أدب الدنيا والدين

الماوردي ت. 450 هجري
151

أدب الدنيا والدين

الناشر

دار مكتبة الحياة

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٠٧ هجري

مكان النشر

بيروت

تصانيف

التصوف
عَنْ الْمَرْءِ لَا تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ ... فَكُلُّ قَرِينٍ بِالْمُقَارَنِ يَقْتَدِي إذَا كُنْت فِي قَوْمٍ فَصَاحِبْ خِيَارَهُمْ ... وَلَا تَصْحَبْ الْأَرْدَى فَتَرْدَى مَعَ الرَّدِي فَلَزِمَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا أَنْ يَتَحَرَّزَ مِنْ دُخَلَاءِ السُّوءِ، وَيُجَانِبَ أَهْلَ الرِّيَبِ، لِيَكُونَ مَوْفُورَ الْعَرْضِ سَلِيمَ الْعَيْبِ، فَلَا يُلَامُ بِمَلَامَةِ غَيْرِهِ. وَلِهَذَا قِيلَ: التَّثَبُّتُ وَالِارْتِيَاءُ، وَمُدَاوَمَةُ الِاخْتِيَارِ وَالِابْتِلَاءُ، مُتَعَذِّرٌ بَلْ مَفْقُودٌ. وَقَدْ ضَرَبَ ذُو الرُّمَّةِ مَثَلًا بِالْمَاءِ فِيمَنْ حَسُنَ ظَاهِرُهُ، وَخَبُثَ بَاطِنُهُ، فَقَالَ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْمَاءَ يَخْبُثُ طَعْمُهُ ... وَإِنْ كَانَ لَوْنُ الْمَاءِ أَبْيَضَ صَافِيَا وَنَظَرَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ إلَى رَجُلِ سُوءٍ حَسَنِ الْوَجْهِ فَقَالَ: أَمَّا الْبَيْتُ فَحَسَنٌ، وَأَمَّا السَّاكِنُ فَرَدِيءٌ. فَأَخَذَ جَحْظَةُ هَذَا الْمَعْنَى فَقَالَ: رَبِّ مَا أَبْيَنَ التَّبَايُنَ فِيهِ ... مَنْزِلٌ عَامِرٌ وَعَقْلٌ خَرَابُ وَأَنْشَدَ فِي بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَا تَرْكَنَنَّ إلَى ذِي مَنْظَرٍ حَسَنٍ ... فَرُبَّ رَائِقَةٍ قَدْ سَاءَ مَخْبَرُهَا مَا كُلُّ أَصْفَرَ دِينَارٌ لِصُفْرَتِهِ ... صُفْرُ الْعَقَارِبِ أَرْدَاهَا وَأَنْكَرَهَا ثُمَّ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ الْحُكَمَاءِ: مَنْ لَمْ يُقَدِّمْ الِامْتِحَانَ قَبْلَ الثِّقَةِ، وَالثِّقَةَ قَبْلَ أُنْسٍ، أَثْمَرَتْ مَوَدَّتُهُ نَدَمًا. وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: مُصَارَمَةٌ قَبْلَ اخْتِبَارٍ، أَفْضَلُ مِنْ مُؤَاخَاةٍ عَلَى اغْتِرَارٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ: لَا تَثِقْ بِالصِّدِّيقِ قَبْلَ الْخِبْرَةِ، وَلَا نَفْعَ بِالْعَدْوِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ، وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ: لَا تَحْمَدَنَّ امْرَأً حَتَّى تُجَرِّبَهُ ... وَلَا تَذُمَّنَّهُ مِنْ غَيْرِ تَجْرِيبِ فَحَمْدُك الْمَرْءَ مَا لَمْ تُبْلِهِ خَطَأٌ ... وَذَمُّهُ بَعْدَ حَمْدٍ شَرُّ تَكْذِيبِ

1 / 166