أفعال الرسول ﷺ ودلالتها على الأحكام الشرعية
الناشر
مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع
الإصدار
السادسة
سنة النشر
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
مكان النشر
بيروت - لبنان
تصانيف
ويرى البنانيّ أن الحكم يكون له، بورود الفعل البيانيّ، دليلان: المجمل، والفعل نفسه. فيكون الفعل دليلًا مؤكدًا، بالإضافة إلى أنه يفيد فائدة أخرى تأسيسية، هي وجوب الصفة التي لم تعلم إلاّ بالفعل.
وكمثال على ذلك، الطواف الذي فعله النبي ﷺ بيانًا لقوله تعالى: ﴿وليطوّفوا بالبيت العتيق﴾ يستفاد منه، بالإضافة إلى توكيد الوجوب المستفاد من الآية، وجوب صفته التي وقع عليها، ككونه سبعًا، والابتداء بالحجر، وجعْل الطائف البيت عن يساره (١).
وعندي أن من قال إن الوجوب يستفاد من المجمل لا من الفعل نظر إلى أصل التأثير، فإن الفعل ساكت عن الطلب فلا يؤثِّر إيجابًا، والمؤثر للإيجاب هو الخطاب الآمر.
ومن قال إن الوجوب يستفاد أيضًا من الفعل فقد نظر إلى أن الوجوب يمكن أن يعرف بالنظر في الفعل. فالفعل علامة على الوجوب، وليس هو المؤثر للوجوب. ثم هو يفيد أيضًا وجوب الصفة.
الأجزاء غير المرادة من الفعل البيانيّ:
المشكلة الكبرى في الأفعال البيانية، وخاصة في العبادات، أن النبي ﷺ كان يفعل الفعل بجميع أجزائه، الواجبة والمندوبة، ويفعل في أثنائه بعض الأفعال المباحة أيضًا، ولا ينفصل في بادي الرأي واجُبُه من مندوبِهِ من مباحه. وقد قال ابن الهمام: إن الاستقراء يدلّ على أن كثيرًا من الأفعال البيانية تشتمل على أفعال غير مرادة من المجمل (٢).
ويمثّل كثير من الأصوليين للفعل البيانيّ بصلاة النبي ﷺ، ويجعلونها بيانًا لآيات الأمر بإقام الصلاة، وبحجِّه ﷺ، ويجعلونه بيانًا لآية ﴿ولله على الناس حجّ
(١) حاشية على شرح جمع الجوامع ٩٨/ ٢
(٢) تيسير التحرير ٣/ ١٧٦
1 / 293