وكانت ريحانة أعلم منها بعظم المصيبة، ولكنها لم يسعها إلا التخفيف عنها، وشعرت أنها أساءت إليها إذ لم تمنعها من المجيء فقالت: «الحرب بعيدة عنا. اخرجي وانظري المعركة؛ فإنها وراء هذا المعسكر بينه وبين المدينة. وأما هذا السهم فقد أفلت وابتعد صدفة. اخرجي.» قالت ذلك وأمسكت بيدها وأخرجتها من الخباء رغم إرادتها، فأطلت على المعركة عن بعد فرأت الفرسان تجول، والنبال تتطاير، والسيوف تبرق في أيدي الفرسان، وبعضهم يحمل التروس، وبعضهم يشرعون الرماح، وأكثر القتال بين الفرسان؛ ولذلك قلما كانوا يترامون بالنبال؛ لأن النبالة أكثرهم من المشاة. فلم تستطع جلنار الصبر على ذلك المنظر فدخلت، ودخلت ريحانة في أثرها وهما صامتتان، وقد شغل خاطرهما؛ لأنهما لم يشاهدا الضحاك، حتى إذا دنا المغيب - وهي الساعة التي تنقبض فيها النفوس بلا سبب - زاد انقباض جلنار وتصورت قرب مجيء زوجها الذي لم تره عيناها، ولا أحبه قلبها، ولا ترجو أن يحبه؛ لانشغاله بسواه، فأمسكت ريحانة بيدها، فأحست هذه بارتعاشها، فقالت: «ما بالك ترتعدين يا مولاتي؟»
قالت: «إني أرتعد لقرب الساعة التي سألقى فيها ابن الكرماني أو كما تسمونه. بالله كيف أقابله؟! أحقيقة هو زوجي؟! كلا. الموت أحب إلي من قربه.» ثم قبضت على يد ريحانة بيديها جميعا وصاحت: «لا أعرف سبيلا لنجاتي إلا بك.»
قالت: «لا بأس عليك يا سيدتي. أنا أدبر كل شيء، ومن يوم إلى يوم يأتي الله بالفرج. وإنما أتوسل إليك أن تتجلدي بين يديه، ولا تظهري نفورك منه. وقد يكون لا بأس به. كيف تبغضينه قبل أن تنظري إليه؟»
فنظرت إليها جلنار بطرف عينيها ولسان حالها يقول: «ألا تعلمين ما يكنه قلبي من حب أبي مسلم؟»
فأدركت ريحانة مرادها وتبسمت وهي تقول: «كوني على يقين من أنك ستنالين بغيتك، ولكن بالصبر والحزم.»
الفصل الثلاثون
العريس
ثم سمعتا صهيل الخيل وضوضاء الناس فأجفلتا معا، ولكن ريحانة تشجعت وقالت: «يظهر أن الفرسان قد رجعوا من المعركة.» ثم خرجت حتى أطلت من باب الخباء وعادت وهي تقول: «لقد أتى الأمير على فرسه وهو مخضب بالدماء، كما قلت لك، وسيأتي إليك؛ فلا تجزعي.»
فقالت: «والضحاك لم يأتي بعد. أين هو؟ لقد تركنا في ساعة الحاجة إليه.»
قالت: «لا تلومي الغائب حتى يحضر!»
صفحة غير معروفة