أدب الدنيا والدين

الماوردي ت. 450 هجري
152

أدب الدنيا والدين

الناشر

دار مكتبة الحياة

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٠٧ هجري

مكان النشر

بيروت

تصانيف

التصوف
وَإِذًا قَدْ لَزِمَ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ سَبْرُ الْإِخْوَانِ قَبْلَ إخَائِهِمْ، وَخِبْرَةُ أَخْلَاقِهِمْ قَبْلَ اصْطِفَائِهِمْ. فَالْخِصَالُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي إخَائِهِمْ بَعْدَ الْمُجَانَسَةِ الَّتِي هِيَ أَصْلُ الِاتِّفَاقِ أَرْبَعُ خِصَالٍ: فَالْخَصْلَةُ الْأُولَى: عَقْلٌ مَوْفُورٌ يَهْدِي إلَى مَرَاشِدِ الْأُمُورِ. فَإِنَّ الْحُمْقَ لَا تَثْبُتُ مَعَهُ مَوَدَّةٌ، وَلَا تَدُومُ لِصَاحِبِهِ اسْتِقَامَةٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «الْبَذَاءُ لُؤْمٌ، وَصُحْبَةُ الْأَحْمَقِ شُؤْمٌ» . وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: عَدَاوَةُ الْعَاقِلِ أَقَلُّ ضَرَرًا مِنْ مَوَدَّةِ الْأَحْمَقِ؛ لِأَنَّ الْأَحْمَقَ رُبَّمَا ضَرَّ وَهُوَ يَقْدِرُ أَنْ يَنْفَعَ، وَالْعَاقِلُ لَا يَتَجَاوَزُ الْحَدَّ فِي مَضَرَّتِهِ، فَمَضَرَّتُهُ لَهَا حَدٌّ يَقِفُ عَلَيْهِ الْعَقْلُ، وَمَضَرَّةُ الْجَاهِلِ لَيْسَتْ بِذَاتِ حَدٍّ. وَالْمَحْدُودُ أَقَلُّ ضَرَرًا مِمَّا هُوَ غَيْرُ مَحْدُودٍ. وَقَالَ الْمَنْصُورُ لِلْمُسَيِّبِ بْنِ زُهَيْرٍ: مَا مَادَّةُ الْعَقْلِ؟ فَقَالَ: مُجَالَسَةُ الْعُقَلَاءِ. وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: مِنْ الْجَهْلِ صُحْبَةُ ذَوِي الْجَهْلِ، وَمِنْ الْمُحَالِ مُجَادَلَةُ ذَوِي الْمُحَالِ. وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ: مَنْ أَشَارَ عَلَيْك بِاصْطِنَاعِ جَاهِلٍ أَوْ عَاجِزٍ، لَمْ يَخْلُ أَنْ يَكُونَ صَدِيقًا جَاهِلًا أَوْ عَدُوًّا عَاقِلًا؛ لِأَنَّهُ يُشِيرُ بِمَا يَضُرُّك وَيَحْتَالُ فِيمَا يَضَعُ مِنْك. وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ: إذَا مَا كُنْت مُتَّخِذًا خَلِيلًا ... فَلَا تَثِقَنَّ بِكُلِّ أَخِي إخَاءِ فَإِنْ خُيِّرْت بَيْنَهُمْ فَأَلْصِقْ ... بِأَهْلِ الْعَقْلِ مِنْهُمْ وَالْحَيَاءِ فَإِنَّ الْعَقْلَ لَيْسَ لَهُ إذَا مَا ... تَفَاضَلَتْ الْفَضَائِلُ مِنْ كِفَاءِ وَالْخَصْلَةُ الثَّانِيَةُ: الدِّينُ الْوَاقِفُ بِصَاحِبِهِ عَلَى الْخَيْرَاتِ، فَإِنَّ تَارِكَ الدِّينِ عَدُوٌّ لِنَفْسِهِ، فَكَيْفَ يُرْجَى مِنْهُ مَوَدَّةُ غَيْرِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: اصْطَفِ مِنْ الْإِخْوَانِ ذَا الدِّينِ وَالْحَسَبِ وَالرَّأْيِ وَالْأَدَبِ، فَإِنَّهُ رِدْءٌ لَك عِنْدَ حَاجَتِك، وَيَدٌ عِنْدَ نَائِبَتِك، وَأُنْسٌ عِنْدَ وَحْشَتِك، وَزَيْنٌ عِنْدَ عَافِيَتك. وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ ﵁: أَخِلَّاءُ الرَّخَاءِ هُمْ كَثِيرٌ ... وَلَكِنْ فِي الْبَلَاءِ هُمْ قَلِيلُ فَلَا يَغْرُرْك خِلَّةُ مَنْ تُؤَاخِي ... فَمَا لَك عِنْدَ نَائِبَةٍ خَلِيلُ وَكُلُّ أَخٍ يَقُولُ أَنَا وَفِيٌّ ... وَلَكِنْ لَيْسَ يَفْعَلُ مَا يَقُولُ

1 / 167