بين العقيدة والقيادة

محمود شيت خطاب ت. 1419 هجري
138

بين العقيدة والقيادة

الناشر

دار القلم - دمشق

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٩ هـ - ١٩٩٨ م

مكان النشر

الدار الشامية - بيروت

تصانيف

وعداوتهم، ولم يطب نفسًا بإسلام رسول الله ﷺ لهم ولا خذلانه (١)، ولكنه قال له: "يا ابن أخي! إن قومك قد جاؤوني، فقالوا لي كذا وكذا، فابْقِ عليَّ وعلى نفسك، ولا تحمِّلني من الأمر ما لا أطيق"، فقال رسول الله ﷺ: "يا عم! والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر حتى يُظهره الله أو أهلك دونه، ما تركته" (٢). وجعل قريش يجلسون بِسُبل (٣) الناس حين قدموا الموسم، لا يمر بهم أحد إلا حذَّروه إياه وذكروا له أمره (٤). وأغرى رجال قريش برسول الله ﷺ سفهاءهم، فكذّبوه وآذوه، ورموه بالشعر والسحر والكهانة والجنون، ورسول الله ﷺ مظهر لأمر الله لا يستخفي به، مُبادٍ لهم بما يكرهون من عيب دينهم واعتزال أوثانهم وفراقه إياهم على كفرهم. وطلع رسول الله ﷺ يومًا، فوثبوا عليه وثبة رجل واحد، وأحاطوا به يقولون: "أأنت الذي تقول كذا وكذا؟! "، لِمَا كان يقول من عيب آلهتهم ودينهم، فيقول: "نعم، أنا الذي أقول ذلك"، فأخذ رجل منهم بمجمع ردائه، فقام أبو بكر الصديق ﵁ دونه وهو يبكي ويقول: "أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله؟! " (٥). وخرج رسول الله ﷺ يومًا، فلم يلقه أحد من الناس إلا كذّبه

(١) خذلانه: تركه. تقول: خذلت الرجل، إذا تركته ولم تنصره. (٢) سيرة ابن هشام ١/ ٢٧٨. (٣) السبل: جمع سبيل، وهي الطرق. (٤) سيرة ابن هشام ١/ ٢٨٤. (٥) سيرة ابن هشام ١/ ٣٠٩ - ٣١١.

1 / 147