قال: على ما يدل كل ذلك؟
أجاب: على أن الكونتيس تريد أن تخرج من مستشفى المجانين، وأنها باتت تعرف حق العرفان من أنت؟
قال: وأي خوف علي من كل هذا؟ فإني سأدفع للدير مائة ألف فرنك، وتهب لي هي كل أموالها.
فضحك ميشيل ضحك الهازئ وقال: إذا عمل سيدي البارون بنصيحتي، فخير له أن يذهب ليقيم في مستشفى المجانين بدلا من امرأة عمه.
فاستاء البارون لضحكه وقال له أوضح ما تقول!
قال: إن خروج الكونتيس من المستشفى إلى الدير يثبت أنها شفيت من جنونها، ومتى ثبت أنها عاقلة قاضتك أمام المحاكم، وادعت أنك أكرهتها على هبة مالها مقابل إخراجها من المستشفى، ففسدت الهبة، وحكمت المحكمة عليك برد المال، ويحتمل بأكثر كثيرا من ذلك. - ولكن، ما عساها تصنع بالمال؟ - تتمتع به في البدء. - إنها مريضة، أيامها معدودة، وسيعود مالها إلي. - كلا، بل يعود إلى ولدها «السيئ البخت» إذا وجدته. - إذن فاسمع مقالي، فما الذي أثبت جنون الكونتيس؟ - إصرارها على القول أن ولدها الذي دفن كما تثبته السجلات الرسمية لا يزال على قيد الحياة. - فإذا عادت إلى ادعائها السابق - وهو أن السيئ البخت ولدها - تكون قد أثبتت أن الجنون عاودها. - ولكنها لا تقول إنه ولدها، بل تعطيه أموالها على سبيل الهبة، وهي حرة بإنفاق مالها كما تشاء. - ولكن ذلك لا يتم إلا بعد قضاء أمرين؛ أحدهما أن أوافق على إخراجها من المستشفى، والثاني أن يكون السيئ البخت على قيد الحياة؟ - ألم تقل أنك تعطي المائة ألف فرنك بملء الرضى؟ - نعم، ولكن بشرط أن لا تقاضيني امرأة عمي. - إنها لن تقاضيك، وتبقى في مستشفى المجانين. - أحق ما تقول؟! - نعم، وإن السيئ البخت لا يظهر في الوجود، وإذا ظهر فلا يستطيع أن يضرك بشيء. - إذن، لمن تريد أن أمنح المائة ألف فرنك؟ - لي أنا، ورجائي أن تعذرني يا سيدي البارون، فقد بلغت الأربعين وآن لي أن أهتم بمستقبلي، فحدق فيه البارون مليا، ثم قال له: أرى أنك فقدت صوابك لسببين؛ قال ما أولهما؟
أجاب: إن هذه الأخطار التي تتوقعها لي كلها وهمية لا خوف منها.
قال: هذا ما سيظهره لك المستقبل.
أجاب: والثاني أنك شديد الطمع، فإنك تطلب مائة ألف فرنك مقابل نصيحة لا تساوي ألفا، قال: لك أن تتروى في الأمر يا سيدي.
أجاب: لقد تمعنت التمعن الكافي، فإني لم أعط في حياتي خادما مائة ألف فرنك ولا أبدأ بك. والآن فإني أريد أن تذهب غدا إلى سانت مرتين، فتخبر المسيو لوتباتي وكيلي أني في حاجة إلى الأموال المتأخرة، وأني أنتظر زيارته، فانحنى ميشيل ومشى إلى الباب، ثم عاد وقال: إن سيدي لم يفطن إلى أن غدا يوم السوق، وأني قد لا أجد الوكيل في سانت مرتين.
صفحة غير معروفة