غرر البيان من سورة يوسف ﵇ في القرآن
الناشر
دار الفاروق للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣١ هـ - ٢٠١٠ م
مكان النشر
عمان
تصانيف
وقد يؤتى بهذا المصدر محتملًا المعنيين معًا، نحو قوله تعالى: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (٢٤)﴾ [الإنسان] أي اصبر لقضاء العليم، ومثله قوله: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨)﴾ [القلم] وقوله: ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (٤٨)﴾ [الطُّور] فهذا ممَّا يتَّسع فيه المعنى فيحتمل المعنيين كليهما: القضاء، والعلم.
مُرَاوَدة امْرَأَة الْعَزِيز لِيُوسُفَ
حَلَّ يُوسُفُ فِي قَلْب امْرَأَة العَزِيز محلًا كَبِيرًا من حَيْث لا يَشْعُر، وَظَنَّت أنَّه حِينَ يَعْلَم بِمَيلِها يُسَرُّ السُّرُور الْعَظِيم ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ﴾ هَكَذَا عَبَّر القرآنُ الكريمُ عَن امْرَأَة العَزِيز بالاسم الموصول المفرد المؤَنَّث ﴿الَّتِي﴾ وهو المسند إليه، زيادة في التَّقرير، فهو مسوق لتنزيه يوُسُفَ، والسَّتر عليها.
وفي قوله تعالى: ﴿وَرَاوَدَتْهُ﴾ كناية عن صفة، والكناية لفظ استتر معناه، لغرض، والغرض هنا التَّعبير عن المعنى القبيح المستهجن بالكناية عنه باللَّفظ المهذَّب الَّذي لا ينبو عنه الطَّبع، فقوله: ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا﴾ كناية عن المخادعة، وما احتالت به.
﴿وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ﴾ وَأَحْكَمَت إغْلَاقَهَا وإطباقها، وَدَعَتْهُ إلَى نَفْسِها، ﴿وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ﴾ واللَّام في ﴿لَكَ﴾ للتَّبيين، والمعنى: هَلُمَّ، أقبل، تَعَال أقول لك! وَهَذَا نِدَاء نَفْسها الأمارة الَّتي زَيَّنَت لها السُّوءَ، وكلمة ﴿هَيْتَ﴾ وحيدة في القرآن مادَّة وصيغة.
فَلمَّا سَمِع - ﵇ - نِدَاءَهَا، وَعَلم مُرَادَها؛ خَيَّبَ فَأْلَها، وَرَدَّ كَيْدَهَا إِلى نَحْرها، وَتَعَفَّف، وَامْتَنَع، وأَبَى إبَاءً شَدِيدًا، وَدُون أدْنى تَفْكِيرٍ وَبِلِسَان التَّقْوَى ﴿قَالَ مَعَاذَ
1 / 53