رجل الهامش
1 - أبو جلدة والعرميط
2 - المغنية توحيدة فخر
3 - الفيلسوف ديوجنس
4 - اللورد إدوارد جراي
5 - المحامي القومسيونجي المغني الصوفي
6 - شارل جيد
7 - عمانوئيل الحديدي والخواجا مانولي
8 - الأستاذ محمد خليل راشد
9 - عبده حسن خضر
صفحة غير معروفة
10 - محمود خاطر بك
11 - العالمان سميكة وعكوش
12 - إسماعيل شيرين
13 - الملاك ميخائيل
14 - الأستاذ براشيا
15 - وليم شكسبير
16 - اللورد كتشنر
17 - الزجال عزت صقر
18 - الأب جريجوار
19 - البرنس أمير الشعراء
صفحة غير معروفة
20 - أسعد خليل داغر
21 - الأستاذ حسن حسين
22 - المطران جرمانس فرحات
23 - عبد الرحمن الكواكبي
24 - الصحافي جميل فهمي
25 - يوسف آصاف بك
26 - ويصا واصف
27 - علي الغاياتي
28 - عدلي يكن باشا
29 - محمد مسعود
صفحة غير معروفة
30 - الكتبي يوسف إليان سركيس
31 - توفيق مكرم
32 - مرقس حنا باشا
33 - السيد محمد الساسي المغربي
34 - فرنسوي كوتي
35 - الصحافي نجيب هاشم
36 - اللورد جورج لويد
37 - مصطفى فهمي باشا
38 - ريمون بوانكاريه
39 - سنية هانم
صفحة غير معروفة
40 - سلطان باشا
41 - الرقاصة شفيقة القبطية
رجل الهامش
1 - أبو جلدة والعرميط
2 - المغنية توحيدة فخر
3 - الفيلسوف ديوجنس
4 - اللورد إدوارد جراي
5 - المحامي القومسيونجي المغني الصوفي
6 - شارل جيد
7 - عمانوئيل الحديدي والخواجا مانولي
صفحة غير معروفة
8 - الأستاذ محمد خليل راشد
9 - عبده حسن خضر
10 - محمود خاطر بك
11 - العالمان سميكة وعكوش
12 - إسماعيل شيرين
13 - الملاك ميخائيل
14 - الأستاذ براشيا
15 - وليم شكسبير
16 - اللورد كتشنر
17 - الزجال عزت صقر
صفحة غير معروفة
18 - الأب جريجوار
19 - البرنس أمير الشعراء
20 - أسعد خليل داغر
21 - الأستاذ حسن حسين
22 - المطران جرمانس فرحات
23 - عبد الرحمن الكواكبي
24 - الصحافي جميل فهمي
25 - يوسف آصاف بك
26 - ويصا واصف
27 - علي الغاياتي
صفحة غير معروفة
28 - عدلي يكن باشا
29 - محمد مسعود
30 - الكتبي يوسف إليان سركيس
31 - توفيق مكرم
32 - مرقس حنا باشا
33 - السيد محمد الساسي المغربي
34 - فرنسوي كوتي
35 - الصحافي نجيب هاشم
36 - اللورد جورج لويد
37 - مصطفى فهمي باشا
صفحة غير معروفة
38 - ريمون بوانكاريه
39 - سنية هانم
40 - سلطان باشا
41 - الرقاصة شفيقة القبطية
أبو جلدة وآخرون
أبو جلدة وآخرون
تأليف
توفيق حبيب
رجل الهامش
أنت إذا دلفت إلى دار الكتب المصرية، أو إلى دور الآثار العامة، أو قصدت بيوت الوراقين المنبثة في نواحي القاهرة؛ لرأيت رجلا يمشي مزورا متأرجحا كأنما تدهمه ريح قوية تلفه لفا.
صفحة غير معروفة
أو لو طالعت وجه هذا المتردد لرأيته خليطا بين صفرة فاقعة ودهمة قاتمة.
