى معظم أدب الأطفال في القرن التاسع عشر يتضمن توجيهات بعدم إيذاء الحيوانات أو سرقة البيض من عشش الطيور خاصة لأن ذلك كان سلوكا شائعا بين الأطفال.
كما أن أوجه التغير الاجتماعي التي حولت الموقف من الحيوانات أثرت أيضا على مكانة الأجناس الأدبية. فنسبة كبيرة مما يعرف الآن بأدب الأطفال يتألف من الأجناس الأدبية التي كانت يوما ما من أساسيات الكتابة للكبار، ولكنها باتت الآن موجهة للأطفال بشكل أكبر، ومن بين هذه الأنواع القصصية الخرافات والأساطير والقصص الشعبية والخيالية وأدب الهراء. ووفقا لجاكلين روز، يتهم أدب الأطفال بالاهتمام بأشكال أقدم من النصوص الأدبية كوسيلة للحفاظ على قيم تعتبر على «شفا الانهيار» في الثقافة المعاصرة واستعادتها. إن حقيقة أن أدب الأطفال يعمل كمستودع للأنواع الأدبية لا يعني أن هذه الأنواع تضمر أو تصبح طفولية بمجرد دخولها إلى مجال أدب الصغار. في الواقع، في كتابي «أدب الأطفال الراديكالي: رؤى مستقبلية وتحولات جمالية» (2007)، أقول بأنه حين تنتقل الأجناس الأدبية من أدب الكبار إلى أدب الأطفال، فإنها لا تحفظ فحسب، ولكنها تتجدد وتستعيد رونقها أيضا. ويمكن رؤية أمثلة على مثل هذا النوع من التجديد في النسخ النسائية المنقحة للقصص الخيالية، واستخدام أدب الهراء من قبل كتاب ما بعد الحداثة مثل سلمان رشدي، وخلط الحكايات التقليدية لخلق أساليب لغوية ورسائل جديدة في الأفلام مختلطة الجمهور مثل «سلسلة أفلام شريك» (2001، 2004، 2007، 2010).
إن الأجناس الأدبية لأدب الأطفال حساسة من الناحية الثقافية؛ فهي تتغير أو تعدل استجابة لمخاوف المجتمع، وفي بعض الأحيان تكون حساسة لتطورات الكتابة للكبار. لذا، فعلى سبيل المثال، ارتبطت قصص مغامرات الأطفال في الأساس بفترات الاستعمار، والاستكشافات، والصراعات وازدهرت فيها، كما أنها كانت تميل لأن تستخدم في دعم الخطاب القومي/الوطني، وغالبا ما تمتزج بنظرة ذكورية للعالم. والأشكال أو الفرص الجديدة لمثل هذه الأنشطة - استكشاف الفضاء واستعماره، على سبيل المثال - تثير أشكالا جديدة من قصص المغامرات. ولكن لكي تعتبر هذه الأنواع من القصص قصص مغامرات، يتعين عليها أن تحتفظ بالعديد من العناصر التقليدية، مثل بطل صالح يتعرض لابتلاءات، ورحلة إلى أماكن بعيدة، وصراعات مع الأشرار/الأعداء/المنافسين، ونهاية ناجحة، ودائما ما تتضمن العودة إلى الديار. وبالمثل، حين تكون التقاليد المرتبطة بجنس أدبي معين مستمدة من أسلوب حياة أو مجموعة من السلوكيات التي أصبحت أقل وضوحا وتأثيرا في المجتمع، فإن هذا الجنس الأدبي سيتقلص أو يخمل.
وتعتبر القصة الدينية مثالا على الأجناس الأدبية التي تضمحل. فكما تبين النظرة العامة التاريخية التي أوردناها في
الفصل الأول ، تكمن الجذور الأولى لأدب الأطفال في هذه المنطقة، ولكن خلال القرن العشرين، حين أصبحت المجتمعات الغربية أكثر علمانية، فإن الشخصيات والتقاليد المرتبطة بصورة تقليدية بالقصص الدينية - الأطفال الأتقياء، والهداية الدينية، والمبشرين، والميتات الهانئة لهؤلاء الذين عاشوا حياة تقية - باتت تعتبر عتيقة الطراز واختفت إلى حد كبير. في الواقع، أصبحت القصص الدينية موضوعا للسخرية، وباتت الشخصيات الدينية تجسد أدوار الشر في العديد من الأجناس الأدبية الأخرى، بدءا من رجال الدين الزائفين في رواية جون ماسفيلد الخيالية «صندوق المسرات» (1935)، وحتى الشخصية المؤذية التي تعرف باسم «المتنبئ» في رواية «المختار» (2010) لكارول لينش ويليامز، وهي رواية واقعية حول النشأة وسط طائفة دينية أصولية. ومع دنو القرن الحادي والعشرين، أثارت ظاهرتين - تزايد ظاهرة السكان متعددي الثقافات في الكثير من البلدان وظهور الأصولية - إحياء لتقليد كتابات الأطفال التي يلعب فيها الدين دورا محوريا. وكما يتضح من مناقشة سلسلة كتب «المنبوذين» (1998- ) للمؤلفين تيم لاهاي وجيري بي جنكينز الواردة في
الفصل السادس ، فإن هناك مؤشرات لنشاط جديد في هذا المجال من النشر للأطفال. ومع ذلك، ونظرا لأن العديد من السمات الرئيسية لهذا الجنس الأدبي قد تلاشت أو تغيرت تغيرا جذريا، ومعظمها بات يدمج الحبكات التي تنطوي على ملامح دينية بعناصر من الأجناس الأدبية الأخرى (القصة العائلية، وروايات المشكلات، وقصص الحرب، والقصص البوليسية، وقصص المغامرات)؛ فقد يثبت أن الاهتمام الذي تجدد بالكتابة الدينية إنما يتعلق بتطوير موضوع رئيسي أكثر مما يتعلق بإحياء لجنس أدبي مندثر.
صفحة غير معروفة