أبو مسلم الخراساني

جرجي زيدان ت. 1331 هجري
179

أبو مسلم الخراساني

تصانيف

قال سليمان: «هي في هذه القاعة ومعها ريحانة.» وأشار إلى قاعة داخلية.

فقال صالح: «ادع لي أحد الخصيان.»

فذهب وعاد بخصي أبيض، فوقف بين يديه متأدبا، فقال له صالح: «أخبر ضيفتكم الخراسانية أني أريد مقابلتها.» ولم يذكر اسمها لرغبته في كتمان أمرها لأسباب تقدم بيانها. ولم يكن أحد يعلم بحقيقتها غير أبي سلمة وزوجته وبعض الجواري. فذهب الخصي ثم عاد ودعاه إلى قاعة تؤدي على الخارج بباب خاص لمثل هذه المقابلة، فدخل صالح واستقبلته جلنار باسمة - وكانت لم تبتسم منذ أن انتابتها تلك المصائب - فانشرح صدر صالح برؤيتها. ولعله أظهر الانشراح لأنه يضمر أمورا هي أكبر شأنا عنده مما يظهره من رغبته في قيام الدعوة العلوية وسقوط العباسيين والأمويين، ولو خيروه لاختار ذهابهم جميعا؛ لأن الخوارج لا يرون الحكم لأحد من هؤلاء، وهو من كبار أمراء الخوارج، كما علمت، ولكن الأحوال ساقته إلى الاهتمام بشأن هذه الفتاة والانتقام لها من أبي مسلم، بل هو انتقام لنفسه؛ لأن أبا مسلم تعمد قتله، على أنه لا يبالي أن يضحي بجلنار في سبيل ذلك.

فلما دخل صالح إلى القاعة حيا تحية مشتاق، فابتدرته ريحانة بالترحاب والسؤال عن حاله إلى أن قالت: «لقد شغلت بالنا بتأخرك إلى الآن. وقد أخبرنا سليمان أنك أتيت منذ عدة ساعات.» قالت ذلك وفي صوتها نغمة العتاب.

فقال صالح: «كان ينبغي لي أن أسرع بالمثول بين يدي مولاتنا الدهقانة على عجل، ولكنني أحببت أن أفاوض أبا سلمة في بعض الشئون الهامة لتدبير ما يساعدنا على إتمام ما نبتغي.»

فقالت جلنار: «قد بلغني من سليمان ما بذلته من المشقة والجهد في سبيل غرضنا، وأنك جعلت مروان الأموي يقبض على إبراهيم الإمام ويحبسه، إلى غير ذلك؛ فبورك فيك، وكنت أحب أن أسمع تفصيل هذا الخبر منك.»

فأشار برأسه إشارة الطاعة وقال: «إن سليمان لم يعرف من أعمالي إلا بعض ظواهرها. هل أخبرك بأننا قتلنا ذلك الإمام؟»

قالت جلنار: «كلا. هل قتلتموه؟»

فقال صالح: «نعم.» وقص عليها قصة سفره وما دبره من الحيل وانتحله من الأسباب حتى نجح في مهمته، فأحست بانفراج كربتها كأنها انتقمت لوالدها، وشعرت بعظم دينها لصالح حتى غدت لا تعرف كيف تبدي شكرها له؛ لاعتقادها أنه يفعل ذلك في سبيل مصلحتها. وقد سره ما بدا من سرورها، وساءه تذكر ما لا يزال يضمره من أمر إبراهيم الخازن واطلاعه على مقرهم هناك. فإذا لم يقبض العيار عليه تمكن من الرجوع إلى خراسان، وكانت المصيبة كبيرة عليها وعلى أبي سلمة. ولما تذكر خراسان خطر بباله ابن كثير، وتذكر الرسالة التي بعث بها إليه مع ذلك السائس الأبكم، والتفت إلى ريحانة وقال لها: «ألم يعد ذلك السائس من مهمته؟»

فضحكت ريحانة وقالت: «عاد منذ بضعة أيام.»

صفحة غير معروفة