فلو بعث رمسيس الثاني المندرج في تابوته الزجاجي الذي كان يشاهد من أعوام قليلة في دار الآثار المصرية، لما كان غير صحافينا العجوز.
وإنك لفي حيرة من أمر هذا العجوز المتصابي، إذا جلست في مجالس الخاصة وقد طرقها بصيحة مكتومة تسمعها قبل أن تراه، وكان حديث القوم في التاريخ وعبره وقد استغلقت على المتناظرين شعبة من شعبه حتى نفضوا أيديهم، وعلتهم السكتة التي تصيب المناظر عقب إعيائه.
فهناك يتدفق رجل الهامش، ويفتح المستغلق، ويربي على ما تريده الجماعة.
وإذا كنت من أصحاب السماع والمشغوفين به، وقد ملك عليك حواسك صوت منيرة المهدية أو أم كلثوم أو المرحومة توحيدة أو بمبة كشر أو الحاجة السوسية أو ألمظ أو غيرهن من أهل الفن حديثا وقديما، وأردت أن تتقصى سيرهن ومنشأهن، ومن هن ولمن ينتسبن؛ لم تجد من يشفي لك هذه الغلة الحادثة إلا هذا القديم العجوز كأنه كان قابلة لكل منهن.
وإن أنت أيضا ساقتك الحاجة إلى حارة السقايين، أو درب الميضة، أو الهياتم، أو ما شئت من الأحياء القديمة المندثرة، ثم لمحت هناك طللا قائما ينبئ عن عز قديم، أو مجد فارط مندثر، وأردت أن تستفسره؛ لأجابك بلسان هذا الرجل الذي يعدد لك ساكنيه الذين حلوه، وكيف كان طعامهم، وشرابهم، ومراكبهم، ونزههم، ومجالس لهوهم.
وإذا راعتك حادثة المنشاوي باشا، وكيف سجن هذا العين من أعيان القطر، لحدثك عنها كأنه أحد المجلودين بسوطه.
وإن أردت أن تستطلع طلع مأساة دنشواي لسرد لك من دقائقها وخفاياها ما يبهرك، حتى تخاله أنه كان من حملة آلات الصيد الذين رافقوا الضباط في هذه الواقعة، أو أحد هؤلاء البؤساء الذين دافعوا عن قوت يومهم فكان نصيبهم الشنق!
فهو في كل مكان، وفي كل شيء، ومع كل حادثة، كأنه رسول القدر أو بريد الزمن.
رافق المكاري في حادثة المالطي يوم حريق الإسكندرية.
صفحة غير معروفة
وصاحب عرابي يوم سكنه قصر النيل.
وزامل المفتش في نكبته.
وتغدى مع المماليك في القلعة.
وحمل المشاعل في أفراح الأنجال.
وحضر مقتل عباس الأول في بنها.
عاشر الأباظية في الزقازيق، وخالط عائلة حمودة في برما، ونزل على بيت أبي حسين في المنوفية .
ورحل إلى محفوظ في الحواتكة.
وتوثق من ولد سليمان في ساحل سليم.
وحمل عدة الختان للمطاهر.
وعرف ما يعرفه باعة اللب أين يسهر عبده وعثمان.
صفحة غير معروفة
واعتلى خشبة المسرح مع القرداحي.
وحمل عصا الفتونة لمحمود الحكيم.
وطيب لألمظ.
وضرب النقرزان مع أهل الصهبة.
ورافق المجاذيب في الدوسة.
يعرف بوظة الشجرة ومنشأها، وحانة العنبة ومنبتها، وبار السلسلة وزبائنه.
فهو رجل غريب حقا وضع أنفه في كل شيء، ومشى مع كل حادثة، مرة في السعادية بإسطنبول، وأخرى في كامب يوغسلافيا، وثانية في حلقة للذكر، وثالثة في حفلة جابنيوت. •••
وها هو الكتاب، الذي نقدمه إلى قراء العربية، لسان يصيح بما سطرناه آنفا، جال فيه صحافينا العجوز بين مواضع كثيرة وراد مجالس لم تخطر لأديب أو لمؤرخ على بال.
