ومن هذه المشاهدات المتكررة يجنح ذوو التجارب إلى القول بأن غياب أطوار الرجولة يبرز أطوار الأنوثة ولا يحدث عكس ذلك، أي: أن غياب أطوار الأنوثة لا يعطي الرجل صفات جنسه النفسية أو الجسدية.
وأيا كان مقطع الرأي في هذه التجارب، فالثابت من أطوار الصبغيات والناسلات أن أنوثة الجنين مطردة، حيث يغيب الصبغي الذي ينفرد الذكر بإفرازه، وإنه حيث يوجد هذا الصبغي يكون الجنين ذكرا على الدوام.
فمن عجائب الخلقة أن الخلايا المولدة التي تصل إلى رحم المرأة تبلغ نحو مائتي مليون خلية، كل خلية منها تحتوي على أربعة وعشرين صبغيا، وكلها متشابهة إلا بعض صبغيات الذكر؛ فإن الصبغي الرابع والعشرين منها يشتمل على خلية واحدة ذات جزئين مختلفين، ولا يأتي هذا الاختلاف إلا على النسبة التي يتعادل بها عدد الذكور، وعدد الإناث في النوع الإنساني بوجه التقريب.
وأعجب من ذاك أن هذا الصبغي
Chromosome
يعين جنس المولود، ولكنه لا يعين الطبائع الموروثة، بل يرجع توريث هذه الطبائع إلى الناسلات
Genes ، فتنتقل إلى بعض الذرية ولا تنتقل إلى بعضها؛ لأن الناسلات تتزاوج، وتتلاقى ناسلات الأب وناسلات الأم، ويختلف الولدان من ثم في الذرية الواحدة، ولا يندر أن يكون الذكر وارثا لصفات أمه، وأن تكون الأنثى وارثة لصفات أبيها، بل لا يندر أن تكون الصفات الموروثة منقولة من الأجداد والأسلاف: صفة من الجد الأبوي وصفة من الجد الأموي، وكلتا الصفتين قد خفيتا في الأب والأم على السواء.
وكثيرا ما يرث الولد استعدادا تحول البيئة دون ظهوره، ولكنه لا يكسب في البيئة خلقا لم يكن على استعداد له بتكوينه.
وقد تقدم أن الصبغيات في النوع الإنساني أربعة وعشرون، أحدها هو الذي يعين الجنس، فينمو الجنين ذكرا أو أنثى على حسبه، ويبقى ثلاثة وعشرون صبغيا تعمل في تكوين الجنين، فهذه الحقيقة يبني عليها بعض العلماء رأيا قويا في تعليل الوراثة المختلفة، ويسمون هذه الصبغيات بالمستقلة أو الذاتية
Altosomes
صفحة غير معروفة