جاء الضمير في قوله: {ولا هم} ضمير جمع، وهو عائد على نفس في قوله: {عن نفس}، والنفس مفردة، ذلك أن النفس هنا في معنى: نفوس، # وإيضاح هذا أن نفسا نكرة واقعة بعد نفي، أعني: (لا) في قوله: {لا تجزي}، والنكرة إذا وقعت بعد نفي تشمل كل فرد من أفرادها، فيكون نفس في قوله: {عن نفس} متناولة لكل فرد من أفراد النفوس، وبهذا كانت في معنى الجمع، وصح أن يعود عليها الضمير الموضوع ليدل على أفراد متعددة، وقد جرى القرآن على هذا الاستعمال المعروف في علم البيان؛ كما قال تعالى: {فما منكم من أحد عنه حاجزين} [الحاقة: 47].
ومعنى قوله: {ولا هم ينصرون}: أنهم لا يجدون من يعينهم ويمنعهم من عذاب الله، أو لا يجدون من ينتصر لهم من الله إذا عاقبهم.
وقد أتى القرآن الكريم إلى ما يحتمل أن يكون وسيلة إلى النجاة يوم القيامة، فنفاه نفيا باتأة حتى يعلم الجاحد بآيات الله، الفاسق عن أمره أن ليس هناك وسيلة ترجى للخلاص من عذاب، والفوز بنعيم، غير الإيمان وحسن الطاعة، ذلك أن المأخوذ بحق إما أن يجد من ينوب عنه في أداء الحق، فقال تعالى: {لا تجزي نفس عن نفس شيئا}، وإما أن يجد وجيها عند المطالب له بالحق، فيسأل له العفو، فقال تعالى: {ولا يقبل منها شفاعة}، وإما أن يقدم إلى المطالب بالحق بدلا من هذا الحق على نحو ما عرف في الدنيا باسم الفداء، فقال تعالى: {ولا يؤخذ منها عدل}، وإما أن يجد ذا قوة يعينه ويمنعه ممن يريد عقابه، فقال تعالى: {ولا هم ينصرون}.
* * *
صفحة ٩٣