قال وهو يرفع بصره نحوه: «إن ذلك يحتاج إلى استرضاء أبي مسلم، واسترضاؤه ليس بالأمر السهل، وخاصة في مثل هذا الأمر؛ لأنه يكره الزواج كما أخبرتك.»
قال: «إذن أنت لا تأمل أن يقبل ذلك؟»
قال: «لست أرجح الأمل أو اليأس، ولكن الأمر يحتاج إلى روية وسعي.» قال ذلك وأمسك بمنطقة الضحاك وقال: «اسمع. إنك تجعل نفسك مهزارا وأنت أدهى مني. قد خطر ببالي سبيل أظنه يؤدي إلى المطلوب. لا يستطيع أحد أن يفاتح هذا القائد بأمر الزواج، ولا سيما الآن، ولكنني أرى أن تخاطبه بشأنها من حيث نستلفت انتباهه، فإذا قلنا له مثلا: إن الدهقانة شديدة الغيرة على أهل الشيعة، متفانية في نصرتهم، وإنها تحب أن تخدمه فيما يؤيد دعوته، وينصره على أعدائه، فمثل هذه الأقوال تستلفت أفكاره، فلعله إذا قابل الدهقانة مرة أو غير مرة بهذا الصدد، ثم رأى منها ما يدل على نصرته حقيقة لا أظنه إلا ساعيا للزواج منها. هذا ما أراه، وقد أكون مخطئا.» قال ذلك وهز منكبيه.
قال الضحاك: «لقد رأيت الصواب، ولعلك تكون واسطة في تمهيد السبيل لكي تقابله إذا اقتضى الحال. إني أقول هذا من عند نفسي، وأخشى ألا تقبل هي.»
قال: «إني أكون لك كما تشاء جهد طاقتي.»
وكانت ملامح الضحاك قد اكتسبت في أثناء هذه المحادثة صورة الجد، وكاد المجون يذهب عنها، فلما سمع قول إبراهيم عاد إلى مجونه فالتقط ذيل جبته وأدارها حول إبراهيم، فاختفى فيها لقصره، فأجفل وانسحب من تحتها، فوقعت عمامته على الأرض فالتقطها وهو يضحك، فقال له الضحاك: «والله إنك رجل لطيف ومتواضع؛ لأنك خازن الأمير، وتحتمل سفاهة خادم مهذار مثلي.»
قال: «ما أظنك مهزارا يا أخي، ولا بد لك من شأن. والآن ألا تأخذ الكيس بما فيه؟»
قال الضحاك: «ليس هو لي، وإنما سقط من القمر وأنت التقطته؛ فاحتفظ به لنفسك، وإذا وفيت لنا بوعدك، فلك عندنا من هذه الأكياس ما يغنيك عن استبدال الدرهم بالدرهم سرا حتى تخشى خادما مهزارا. هل فهمت؟ السلام عليكم.» قال ذلك وتناول نعليه بيديه، وهرول مسرعا إلى ريحانة وقد تغير الطقس، وتلبدت الغيوم بغتة، وهبت الرياح وفيها هواء الشتاء. وكانوا في أوائل الربيع والطقس يتقلب فيه على غير انتظار.
الفصل الثالث عشر
على أحر من الجمر
صفحة غير معروفة