موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين
محقق
علي الرضا الحسيني
الناشر
دار النوادر
الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣١ هجري
مكان النشر
سوريا
تصانيف
على أن أصحاب هذه المحاورة كانوا مؤمنين بموسى﵊ -، فيحمل قولهم: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ﴾ على معنى: لانصدقك تصديقًا مطمئنًا في النفس لا تحوم عليه شبهة، ولا يدنو منه ريب، وهو الإيمان الذي يدخل القلوب من طريق المعجزة الباهرة.
﴿فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾:
﴿الصَّاعِقَةُ﴾: الموت، وما يكون سببًا للموت، من نحو: الصيحة، والنار تنزل من السماء. وبهذا المعنى نفسّر الصاعقة في الآية. وقال تعالى: ﴿وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾، فأفاد أن العقوية نزلت عليهم وهم يشاهدونها، وفي مشاهدتها رعب وفزع يأخذ قلوبهم قبل أن يأخذ العذاب المهلك أجسامهم.
وقد يخطر على البال أن هذه الآية تصلح لأن تكون دليلًا على عدم صحة رؤية الله بالعين الباصرة يوم القيامة؛ فإن الذين طلبوها سلط الله عليهم الصاعقة؛ كما سلط على عَبَدَه العجلِ القتل. ويُدفع هذا الخاطر بأن موسى - ﵇ - قد علم أن رؤية الله ممكنة، فطلبها؛ كما جاء في سورة الأعراف: ﴿قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١٤٣]، وأعلمه الله أن رؤيته في الدنيا بالأبصار لا تقع، وصار هذا أصلًا معروفًا عنده وعند قومه، ولكن بني إسرائيل سألوا الرؤية بالأبصار بعد علمهم بذلك تعنتًا، أو لشك خالجهم، فأخذهم الله بالصاعقة وهم ينظرون؛ عقوبةً لهم على ما سألوا. وورد في الكتاب المجيد آيات تدل على أنه تعالى يُرى يوم القيامة؛ كقوله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة: ٢٢ - ٢٣]. وورد أيضًا من الآيات ما يدل بظاهره على نفيها، ولكن الآيات المثبتة تأيدت بأحاديث صحيحة، فوجب المصير إليها، وفهمُ الآيات الأخرى على وجه يوافق الآيات
1 / 105