وأعجب العجب لهذا الخاطر الذي تراه يتنقل في كهوف اللصوص وراء أبو جلدة والعرميط، ويقتص الأثر بخبرة كلب الصيد الذي ربما جاوز خبرة كلاب اسكتلنديارد التي فشلت في مطاردة هذين اللصين الخطيرين.
والذي يدخل بك بعد ذلك في أخص حياة المغنية توحيدة بلبل ألف ليلة من سنين مضت.
صفحة غير معروفة
ويروعك هذا الفكر العجيب عندما يطالعك بدقائق حياة اللورد جراي الخصوصية، ويبسط أمامك كيف أن هذا الرجل السياسي العظيم كان مولعا بالطير والحيوان وإن قد شغف بهما أيما شغف.
ولم يلبث فكر هذا الصحافي العجوز الذي يشبه رياح الموسم في مارس وأبريل أن يتنقل بك إلى التاريخ اليوناني في حياة ديوجنس وقنديله.
وعند تصفحك هذا الكتاب العجيب الذي يجمع النقيضين ويضم بين الحار والبارد، والماء والنار، والفسيخ والشربات، على حد تعبير هذا العجوز؛ تعجب وهو يدخل بك في ظلة للمرحوم عزت صقر، وقد جلس للمنادمة مع عصبة الزجالين والأدباء وأهل النكتة من ظرفاء الأدباء؛ كيف أن هذا الرجل كان دقيق الوصف حلو السياق!
ولم تقعد السن بمؤلفنا عن زيارة حلوان، وقد جلس إلى مائدة الأستاذ محمد خليل راشد، ولم يثنه العيش والملح عن التشنيع بالرجل والهزء بخلوته العلمية الهادئة.
وما أظرف النكتة التي غلبت صحافينا العجوز، وهو يعرض سيرة المرحوم حسن حسين الموظف السابق بقلم المطبوعات، والذي أصبح اليوم في غير هذه الدنيا، كيف يدس السم في الدسم! فبينما هو يعلو بالرجل في عصاميته إلى الذروة العليا إذا به ينحدر بخبث الظريف الماكر إلى شح كان يلازم صاحب الترجمة جاوز أبطال الجاحظ في بخلائه.
وفي الحق أن صاحبنا منصف الإنصاف كله، إذا كتب عن رجل مثل محمود خاطر بك أو المرحوم شيرين بك، فقد وفى هذين الرجلين الكريمين حقهما من الثناء والتنويه.
وأنا جد عاجز لو جلوت كل طرف هذا الكتاب النادر، واستعجلت القارئ على أن يستوعب محتوياته في هذه التقدمة المتواضعة.
وللكتاب، كما لكل ما يسوقه صحافينا العجوز من قصص وأخبار، أسلوب فريد وحده لا أظن أنه ينسج فيه على منوال متقدم أو معاصر.
فإذا تصفحت بعض ما يكتب هذا الرجل في أي صحيفة سيارة وكان المقال غفلا من الإمضاء، لما عدوته بالظن ولو كانت الصحيفة أم القرى.
وهو أسلوب يجمع بين جزالة كبار الكتاب، وبين العامية المستملحة التي تجري مجرى الأمثال، والتي كادت تندثر إلا من أفواه جداتنا في القرى والحواضر، وهو محتال ماهر في دسها في مناسباتها وسوقها في مواضعها.
صفحة غير معروفة
وهنا أيضا ظاهرة عجيبة تأخذك بالدهشة والحيرة، وتملك عليك مناحي تفكيرك، وتسد عليك المخرج؛ وهي سرعته الفائقة في رثاء ميت أو ذكر حي لغطت به الناس أو نعته الصحف.
ولو أن هذا الرثاء وذاك الذكر كانا مجرد سوق الحديث السطحي لهان الخطب، ولكنه استقصاء تحليلي تعجز عن مظانه المتشعبة، التي تلف المترجم له من مبدأ حياته إلى منتهاها. وإن هامش الصحافي يطلع على الناس قبل أن ترد شهادة الوفاة على أهل المتوفى المؤذنة بالدفن.
