هناك قطاع كبير من الكتابة النقدية عن أدب الأطفال يتناول القضايا المتعلقة بالتوجهات النوعية والجنسية، وقد كان له أثر واضح على كتابة أدب الأطفال وشكله وتسويقه. وخلال ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، أصبح مدى اشتراك أدب الأطفال في تخليد الصور النمطية عن النوع قضية ساخنة مثيرة للجدل الشديد؛ ففي البداية، ركزت المخاوف على تصوير الفتيات وكيف كانت النصوص تميل إلى الالتزام بالمثاليات النسائية التي قللت من قدرهن، حيث كانت تشير إلى أن الفتيات أقل ذكاء وحيوية ومهارة من الصبية. وقد شرع الكتاب والناشرون في التعامل مع هذه المشكلة، من خلال وضع إرشادات وكتابة أعمال تهدف إلى مناهضة التمييز على أساس الجنس. وفي نهاية المطاف، أثمرت تلك الحملة عن مجموعة ضخمة ومتنوعة من النصوص التي قدمت الكثير من طرق تحقيق النجاح والمخصصة للفتيات. وقد تضمن جزء من هذه العملية إدراك أن توزيع القوى بين الجنسين لن يحرز أي تقدم بدون علاج مشكلة التصوير الذكوري؛ حيث بدأ كل من النقاد والكتاب في تلك المرحلة التركيز على مشكلات الصور النمطية الذكورية. وقد وقع بعض من أكثر المناقشات المحتدمة حول الذكورة في أستراليا، والتي ظهر فيها أيضا عدد من روايات أدب الشباب، والتي قدمت نماذج جديدة للذكور. وتعتبر مجموعة جون ستيفنز القصصية المنقحة والصادرة تحت عنوان «خصائص الذكورة: تصوير الذكورة في أدب وأفلام الأطفال»، العمل النقدي الأول والأكثر تأثيرا الذي يتناول هذا الأمر، والذي ظهر عام 2002.
وبينما طرأت - بلا شك - تطورات في عدد ونوعية النصوص التي تقاوم تحديد الصور النمطية للنوع على مدار نصف القرن المنصرم، فمن الجدير بالذكر أن القرن الحادي والعشرين قد شهد إعادة إحياء للأدب الذي يستهدف قراء من جنس معين، والذي يبدو أنه يعيد إحياء الأفكار السابقة عن طبيعة الذكور والإناث وقدراتهم؛ حيث كانت الكتب الموجهة إلى «الفتيات» وردية اللون، ومزينة بالحوريات للفتيات الصغيرات أو إكسسوارات الموضة للفتيات الأكبر سنا، وعادة ما تفترض ضمنيا أن القارئات الصغيرات لا يهتممن بسوى مظهرهن وأن يرقن الفتيان. أما كتب «الفتيان» فتكون عن الجنود أو الجواسيس الصغار أو أي من الشخصيات المشابهة مفتولة العضلات التي لا تظهر الكثير من العاطفة وتركز فقط على تطوير المهارات البدنية التي تمنحها التفوق والسيطرة في أغلب المواقف. وتمتلئ صفحات تلك الكتب بالمعارك والآلات ومشاهد من الحياة في الهواء الطلق والشجاعة منقطعة النظير.
