فصاح حسين باستهانة: ادعيه .. نادي أبي، نادي الحسين نفسه! أنا ذاهب .. ذاهب .. ذاهب.
ولما وجدته المرأة جادا معاندا، ذهبت إلى حجرته فرأت البقجة منتفخة بالثياب كما قال، فتولاها القنوط، وصممت على إحضار أبيه مهما تكن العواقب. كان حسين عزاءها الوحيد في حياتها، ولم تكن تتصور أن يهجر البيت ويتركها كالوحيدة، ولم تستطع مغالبة قنوطها، وأرسلت في طلب أبيه وهي تصيح نادبة حظها: «علام يحسدوننا؟ .. على خيبتنا القوية! .. على فضائحنا! .. على شقائنا!» وجاء المعلم كرشة بعد قليل مكشرا عن أنيابه، وانتهرها قائلا: ماذا تريدين؟ فضيحة جديدة؟ زبون جديد رأيتني أقدم له الشاي!
فقالت المرأة ملوحة بيدها كالنادبة: فضيحة ابنك! أدركه قبل أن يهجرنا، فقد ضاق بنا ذرعا!
فضرب المعلم كفا بكف وقال وهو يهز رأسه مغيظا محنقا: أمن أجل هذا أترك عملي يا هوه! .. أمن أجل هذا أصعد مائة درجة؟ آه يا أولاد الكلب، لماذا تعاقب الحكومة على قتل أمثالكم؟!
وجعل يردد بصره بين الأم وابنها واستطرد قائلا: ربنا ابتلاني بكما ليقتص مني، ما هذا الذي تقوله أمك؟
ولزم حسين الصمت. وراحت أمه تقول بهدوء ما وسعها الصبر: هدئ روعك يا معلم، فهذه ساعة تحتاج لحكمتك لا لغضبك، لقد جمع ثيابه في بقجة، ونوى مغادرتنا.
فسدد نحوه نظرة حقد وغضب، وهو بين مصدق ومكذب، وقال كالمتسائل: جننت يابن القديمة!
وكانت أعصاب المرأة متوترة فلم تملك أن صاحت به: دعوتك لتعقله، لا لتشتمني.
فالتفت نحوها غاضبا وهو يقول: لولا جنونك الموروث لما شب ابنك مجنونا. - الله يسامحك، أنا مجنونة بنت مجانين، فدعنا من هذا، واسأله عما خالط عقله ؟!
وحدج ابنه بنظرة قاسية، وسأله بصوت كالزئير وقد تناثر ريقه: ما لك لا تتكلم يابن القديمة! هل تروم حقا مغادرتنا؟
نامعلوم صفحہ