وعندما رأى أنيتور أنه جالس وحده مع شارنسون في المركبة، وأن هذا العدو الجديد الذي اكتسبه بحسده ورعونة أخلاقه مسلح بمسدس ينذره به في كل لحظة، أصيب برعب عظيم، شأن جميع ذوي الكيد والأخلاق المنحطة.
وقد كان يقول: إن المبارزات همجية محضة ومن متخلفات القرون الوسطى، وإنما كان يقول هذا القول بين أصحابه لجبنه، حتى إذا دعي يوما إلى المبارزة يتمسك بهذا المبدأ، ويتخذه ذريعة للتنصل دون أن يتهم بالخوف.
أما شارنسون فقد كان مصمما على مبارزته، لا يثنيه شيء عنها، حتى إنه كان ناويا قتله إذا امتنع، فكان يصوب عليه المسدس في الطريق حذرا من فراره.
وسارت المركبة، فاجتازت الغابات، وذهبت مسرعة إلى جهة قرية بولوني، ولم يكن أنيتور يعرف أحدا في هذه القرية، فما عسى ينقذه من موقفه الرهيب؟
وكان كلما شعر أن المركبة تقترب من سانت كلو يصفر وجهه، ويشتد خوفه حتى يتحول إلى رعب، وقد رأى شارنسون ذلك منه، فقال له على سبيل التهكم: إني أخاف عليك عاقبة الروع في ساحة القتال، فتجلد فلا ينقذك الخوف مما أنت فيه. وكأنما قد أثر فيه هذا القول وهاج كبرياؤه، والكبرياء تشبه الشجاعة في بعض المواقف، فزال ذلك الخوف الذي كان سائدا عليه وقال له: إني لا بد لي أن أقتلك في هذا المعترك.
قال: ليس ذلك ببعيد بعد أن كدت تقتل صديقي، فإن من كان نذلا مثلك يكون عادة حسن الطالع، وقد نظر إليه نظرة احتقار صاعقة وامتنع عن محادثته، وسارت المركبة حتى وصلت إلى خمارة «الرأس الأسود»، فأوقفها شارنسون وقال له بلهجة الآمر: اخرج من المركبة واحذر أن يخطر الفرار ببالك.
فوقع هذا الكلام عليه وقع السوط وقال له: كيف أهرب وأنا عازم على قتلك؟!
قال: حسنا! فهلم بنا!
وقد دخل الاثنان الخمارة وكان فيها كثير من الضباط، فنظر شارنسون إليهم نظرة الفاحص، واختار من بينهم ضابطا لا يزال في مقتبل الشباب، وعليه مخائل اللطف وكرم الأخلاق، فحياه وقبعته بيده وقال له: لقد اختصمت يا سيدي الضابط مع هذا الرجل خصاما دعا إلى المبارزة، فاتفقت وإياه اتفاقا تاما على أنه لا بد من قتل واحد منا، ثم إننا نقيم في أوتيل، وجميع أصحابنا في باريس؛ ولذلك عولنا على أن نتبارز في غابات سيفير، وأعددنا السلاح في المركبة التي جئنا فيها، ولم يعد يعوزنا غير الشهود، فأتينا إليك نلتمس مساعدتكم في هذه المهمة، فإن الضابط الفرنساوي لا يمتنع عن هذه الخدمات.
فقال له الضابط: إنك تقول الحق، ولكن اسمح لي أن أسألك سؤالا في هذا الشأن.
صفحة غير معروفة