1
فتنكر بملابس الفقهاء ووقف في أحد الشوارع الكبرى، فرأى أهل الكوفة قد حملوا السلاح واصطفوا في الطريق لخروج أبي العباس.
ثم رآه مارا على برذون أبلق وحوله أهل بيته على الخيول أو البراذين، والناس يتزاحمون ويتطاولون لمشاهدة الخليفة ابن عم النبي
صلى الله عليه وسلم
ويتبركون برؤيته. وما زال الموكب سائرا وصالح في جملة المارة حتى وصلوا دار الإمارة، ثم رأى رجلا صعد المنبر فأنصت الناس وهم يتهامسون قائلين: «هذا هو الخليفة. اسمعوا خطابه.» فنظر صالح إلى ابن العباس، فإذا هو طويل القامة، أبيض اللون، جعد الشعر أقنى الأنف، حسن الوجه واللحية، ثم رأى رجلا أكبر منه سنا صعد المنبر في أثره، ولكنه قام دونه، فعلم أنه داود بن علي، ثم أطل أبو العباس على الناس والتأثر باد على وجهه، ولو رآه أحدهم عن قرب لتبين فيه ارتعاشا من الوهن والضعف، على أنه لم يكن ثمة بد من الخطبة، فقال والناس يسمعون:
الحمد لله الذي اصطفى الإسلام لنفسه، وكرمه وشرفه وعظمه واختاره لنا، فأيده بنا، وجعلنا أهله وكهفه وحصنه، والقوام به، والذابين عنه، والناصرين له، فألزمنا كلمة التقوى، وجعلنا أحق بها وأهلها، وخصنا برحم رسول الله
صلى الله عليه وسلم
وقرابته، وأنشأنا من آبائنا، وأنبتنا من شجرته، واشتقنا من نبعته، جعله من أنفسنا، عزيزا عليه ما عنتنا، حريصا علينا، بالمؤمنين رءوفا رحيما، ووضعنا من الإسلام وأهله بالموضع الرفيع، وأنزل بذلك على أهل الإسلام كتابا يتلى عليهم، فقال تبارك وتعالى فيما أنزل من محكم كتابه:
إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ، وقال تعالى:
قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ، وقال:
صفحة غير معروفة