وقد حدثت هذه العودة إلى الأفكار القديمة رغم النشاط النقدي المستمر (انظر - على سبيل المثال - كيري ماليان، 2009)، والاهتمام المتزايد بنظرية تحرر الجنس (ماريا نيكولاييفا، 2009). وفي حين قد يبدو تصوير النوع رجعيا في بعض جوانب النشر للأطفال، فإن الوضع يختلف تمام الاختلاف عندما يتعلق بالتوجهات الجنسية. فهناك عدد متزايد باطراد من الأعمال الرئيسية والثانوية التي تؤيد وتحتفل بحياة الشواذ من الذكور والإناث ومزدوجي الرغبة الجنسية والمتحولين جنسيا من الشخصيات والقراء. وتشجع الكتب التي تقدم شخصيات غير محبة للجنس الآخر قراءها على تقمص توجه جنسي بديل خلال وقت القراءة - بالضبط كما يطلب ممن لا يكونون من محبي الجنس الآخر أن يفعلوا - مما يشجع على فهم أن جميع الميول الجنسية يمكن تغييرها، وأن نظم التصنيف الحالية بدائية. علاوة على ذلك، فإن رؤية العالم من خلال وجهة نظر شخصية تختلف ميولها الجنسية عن ميول القارئ بإمكانها أن تشجع التعاطف والتقمص العاطفي بطرق نادرا ما تنجح المعلومات المباشرة وتدريبات زيادة الوعي في فعلها. وهذه هي الاستراتيجية التي وظفها ديفيد ليفيثان في رواية «صبي يقابل صبيا» (2003)، والتي تدور أحداثها في مدينة فاضلة للشواذ ويرويها بطل القصة مثلي الجنس.
المناهج التاريخية
منذ عصر هارفي دارتون وحتى عصرنا الحاضر، كانت نسبة هائلة من الأبحاث المتعلقة بأدب الأطفال تاريخية، وقد ينقل هذا دراسة الكتب أو المخطوطات أو غيرها من المواد المطبوعة من الماضي من مستوى أغراض مادية تم إنتاجها في لحظة تاريخية بعينها، أو تحليل المناقشات المتنافسة حول قوة الخيال في الماضي، أو تأمل كيف كون كتاب الماضي صورا عن الطفولة مثلا أو الأبوة أو النوع أو الحرب، أو دراسة كيفية إنتاج الكتب أو بيعها أو تلقيها. ولكن بصفة عامة، كانت الأبحاث التاريخية باستخدام نصوص الأطفال تقارب إلى حد كبير الأبحاث التي أجريت على النصوص الأدبية للكبار، ولكن بسبب أن القيود المفروضة حول ما يمكن اعتباره أدب الأطفال واسعة للغاية ومسامية، فقد نتج عن هذا بعض الاختلافات.
إن العمل على أدب الكبار يميل إلى دراسة الأدب في صورة النصوص المطبوعة فقط تقريبا؛ فإعداد النصوص لتحويلها إلى مسرحيات أو أفلام ينظر إليه على أنه تخصص، إن لم يكن مجالا منفصلا تماما للدراسة، ويندر أن ينشب الجدل - إذا كان هناك جدل على الإطلاق - حول ما يشكل أدب الكبار. أما بالنسبة لأدب الأطفال، فهناك عدد من المعضلات، ينبع معظمها من الفشل في الاتفاق على تعريف واحد لماهية أدب الأطفال. عند تناول أعمال من الماضي، يمكن أن يقودنا هذا للتساؤل عن مدى صحة اعتبار نص مثل «رحلة الحاج» مثالا على أدب الأطفال، حيث إنه لم يكتب من أجل الأطفال، وعلى مدار قرن كامل من الزمان، نادرا ما كان يقرؤه الأطفال (وبعد ذلك كان يقرأ دائما في نسخ معدة خصوصا للصغار). هل لا يزال يعتبر من أدب الأطفال؟ أو ماذا عن الكثير من الألعاب التي كانت تأخذ - ولا تزال - شكل الكتب مثل الدمى الورقية ومسارح العرائس والكتب ذات الرسومات ثلاثية الأبعاد على سبيل المثال، أو ألعاب الورق والطاولة والألغاز واللعب وغيرها من الأغراض المؤقتة التي تستند فكرتها إلى الكتب؟ كل هذه الأشياء توجد في مجموعات كتب الأطفال التاريخية، والتي يمكن الكتابة عنها تحت عنوان عام هو «أدب الأطفال».
