أفعال الرسول ﷺ ودلالتها على الأحكام الشرعية
الناشر
مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع
رقم الإصدار
السادسة
سنة النشر
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
مكان النشر
بيروت - لبنان
تصانيف
أقواله ﷺ لم تكن موضع شك منذ البداية، أما الأفعال فإنما اتّخذ فيها مثلًا أعلى رَغمًْا عن أن شريعته لا تدل على ذلك.
ونحن سنثبت -إن شاء الله- حجية أفعال النبي ﷺ في الفصل الثالث من الباب الأول. ولن نرد على ما في كلامهما من الباطل الذي دعاهما إليه الكفر. ولكن يهمنا هنا إثبات أنه ﷺ جُعِل الصورة المقتدى بها في الدين، وأن بملاحظة أفعاله يحصل تعلم الدين، وأنه كان المثل الأعلى للبشر في حدود البشرية من جهة الدين، وأن ما أشار إليه جولد تسيهر وزاغ عنه، وهو قوله تعالى في الأخلاق والعبادة والمعاملة: ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة﴾ دليل في ذلك. وسياق الآية في الثبات في الحرب، لا في مجرد العبادة.
وحتى الآية التي كفر بها جولد تسيهر، فيها أن الله أرسل نبيه ﴿سراجًا منيرًا﴾، والسراج يضيء من داخله.
وقد جاء ثلاثة رهط إلى أبيات النبي ﷺ، يسألون عن عبادته لربه، فأخبروا بها، فكأنهم تقالُّوها. فقالوا: وأين نحن من رسول الله ﷺ، قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. فالتزم بعضهم أن لا ينكح النساء، والآخر أن يصوم ولا يفطر، والثالث: أن يقوم فلا ينام. فأخبر النبي ﷺ بقولهم، فقال: "أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له. لكني أصوم وأفطر، وأقوم، وأنام، وأتزوّج النساء. فمن رغب عن سنتي فليس مني" (١). فلم ينبّههم إلى الحق بذكر آية، أو تبليغ وحي، وإنما نبّههم إلى فعل نفسه، وإلى ما يلتزم به، وأن من ناقَضَ مقتضى الاقتداء به في ذلك، فليس على شريعته.
وأمر آخر يدل على المطلوب دلالة واضحة، وهي أن الله تعالى قصّ علينا في كتابه قصص أنبيائه والصالحين من عباده. وإنما قصّهم ليكونوا عبرًا ومُثُلًا تحتذى، كما في توبة آدم، ودعوة شعيب، والتزام إبراهيم، ووصية يعقوب لبنيه بالتوحيد، وعفة يوسف، واستغفار يونس، وطاعة إسماعيل، وقوة موسى، وعبادة مريم،
_________
(١) بمعنى رواية البخاري (فتح الباري. ط مصطفى الحلبي ١١/ ٤) ورواه مسلم ٩/ ١٧٦
1 / 47