همت برذاذ ثم بطش ثم بوابل، ثم أقلعت وغادرت الغدران مترعة تتدفق، والقيعان تتألق، رياض مونقة ونوافح من ريحها عبقة، فسرحت طرفي منها في أحسن منظر، ونشقت من رباها أطيب من المسك الأذفر، فلما انتهينا إلى أوائلها إذا نحن بخباء على بابه جارية مشرقة، ترنو بطرف مريض الجفون، وسنان النظر، أشعرت حماليقه فترة وملئت سحرا، فقلت لزميلي: استنطقها. قال: وكيف السبيل إلى ذلك؟ قلت: استسقها! فاستسقاها، فقالت: نعم ونعما عين، وإن نزلتم فعلى الرحب والسعة، ثم مضت تتهادى كأنها خوط بان أو قضيب خيزران، فراعني ما رأيت منها، ثم أتت بماء فشربت منه وصببت باقيه على يدي، ثم قلت: وصاحبي أيضا عطشان! فأخذت الإناء فذهبت فقلت لصاحبي: من الذي يقول:
إذا بارك الله في ملبس
فلا بارك الله في البرقع
يريك عيون الدمى غرة
ويكشف عن منظر أشنع
وسمعت كلامي فأتت وقد نزعت البرقع، ولبست خمارا أسود وهي تقول:
ألا حي ربعي معشر قد أراهما
أقاما فما أن يعرفا مبتغاهما
هما استسقيا ماء على غير ظمأة
ليستمتعا باللحظ ممن سقاهما
صفحة غير معروفة