أفعال الرسول ﷺ ودلالتها على الأحكام الشرعية
الناشر
مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع
الإصدار
السادسة
سنة النشر
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
مكان النشر
بيروت - لبنان
تصانيف
ومُرُوهم، وصلوا كما رأيتموني أصلي، وإذا حضرت الصلاة فليؤذّن لكم أحدكم، ثم ليؤمكم أكبركم" (١).
فإن صحت هذه الزيادة، فالكلام عنها في باب الأفعال متردّد بين طريقين:
الأول: أن الأمر في قوله: "صلوا كما رأيتموني أصلي" للوجوب. فيدل على أن الأصل في أفعاله ﷺ في الصلاة الوجوب.
الثاني: وهو الذي نعتمده، أن الأمر للإرشاد، وهو إرشاد لقومٍ مخصوصين، فهم شباب من البادية، حديث عهدهم بالإسلام، لم يقيموا عند النبي ﷺ مدة تكفي أن يتعلموا جميع الأحكام، بل عشرين يومًا فقط، وحملهم الشوق إلى أهلهم، لصغر أسنانهم، وعنفوان شبابهم، على أن يستعجلوا المسير. فأوصاهم النبي ﷺ تلك الوصية.
فهل تصلح تلك الوصية أن تكون قاعدة عامة؟ ويكون الحكم في حق سائر الصحابة وسائر الأمة كذلك.
كلا، بل كما يجوز أن يقال لمن يسير في طريق يجهلها: "سر وراء فلان، واصنع ما يصنع" لأن هذه هي العلامة الوحيدة الميسورة، مع أن فلانًا المتبوع قد يميل عن الطريق يمنة أو يسرة يستطرد لغرض خاص، فيضطر التابع له أن يسير خلفه. وقد يصنع المتبوع أشياء ليست ضرورية فيفعلها التابع، فكذلك الأمر في قصة مالك بن الحويرث ﵁.
ولم تحفظ هذه اللفظة "صلوا كما رأيتموني أصلي" عن غير مالك بن الحويرث، فيبعد أن تكون قاعدة عامة للمسلمين، ولا يبثّها النبي ﷺ في أصحابه، إذ لو بثّها لبعد أن لا ينقلها كبار النقلة من الصحابة.
وفي حديث مالك بن الحويرث أنه كان يجلس بعد الركعة الأولى وبعد الثالثة، وهي الجلسة المسماة جلسة الاستراحة، والتي يمنعها أكثر الفقهاء، كمالك
(١) فتح الباري ١٠/ ٤٣٧، ٤٣٨ وانظر أطراف الحديث في المصدر نفسه ١/ ١١٠
1 / 298