وعندي أن صاحب الهامش هو ابن خلكان هذا العصر، ولكن على الطريقة الأميركانية في السرعة والكياسة وحسن السبك.
دار الكتب المصرية
أحمد محفوظ
الفصل الأول
أبو جلدة والعرميط
تنفست فلسطين الصعداء وهدأ روع حكومتها، باعتقال الشقي المشهور «أبو جلدة».
رجل روع الحكومة وأقلق بال رجالها سنتين.
عبثا حاولت القبض عليه مستعينة بالرجال والنساء والكلاب والراديو، فكان يحاربها تارة معتصما بشريكه العرميط، ويزوغ من وجهها تارة ملتجئا إلى الجبال والكهوف التي يضل فيهما الجند من إنكليز وغير إنكليز.
صفحة غير معروفة
وكان هذا الرجل عنوانا لفشل الحكومة وسقوط هيبتها واعتبارها بين الأهالي. فإذا قامت يوما لتشتيت مظاهرة سلمية أو فض اجتماع وطني، وقف أعداؤها يعيرونها بقولهم: اتشطري انتي على أبو جلدة!
وأصبح أبو جلدة علما، بل علم الأعلام، وتناقلت أخباره صحف أوروبا وأمريكا مكبرة معظمة.
قال أحد كتاب سيرته:
أبو جلدة كنية، واسمه أحمد المحمود، وهو من أهل قرية طحون، ولكل واحد منهم كنية. يبلغ عمره اليوم الستين.
بدأ أعماله في الحياة الدنيا حمالا، ثم صار رئيسا للحمالين.
وفي أيام الحرب الكبرى طلبت الحكومة التركية ابنه للخدمة العسكرية، فأبى تسليمه بحجة أنه وحيده والقانون لا يسمح بتجنيد الوحيد، فأصرت الحكومة، وأصر أبو جلدة وأعلن عليها العصيان، واعتصم بجبال الخليل وجبال نابلس، وقاتل الجيش التركي وقتل كثيرا من رجاله.
وبعد أن خرج الترك والألمان من سوريا وفلسطين عاد أبو جلدة إلى بلده، واشتغل بالزراعة.
وحدث منذ سنتين نزاع بينه وبين بعض أقاربه فقتل ثلاثة منهم، فحاكمته الحكومة، وحكمت عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة. ولكنه لم يلبث في سجنه طويلا، إذ بحث السجانون عنه فلم يجدوه. وطلبته الحكومة فلم تعرف له محلا من الإعراب.
وإلى القارئ بعض ما قالته عنه مجلة «لو» الفرنسوية:
تجاوزت شهرة أبو جلدة حدود ما أحرزه مفتي فلسطين الأكبر، وأصبح معروفا أكثر من مدير المهاجرة والباسبورت المستر جامسون.
صفحة غير معروفة
والقارئ العربي المتوسط الذي هو أقرب إلى الأمية لا يريد إلا سماع تفاصيل بطولة أبي جلدة، وما تقوم به عصابته من أعمال وما ترتكبه من آثام.
وأبو جلدة شبيه بلصوص كورسيكا، في استعصاء القبض عليهم وتجنبهم إراقة الدماء وإزعاج الآمنين.
فهو موجود في كل مكان، وليس له مكان. فبينما تقول عنه البلاغات الرسمية إنه ظهر في الشمال، وارتكب كذا وكذا من الأعمال، وصال وجال في قنن جبال الجليل وسطوحها، إذا به يظهر بغتة قرب البحر الميت ويوقع ببعض السياح البريطانيين ويسلب مالهم ومتاعهم، ثم يشاهده المسافرون على مقربة من غزة، حيث يوقف سيارة موظفين إنكليز ويأخذ كل ما يملكونه، وبعد ذلك بقليل يسمع أهالي بئر سبع أنه وصل إليهم واجتاز الصحراء التي تفصل فلسطين عن قنال السويس.
