جعلته الغرفة، بخوائها المزدحم ومظهرها الذي يعد بأكثر مما هو موجود، يستحضر ذكرى آخر عطلة قضاها مع والديه. كان في الحادية عشرة من عمره حين قضوا أسبوعا في برايتون في نزل إقامة وإفطار على قمة الجرف بالقرب من كيمب تاون. كان المطر يهطل تقريبا كل يوم وذكراه عن تلك العطلة هي رائحة معاطف المطر المبتلة، وثلاثتهم وهم يقفون متلاصقين يحتمون من المطر ويتطلعون إلى البحر الرمادي المتماوج، والتجول في الشوارع بحثا عن وسائل ترفيه رخيصة حتى تحين السادسة والنصف ثم العودة لتناول العشاء. كانوا يتناولون وجباتهم في غرفة كتلك تماما، وسط الأسر التي لم تعتد أن يخدمها أحد، يجلسون في صمت مرتبك حتى تدخل صاحبة النزل التي تتعمد إظهار البهجة بالصواني المحملة باللحم وصنفين من الخضروات. طوال العطلة كان الامتعاض والملل ملازمين له. أدرك الآن لأول مرة، كم كان حظ والديه من البهجة قليلا، وكم كانت مساهمته فيها، كونه ابنهما الوحيد، ضئيلة.
قدمت له بشغف وجبة إفطار كاملة من شرائح اللحم والبيض والبطاطس المقلية، وكانت محتارة بين رغبتها في مراقبته وهو يتناولها باستمتاع وبين إدراكها أنه سيفضل أن يأكل وحده. أكل بسرعة متلهفا للمغادرة.
قال بينما كان يدفع لها : «كان كرما منك أن قبلت استضافتي وأنا رجل وحيد وليس معي حتى حقيبة لوازمي للمبيت. بعض الناس كان من الممكن أن يرفضوا ذلك.» «لم أتفاجأ على الإطلاق من رؤيتك. ولم أخف منك. فقد كنت استجابة لدعوة دعوتها.» «لا أظن أن أحدا أغدق علي بذلك الوصف من قبل.» «لكنك كنت كذلك فعلا. فأنا لم يأتني أي نزلاء منذ أربعة أشهر وهذا يجعلني أشعر بأني عديمة النفع. لا يوجد أسوأ من شعور المرء بأنه عديم النفع عندما يصير عجوزا؛ لذا دعوت الرب أن يرشدني لما يجب أن أفعله، وإذا ما كان ثمة جدوى من الاستمرار. فأرسلك لي. ألا تجد دائما أنك عندما تقع في مصيبة، أو تواجهك مشكلات تبدو فوق طاقتك، وتدعوه فإنه دائما يستجيب؟»
قال وهو يعد العملات المعدنية: «كلا، ليس بوسعي القول إن تلك كانت تجربتي.»
تابعت حديثها وكأنها لم تسمعه: «أدرك بالطبع أني سأضطر للرضوخ للواقع في نهاية المطاف. فتلك البلدة الصغيرة تحتضر. نحن لم ندرج ضمن المراكز السكانية؛ لذا لم يعد المتقاعدون حديثا يأتون إلى هنا، والشباب يغادرون. لكننا سنكون بخير. فقد وعد الحاكم أن الجميع سيتلقى الرعاية في النهاية. أتوقع أن ينقلوني إلى شقة صغيرة في نورويتش.»
قال في نفسه: «تلجأ لربها كي يرسل لها نزيلا عابرا يبيت ليلة واحدة، لكنها تعتمد على الحاكم في توفير الأساسيات.» دون سابق تفكير سألها: «هل شهدت الراحة الأبدية التي أقيمت هنا أمس؟» «الراحة الأبدية؟» «الفعالية التي أقيمت هنا. القاربان اللذان كانا عند المرفأ.»
قالت بنبرة حازمة: «أعتقد أنك مخطئ يا سيد فارون. لم تقم فعالية راحة أبدية هنا؛ فنحن لا نقيم مثل تلك الفعاليات في ساوثولد.»
بعد ذلك شعر أنها متلهفة لذهابه بقدر تلهفه للمغادرة. شكرها مرة أخرى. لم تخبره باسمها ولم يسأل عنه. شعر برغبة في أن يقول لها: «لقد ارتحت كثيرا هنا. لا بد أن أعود لأقضي عطلة قصيرة معك.» لكنه كان يعرف أنه لن يعود قط، وكان معروفها لا يستحق منه أن يرده بكذبة عابرة.
الفصل العاشر
في صباح اليوم التالي كتب كلمة «نعم» على بطاقة بريدية وطواها بدقة وعناية، ممررا إبهامه فوق طيتها. شعر بأن كتابته لتك الكلمة ذات الأحرف الثلاثة هي نذير لسوء لم يكن بوسعه توقع ماهيته، والتزام بشيء أكبر من مجرد وعده بزيارة زان.
صفحة غير معروفة