البلاغة العربية
الناشر
دار القلم،دمشق،الدار الشامية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٦ هـ - ١٩٩٦ م
مكان النشر
بيروت
تصانيف
في قول المتنبّي:
كفى بجسمي نحولًا أنّني رجل ... لولا مخاطبتي إيّاك لم ترني
وفي قول الآخر:
ولوْ أنّ ما بي من جَوىً وصبابةٍ ... على جَمَلٍ لم يدخل النّار كافر
قد نلاحظ فكرة غريبة لا يتصيّدها إلاَّ شاعر ذَكِيّ، فنُعْجَبُ بطرافتها، ولكنّنا مع ذلك نمُجُّها، لأنَّها تشتمل على دعوى كاذبة سخيفة.
أمَّا حين تكون الفكرة مبتكرة حلوة، وتكون الدَّعوى صادقة في أصلها، مضخَّمة مجسَّمة مبالغًا بها في صورتها الأدبيّة، فإنّ الكلام يكون حينئذٍ أرفع أدبًا، وأعلى كعبًا، وأوقع في النّفس.
هَلُمَّ فَلْنَلْحظ اجتماع الصدق والأدب الرفيع في قول الله تعالى في سورة (ق/ ٥ مصحف/ ٣٤ نزول):
﴿يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امتلأت وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ﴾ [ق: ٣٠] .
إنَّ في هذه الآية حلاوة فكرة السؤال والجواب. وحلاوة الجواب الذكي الذي لم يكن مباشرة بصيغة: (لم أمتلىء) أو بصيغة (لا) مع كثرة الذين أُلقوا فيها. وإنّما جاء على صغية سُؤال النَّهِم الشَّرِه طالب المزيد: ﴿هَلْ مِن مَّزِيدٍ﴾؟!!.
وما دام باستطاعة الإِنسان أنْ ينتقي من الحقّ والصدق عناصر جماليّة لأدبه فما أوفر الحقّ والصدق في بيانات الإِسلام أما الدّعاة إلى الله، وما عليهم إلاَّ أنْ يغترفوا.
(ب) ومن الأفكار الجديدة المبتكرة ما هو جميل جدًا:
وكلّنا نلاحظ أنّ النّاس تُعْجِبُهم وتحلو لديهم المعاني الجديدة المبتكرة، ويقولون في عباراتهم الدارجة: لكل جديد لذّة.
1 / 56