وكان أبو جلدة ورجاله حكومة داخل الحكومة يصدر البلاغات الرسمية، وتنشرها الصحف، وفيها بيانات عن مشاغباته للحكومة، ومداعباته لرجالها، وتكذيبات لما عزي إليه من أعمال غير مشرفة.
وقد نشرت له جريدة «الجامعة الإسلامية» يوما نداء حارا بالدعوة إلى مقاومة حكومة الانتداب.
وكان يساهم من حين إلى آخر في قوائم الاكتتابات التي تفتح لمقاصد وطنية.
وشعار أبو جلدة هو: «رمي الإنكليز في البحر»، فكانت الحرب بينه وبينهم سجالا.
جاءوه يوما بعشرة من كلاب «سكوتلاند يارد»، ثمن الكلب الواحد ألف جنيه، وأجرته في الشهر خمسون جنيها، وذهبت «تشمشم» عليه وتهاجمه فقتل أكثرها، وغرمت حكومة فلسطين ثمنها لدائرة الأمن العام في لندن.
وأراد الإنكليز أن يدسوا له السم في الدسم، واتفقوا على ذلك مع إحدى نسائه، وأدرك الدسيسة فأرغمها على أن تأكل من الطعام، وقبل أن يفعل فيها السم فعله قتلها بمسدسه.
ومنذ أشهر هاجم أبو جلدة وزميله العرميط قوة من جنود الحكومة، ثم تركها ولجأ إلى أول تليفون وطلب إدارة الأمن العام في حيفا، وسأل مديرها أن ينجد رجاله لأنهم وقعوا في مأزق ...
صفحة غير معروفة
هذا هو الرجل أو العفريت الذي داعب جون بول وناوشه وناغشه، ولم تقو عليه السيارات ولا دوريات البوليس والكلاب إلى أن كبسه الجماعة وكان للكبسة أثرها في القبض عليه. وفرحت صحف لندن بالتخلص منه ومن معرة تغلبه على حكومة الدولة التي لا تغيب الشمس عن أملاكها.
وحوكم وحكم عليه بالإعدام شنقا، فسار إلى المشنقة رافعا رأسه كأنه ذاهب إلى معركة يداعب فيها أصدقاءه الإنكليز الذي أقسم بأن يلقي بهم البحر!
الفصل الثاني
المغنية توحيدة فخر
عرضت على الدائرة الثانية في محكمة مصر المختلطة القضية التي رفعها أولاد نقولا فخر مطالبين فيها بنصيبهم في ميراث «لطيفة فخر».
وهذه القضية هي إحدى قضايا أخرى معروضة على المحاكم الأهلية والشرعية والملية.
قل من يعرف من هي «لطيفة فخر».
ولكن إذا قلنا إنها «الأسطى توحيدة، مغنية ألف ليلة».
قال الكل: اسم الله!
مانولي، توحيدة، ألف ليلة!
صفحة غير معروفة
عناصر ثلاثة متفقة مؤتلفة، لبثت خمسا وعشرين سنة نقطة دائرة الطرب والرقص في أزبكية القاهرة المحمية.
وفدت لطيفة فخر إلى مصر لثلاثين سنة إثر موقعة كانت تذكرها لطيفة كلما أرادت تعليق الحلق في أذنيها.
ولم تلبث أن اعتلت عرش «ألف ليلة»، وهي فتاة مياسة القوام، لدنة المعاطف، هيفاء، دعجاء، تقطر شفتاها رحيقا.
وكان للرقص البلدي دولته، فأتقنته لطيفة، وفازت في ميدانه.
كانت مغنية ألف ليلة السيدة بهية، وكبيرة الراقصات أختها نظيرة، وتأتي معهما من حين إلى آخر أختهما فاطمة.
ولاحظ الخواجا مانولي أن محاميا وطنيا كبيرا، رحمة الله عليه، اتصل بالسيدة بهية فارتاب الخواجا، وبث عيونه وأرصاده، فجاءوه بالخبر اليقين وهو أن المحامي يفاوض المغنية في ترك ألف ليلة بعد انتهاء الكونتراتو على أن يفتح لها ولأختها قهوة خاصة.