وهناك اختلاف أخير بين دراسة أعمال الماضي للكبار وللأطفال يتعين علينا أن نأتي على ذكره هنا؛ وهو يرتبط بصورة الطفل. يتفق مؤرخو أدب الأطفال على أهمية أن نظل يقظين إلى كيفية تكوين النصوص لصور الطفولة وكيفية اتصالها بمناقشات أكبر وتجارب حقيقية لأطفال حقيقيين وقت كتابة النص الأدبي. إن الحاجة لإدراك المعاني الرمزية والثقافية للطفولة في أي وقت محدد ما هي إلا مطلب إضافي ممن كانوا يعملون مع النصوص الأدبية للأطفال في الماضي. وفي حين أن بعض مؤرخي أدب الكبار يهتمون بقرائهم، فلا يوجد أي معنى في تحديد صورة مشابهة لمرحلة النضج بما يتجاوز بعض أساسيات الجنس والطبقة والعرق.
مناهج مرحلة ما بعد الاستعمار
تعني حقيقة أن هذه الدراسة تتمحور حول أدب الأطفال في الدول المتحدثة باللغة الإنجليزية أنها تؤرخ لميراث من الأنشطة الاستعمارية. ونظرا لأن كلا من بريطانيا وأمريكا الشمالية تتشاركان تاريخ الغزو والاستعمار (بما في ذلك الغزو البريطاني للكثير من أنحاء أمريكا الشمالية)؛ فلن يكون من المفاجئ أن هناك تاريخا طويلا من الكتابة المخصصة للأطفال عن تجربة الاستعمار. خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، تخلل هذا التاريخ الإمبريالي أجناس أدبية رئيسية، مثل قصص المغامرات والاستكشاف، والتي تتضمن كلا من المؤلفات التي تصطبغ بالصبغة الواقعية التي ألفها جي إيه هنتي، والمؤلفات الخيالية مثل رواية «جزيرة الكنز» لستيفنسون. وعلى الرغم من وفرة المواد الأدبية الأساسية، فإن تطبيق نظرية ما بعد الاستعمار على أدب الأطفال محدود نسبيا حاليا. ومن بين الأمثلة الأولى مقال بيري نودلمان «الآخر: الاستشراق والاستعمار وأدب الأطفال» (1992)؛ حيث طبق نودلمان أفكارا من كتاب «الاستشراق» للكاتب إدوارد سعيد عن العلاقة بين الكبار والأطفال التي تظهر في نصوص الأطفال الأدبية، ويشير إلى أن أدب الأطفال ما هو إلا أدب استعماري يستعمر فيه الكبار الطفولة.
ومن بين من شككوا في بعض استنتاجات نودلمان، تعد كلير برادفورد الأكثر انخراطا في تطبيق نظرية ما بعد الاستعمار على النصوص الأدبية للأطفال. فقد عملت برادفورد - على سبيل المثال - على نصوص أدبية للأطفال من إنتاج سكان أستراليا الأصليين - في الماضي والحاضر - للمساعدة على تحديد سمات رواية القصة والرسم التوضيحي لديهم وتفسيرها. وفي خضم عملها، توضح كيف أنهم يعملون خارج إطار أنظمة المعارف والقيم التي يتسم بها الأوروبيون الغربيون الذين استعمروا أستراليا. وفي تحليلاتها للأعمال القصصية للمستوطنين، كشفت عن الاستراتيجيات السردية التي علمت القراء البريطانيين والأستراليين الشباب أنهم أعلى منزلة من السكان الأصليين، وأضفت شرعية على السلطة التي يمارسونها عليهم. وكما توضح برادفورد، فإن الكتابة للأطفال - بما تتسم به غالبا من طرح أيديولوجيات واضحة ونزعة إلى إدراج مواد رسومية بها - يمكن أن تكون بؤرة تركيز مثمرة للغاية لتطبيق نظرية ما بعد الاستعمار.
صفحة غير معروفة