فقال أحد الأمراء: «وكيف نقتله وهو محاط بالحرس والحاشية؟»
فاعترضه شيبان قائلا: «نقتله بالدهاء والذكاء، وإذا كنتم تعرفون دهاء الأمير شبيب فلا تستغربوا ذلك منه.» ثم التفت إلى شبيب كأنه يلتمس منه إتمام الحديث، فقال شبيب: «إذا قتل ابن الكرماني فإن رجاله يكونون معنا على أبي مسلم؛ لأنهم عرب مثلنا، وكلهم يمنية، وهم طبعا يكرهون عرب خراسان ومضر ومرو، ولم يجمع كلمتهم علينا الآن إلا أميرهم المذكور، فمتى قتل فعلي (وأشار بإصبعه إلى صدره) أن أجمع كلمتهم تحت قدم الأمير شيبان، فإذا فعلنا ذلك تكاتفنا أولا على قتل أبي مسلم وتشتيت جمعه. ولا ريب في أن نصرا؛ صاحب مرو، يساعدنا على ذلك أو يلزم الحياد على الأقل.»
فقطع شيبان الحديث بقوله: «بل هو يساعدنا؛ لأنه بعث إلي في صباح هذا اليوم يطلب محالفتي.»
فقال شبيب: «ولو لم يطلب هو نصرتنا لطلبنا نصرته، وإنما الغرض الأول أن تتخلص من ابن الكرماني، ولا تحسبن التخلص منه هينا، بل هو يستحيل على سواي؛ ولذلك حديث يطول شرحه، والأمير شيبان يعرف معظمه.»
فأجاب شيبان بإحناء رأسه وإطباق جفنه أن نعم.
فقال شبيب وهو ويوجه حديثه إلى شيبان: «لقد زهقت روحها قبل الوصول إلى الغرض المنشود؛ فالفتاة المفتونة بحب ذلك الخراساني جعلتها تعتقد أنه مفتون بها، وأنه لا سبيل لها إليه إلا بقتل خطيبها ابن الكرماني؛ وهذا أكثر تفانيا في حب هذه الفتاة من تفانيها في حب أبي مسلم، وأرجو أن يهلكوا جميعا نتيجة لهذا الحب. وقد بذلت كل ما في وسعي لتحريضها على قتل ابن الكرماني، أو مساعدتي في قتله بالسم أو نحوه؛ إرضاء لحبيبها، وهو - في الحقيقة - لا يحبها، ولكنه مالأني على إظهار الحب لتحقيق غرضه، كما خدعته باستماتتي في سبيل دعوته لتحقيق غرضي، وهو يحسب نفسه يخادعني ويسايرني ويظنني مخدوعا مغرورا، وهو المخدوع المغرور. والخلاصة أني خدعته حتى دفع إلي خاتمه علامة منه لتلك الدهقانة أنه يحبها، وأنه يريد منها أن تفتك بخطيبها. وأعترف لكم أني آنست منها مقاومة في بادئ الأمر، ولكني سأعيد الكرة في الغد، بحيث لا ينقضي اليوم إلا وقد نفذت الحيلة.»
فظهرت أمارات الإعجاب على وجوه السامعين وهم يتطاولون بأعناقهم نحوه، ويرقبون حركات شفتيه وعينيه لاستيعاب أقواله، فلما رأى منهم ذلك تنحنح وسكت وهو مطرق كأنه يفكر في أمر خطير، فسكتوا وأصبحوا يتوقعون منه قولا، فإذا هو يقطب حاجبيه ويرفعهما كما يفعل الحائر، ثم التفت إلى شيبان وقال: «بقي أمر لا بد من الرجوع فيه إليكم، والاعتماد عليكم.»
فتجمعت أنظارهم عليه وقال شيبان: «وما الذي تريده؟»
قال: «لا بد لنا من تمهيد السبيل لجمع كلمة هؤلاء اليمنية معنا؛ بحيث إذا قتل أميرهم انحازوا إلينا، وتم الأمر لنا.»
فقال شيبان: «وهل تفعل ذلك قبل مقتل الرجل أو بعده؟»
صفحة غير معروفة