وأما جلنار فقد تركناها بعد خروج ريحانة من عندها وهي مضطربة البال، فقضت تلك الليلة قلقة، وكلما تصورت ذهاب الضحاك لمقابلة أبي مسلم وتقديم الهدية إليه يخفق قلبها، فلم تنم إلا قليلا، فأصبحت منحرفة الصحة لعظم ما قاسته من القلق والاضطراب في الأمس من قلة النوم، فظلت على فراشها تتناولها الأفكار المتضاربة، وتخشى أن يبكر والدها إليها ويخاطبها في شأن خطبة ابن الكرماني وهي تحب الاطلاع على ما يكنه قلب أبي مسلم أولا. فلما تراكمت عليها الأفكار شعرت بالحاجة إلى ريحانة واستبطأتها، فصبرت نفسها ومكثت في الفراش تارة تجعل اللحاف فوق رأسها للدفء أو الاستغراق في التفكير، وتارة يضيق صدرها فتزيحه إلى أسفل كتفها وتتنهد وهي تتوقع مجيء أحد ثلاثة: إما أن يأتي والدها بخبر الكرماني، أو تأتيها ريحانة وحدها تنبئها بإرسال الهدية، أو تأتيها بالضحاك بعد الفراغ من المهمة.
الفصل العشرون
الوساطة
قضت في ذلك عدة ساعات وإذا بريحانة تقرع الباب وتدخل، فلما رأتها جلنار جلست في الفراش وتفرست في وجهها تستطلع ما يتجلى فيه من الأنباء، فلما رأتها تبتسم انشرح صدرها، ولكنها لم تتمالك عن السؤال عما فعلته، فأجابت: «قد أرسلنا الهدية وهي جميلة و...»
قالت جلنار: «هل عاد الضحاك؟»
قالت: «كلا يا مولاتي لم يعد. ألا تريدين الطعام؟»
فقالت جلنار: «لا أشعر بحاجة إليه. دعينا من الأكل وأخبريني عما تتوقعينه من أمرنا.»
قالت: «خيرا، إن شاء الله، ولكن.» وسكتت.
فانشغل خاطر جلنار وقالت: «ولكن ماذا؟»
قالت: «جئتك بأمر من والدك.»
صفحة غير معروفة