كان قصير القامة، مهيب الطلعة، أنيقا في حركته وسكونه ووقفته وجلسته، أنيقا في اختيار كلمته وابتسامته وملابسه.
صوت رقيق خاشع، وجه فيه طمأنينة وسماحة، عينان تشعان ذكاء وحياء، القسمات حلوة، والشمائل أحلى!
الرأس تحتشد فيه الأفكار، والتأملات، والعلوم.
هذا الرأس ارتدى من الخارج العمامة، والقبعة، والطربوش، وارتدى من الداخل عمامة الثقافة الدينية، وقبعة الثقافة الغربية، وطربوش المجتمع المصري القديم!
فقد كان مصطفى عبد الرازق عالما أزهريا، وأصبح شيخا للأزهر، كان خريج السوربون وأصبح أستاذا في الجامعة، كان أحد أقطاب المجتمع السياسي وأصبح وزيرا، عاش في مصر، وفي أوروبا، وارتدى البذلة الإفرنجية، والجبة، والقفطان، ولكنه في جميع أطواره لم يتنكر لتقاليد أسرته العريقة في المنيا، ولم يتخل عن لهجته الصعيدية في أحاديثه العادية، فكان ينطق العربية بأفصح لسان، ويتكلم الفرنسية برقة وطلاقة، ويستخدم «الجيم» مكان القاف، بوصفه واحدا من أبناء «أبو جرج»!
حمل لقب الباشوية، ولما صار شيخا للأزهر، نزل عن الباشوية واحتفظ بلقب الأستاذ الأكبر، ودخل التاريخ وهو الأستاذ الأكبر.
ولكن مصطفى عبد الرازق لم يكن أستاذا أكبر في العلوم الأزهرية وحدها، ولا في الثقافة الغربية وحدها.
لم يكن أستاذا أكبر في الفلسفة الإسلامية والفقه والتصوف فحسب، وإنما هو أيضا أستاذ أكبر في الأسلوب وطريقة الأداء؛ فقد كان في كتابته ينسج مشاعره وأفكاره برشاقة تثير النشوة وتخلب الألباب!
باريس
قال يصف بعض أيامه في باريس:
نامعلوم صفحہ