واحتاط مانولي للأمر، فخلع عن لطيفة حزام الرقص وسلمها إلى أساتذة الفن محمود البولاقي رحمه الله، وعطية محمد، وعوض الجرجاوي، فلقنوها ما تيسر من مبادئ الغناء والعزف على العود.
وظهرت بعد ستة أشهر «الأسطى توحيدة»، يحيط بها عطية بالعود، والبولاقي بالرق، والجرجاوي بصوته الصبا، وأبو غنيمة بالكمنجة، وخمسة من السنيدة المعروفين.
وصبر السميعة الأصوليون سنوات حتى شبطت توحيدة في الفن وعرفت كيف تحرك أوتار العود وتهز الرق، وتخرج الآهات سليمة.
وقيد الخواجة مانولي السيدة توحيدة بشروط، وتعاقد معها على أجرة الغناء ونصيبها في «الفتح»، وأركبها عربة فخمة خاصة يجرها جوادان كبيران.
صفحة غير معروفة
وكانت ليالي «الفتح» في عزها.
كل ليلة عشرات من زجاجات الكونياك والأستوت والشمبانيا تفتح للسيدة توحيدة، وتأخذ من كل زجاجة قيراطا، وترشف من كل كاس شفطة، وثمن كل زجاجة جنيه نقدا وعدا.
وذهبت ألوف الجنيهات في سبيل «الفتح»!
وتوحيدة تأخذ أجر غنائها، وتأخذ نصيبها من الفتح، وتتناول من هذا ومن ذاك باليمين واليسار، لها حسابها الخاص وللخواجا مانولي حسابه الخاص.
والشغل شغل، على ما يقول الإنكليز.
أما السيدة بهية فقد خرجت من ألف ليلة، وأنشأ لها المحامي قهوة راقصة في شارع وجه البركة، ولكنها لم تعمر طويلا فتزوجها المحامي الكبير.
وبقيت السيدة توحيدة تغني، وإلى جانبها الرقاصات. كل شهر راقصة جديدة، ومغنية ألف ليلة لا تتغير ولا تغيب عن التخت إلا ساعات معدودة في ليال معدودة، هي الليالي التي كانت تحييها في الأوبرا لبعض الجمعيات الخيرية.
وكانت تذهب مع تختها لإحياء هذه الليالي بدون أجر، وتقدم في آخر الليلة مبلغا معاونة للجمعية مساهمة منها في عمل الخير.
وفي هذه الليالي كان ينوب عن السيدة توحيدة في ألف ليلة بعض كبار المغنين مثل: سيد الصفتي ومحمد سالم العجوز وداود حسني.
وأخذت دولة الرقص تدول في أيام الحرب الكبرى، إذ قيدت السلطة العسكرية حركات الراقصات وسكناتهن وملابسهن بقيود شديد، وعطلت عدة قهوات راقصة، ولم يبق غير ألف ليلة ومغنيتها المشهورة. •••
صفحة غير معروفة
ومات الخواجا مانولي لسبع سنوات خلت.
وقفلت قهوة ألف ليلة، ثم أعاد ورثته فتحها ولكنها لم تنل شهرتها الماضية.
وهكذا كان أمر توحيدة، فقد لزمت الحداد زمنا على الخواجا مانولي، ثم مالت نفسها إلى العودة للتخت، فانتقلت من ألف ليلة إلى شارع عماد الدين.
وكان «للصبا نجم أفل» على ما يقول ابن الوردي.
فلم تقو حنجرة توحيدة على منافسة حناجر نجاة علي وبثينة وفاطمة سري، ولم يقو جسمها على محاربة الأجسام الألامود.
وعرفت أن الله حق فلزمت بيتها.
ثم انتقلت إلى رحمة الله.
وكاد الناس ينسون اسمها حتى ذكرتنا به مرافعة المحامين في محاكمنا المختلفة.
الفصل الثالث
الفيلسوف ديوجنس
صفحة غير معروفة