من يد في صفائه وليانه
إن شوقي في هذه الأبيات يرى أن الفن موهبة، وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال.
هل تستطيع الموهبة وحدها أن تخلق عملا فنيا كاملا؟
في رأيي أن الموهبة التي لا يصقلها العلم والثقافة والدراسة قد تنطلق منها شرارة تلفت النظر، ولكن لا تندلع منها نار تثير الفكر، وقد كان شوقي موهبة صقلتها ثقافات متعددة، شملت السياسة، والتاريخ، والقانون، والآداب العالمية، والفنون، والأديان، وأصول اللغة ...
وإذا شبهنا الموهبة ببئر البترول، فإن الثقافة هي معامل تكرير البترول، وبغير هذا التكرير لا يمكن أن نستغل البترول في تسيير الطيارات والسيارات.
وقد حلقت طائرة شوقي بموهبته التي صقلها بالثقافة، سارت ببتروله الذي كرره بالعلم والمعرفة.
وكان شوقي يؤمن كما قلنا بأن الشعر هو الشاعر، والشعر لا يستطيع طبعا أن يرد على ناقديه، وكذلك الشاعر لا ينبغي أن يفسر أعماله أو يدافع عنها؛ فهذه مهمة الناقد.
ولكن شوقي على الرغم من إيمانه بذلك كان يضيق بهجوم النقاد، وكان يعبر عن ضيقه بأبيات، يبثها بين قصائد لا تمت إلى النقد بأية صلة.
كان الأستاذان الكبيران عباس العقاد وإبراهيم المازني قد أصدرا أول جزء من كتابهما الديوان، وفي هذا الجزء تناول العقاد قيمة شوقي، وهل هو شاعر خالق، أو أنه شاعر ينسج على منوال غيره من الشعراء القدامى؛ فهو يستخدم النماذج السابقة، والقوالب القديمة، وما يتجلى في شعره من بريق، ليس مبعثه شاعرية أصيلة، وإنما مبعثه ممارسة النظم فترة طويلة من الزمن.
وثار شوقي، وثار له كثيرون من الكتاب وردوا على العقاد، ولكن ردودهم لم تتضمن أكثر من كيل السباب للعقاد والمدرسة الحديثة، وإحراق البخور حول شوقي. كانوا يشيدون بشوقي ويسبون العقاد، وكان العقاد يدافع عن الشعر الحديث، ويسب شوقي عن علم وعن تعصب أيضا.
نامعلوم صفحہ