أفعال الرسول ﷺ ودلالتها على الأحكام الشرعية
الناشر
مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع
رقم الإصدار
السادسة
سنة النشر
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
مكان النشر
بيروت - لبنان
تصانيف
وللظروف والأسباب والطريقة والنتائج، تقدير هو الصواب بعينه، وليس لأحد من البشر أن يعقّب على حكمه.
وأهل اللغة عندما يسندون الأفعال إلى الآمر بها، المسؤول عن تقدير أسبابها وظروفها ونتائجها، إنما يصدرون في ذلك عن قناعة نفسية بأن الفعل يعتبر صادرًا عن الأمر المسؤول كما يعتبر صادرًا عن المأمور الذي لا يزيد عن كونه مجرد آلة (١)، بل أولى.
وكمثال لا تقدم نضرب ما ذكره ابن حزم في مسألة حكم إشعار الهدي. فقد روى ابن حزم (٢) حديثًا من طريق النسائي أن النبي ﷺ أمر ببدنته فأشعَر في سنامها من الشق الأيمن، ثم سَلت الدَّم عنها وقلدها نعلين.
ثم قال ابن حزم: "ليس في هذا الخبر أنه أمَر بالإشعار. ولو كان فيه، لقلنا بإيجابه مسارعين. وإنما فيه أنه (أمر ببدنته فأشعر في سنامها)، فمقتضاه أنه أمر بها، فأُدنِيَتْ إليه، فأشعر في سنامها، لأنه هو ﷺ تولّى بيده إشعارها. بذلك صح الأثر". اهـ. أي فيدل على الاستحباب.
فليت شعري لو أن رسول الله ﷺ كان قد أمر أجيره، أو خادمه أو أحد
_________
(١) ألمح إلى ذلك سعد الدين التفتازاني في حاشيته على شرح مختصر ابن الحاجب في الأصول (١/ ١٥٧) حيث يقول في نحو (أنبت الربيع البقل): ليس هنا مجاز وضعي أصلًا لا في المفرد ولا في المركب، بل عقلي، بأن أسند الفعل إلى غير ما يقتضي العقل إسناده إليه، تشبيهًا له بالفاعل الحقيقي.
قال: وليس المقصود بهذا التشبيه هو الذي يقال بالكاف وكأن ونحوهما، بل هي عبارة عن جهة راعوها في إعطاء الربيع -وهو الجدول- حكم القادر المختار، كما قالوا: شبه (ما) بـ (ليس) فرفع بها الاسم ونصب الخبر. اهـ. فجعله التشبيه هنا عبارة عن (جهة راعوها)، نظير لما ذكرنا من القناعة النفسية لدى أهل اللغة إذ ينسبون الفعل إلى الآمر الواجب الطاعة، ويسند الفعل في كل من الصورتين إلى غير فاعله على سبيل المجاز العقلي.
(٢) المحلى ٧/ ١١٠، ١١٢
1 / 53