موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين
محقق
علي الرضا الحسيني
الناشر
دار النوادر
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣١ هجري
مكان النشر
سوريا
تصانيف
و﴿مُحَرَّمٌ﴾ من حرَّم بمعنى: منع. والمحرّم شرعًا: ما يعاقب على فعله، ويثاب بالقصد إلى تركه امتثالًا لنهي الشارع عنه. والمعنى: أنكم تخرجون فريقًا منكم من ديارهم، وإذا صار هؤلاء الفريق في الأسر، فاديتموهم، وإخراجهم من ديارهم محرم عليكم، فلمَ لم تتبعوا حكمة التوراة في النهي عن إخراجهم كما اتبعتم حكمها في مفاداتهم؟.
﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾:
هذا معطوف على قوله تعالى: ﴿تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ﴾. والاستفهام للإنكار والتوبيخ على التفريق بين أحكامه تعالى بالإيمان ببعض، والكفر ببعض. والكتاب: التوراة. وبعض الكتاب الذي آمنوا به: هو ما حرم عليهم من ترك الأسرى في أيدي عدوهم، وبعضه الذي كفروا به: هو ما حرم عليهم من القتل والإخراج من الديار.
والمعنى: كيف تستبيحون القتل والإخراج من الديار، ولا تستبيحون ترك الأسرى في أيدي عدوهم؟! فالإنكار-كما عرفت- غير متوجه إلى الإيمان ببعض الكتاب، وإنما الذي أنكر عليهم هو جمعهم بين الكفر والإيمان؛ إذ كفروا ببعض الأحكام، وآمنوا ببعضها، وإنما سمي عصيانهم بالقتل والإخراج من الديار كفرًا؛ لأن من عصى أمر الله بحكم عملي، معتقدًا أن الحكمة والصلاح فيما فعله؛ بحيث يتعاطاه دون أن يكون في قلبه أثر من التحرج، ودون أن يأخذه ندم وحزن من أجل ما ارتكب، فقد خرج بهذه الحالة النفسية من سبيل المؤمنين.
وفي الآية دليل واضح على أن الذي يؤمن ببعض ما تقرر في الدين بالدليل القاطع، ويكفر ببعضه، يدخل في حساب الكافرين؛ لأن الإيمان
1 / 156