المتواتر المعنوي
القسم الثاني: ما تواتر معناه دون لفظه، وهو المتواتر المعنوي.
وهو يختلف عن النوع الأول، وليس هناك قصة بعينها حدث لها التواتر.
ومثال ما تواتر معنويًا: رفع اليدين في الدعاء، فلم يرد حديث واحد متواتر دل على أن النبي ﷺ كان يرفع يديه في الدعاء، وليس هناك وصف متواتر بأن النبي ﷺ رفع يديه في الدعاء في مناسبة من المناسبات، وإنما أخذ من عدة مناسبات أن النبي ﷺ يرفع يديه في الدعاء، ولذلك قال السيوطي ﵀: قد ثبت أن النبي ﷺ كان يرفع يديه في الدعاء في أكثر من سبعين موطنًا، وقيل: في أكثر من مائة موطن، وكل موطن ومناسبة تختلف عن الأخرى، مثل قصة دعاء النبي ﷺ لأهل البقيع، وهو من حديث عائشة عند البخاري حينما فقدته في الفراش ليلًا فتبعت النبي ﷺ حتى وصل إلى البقيع فرفع يديه ودعا لأهل البقيع، والحديث معروف، وهو طويل.
فهذه القصة بعينها لم يحدث لها التواتر، ولكنها قصة صحيحة، وكذلك كان النبي ﷺ يرفع يديه في دعاء الاستسقاء على المنبر وغير المنبر، وغير ذلك من المناسبات التي ثبت فيها أن النبي ﷺ كان إذا دعا رفع يديه.
وهذا الدعاء وقع في مناسبات مختلفة، وليس فيها مناسبة تشابه أختها، فهذا التواتر حصل في مناسبات مختلفة، فهو من باب التواتر المعنوي، فإذا أخذنا الأحاديث التي دعا النبي ﷺ فيها ورفع يديه لوجدناها أكثر من مائة حديث، وكل حديث يختلف عن الآخر، ولكنها كلها تذكر أنه ﷺ دعا ورفع يديه، فالقدر المشترك بين جميع هذه الروايات أن النبي ﷺ كان إذا دعا رفع يديه.
فليست كل رواية متواترة تواترًا معنويًا، وإنما المتواتر هنا هو رفع اليدين عند الدعاء، وهذا ما يسميه أهل العلم المتواتر تواترًا معنويًا.
وأما مسألة المسح على الوجه فهي مسألة فرعية وليست داخلة في التواتر، فقد ورد من طريقين أو ثلاثة أن النبي ﷺ كان إذا دعا مسح وجهه بيديه بعد أن يفرغ من دعائه، وهذه الأحاديث حسّنها الحافظ ابن حجر في كتاب بلوغ المرام في أحاديث الأحكام، فثبت سنيتها عند الحافظ، وأما جمهور أهل العلم فيضعفون هذه الأحاديث، ويقولون: إن كثرة الروايات ترفع الحديث من الضعف إلى الحسن.
فمن حسّن الحديث أثبت سنية المسح، ومن ضعّف الحديث نفى سنية المسح.
وهذه المسألة كغيرها من المسائل المختلف فيها بين أهل العلم، لا ينكر فيها على من مسح أو لم يمسح.
3 / 19