ومرت لحظة صمت، كان الزائر خلالها يتأمل في هذا المستشار الذي اكتسب سمعة طيبة في نزاهته وعدله، وكفايته القضائية، واكتسب سمعة أخرى سيئة في أفكاره! فهو في نظر الجمهور إباحي فاسق فاجر! وهل هناك دليل على الإباحية والفسق والفجور، أكثر من أن ينادي رجل بأن تخلع المرأة برقع الحياء، وتمشي في الطريق بوجه مكشوف، وليس هذا فحسب، بل إنه يريد للمرأة أيضا أن تختلط بالرجال، وتمارس أعمالهم، وحقوقهم، وواجباتهم، وهكذا تتساوى المرأة بالرجل، وتنقلب من مجرد متعة أو قطعة أثاث في البيت، إلى إنسان له رأي وإرادة وتفكير.
أية جريمة نكراء تنطوي عليها تلك الدعوة الجريئة؟ وبماذا تصف رجلا يرتكب مثل هذه الجريمة؟ إن أقل ما يوصف به أنه زنديق، كافر، متساهل في عرضه وشرفه!
ومع ذلك، ويا للعجب! يضرب أصدقاؤه بعدالته الأمثال، ويتكلمون عنه كما يتكلمون عن رجل شريف!
وجاءت القهوة، والتفت الزائر حوله، فلم يجد في الغرفة غير قاسم أمين ومكتب صغير، وبعض الكتب والمقاعد، فدنا منه وقال له: أنا عاوز الست بتاعتك!
وقال قاسم أمين في هدوء: عاوزها في إيه؟
قال الزائر: ألست تدعو إلى اختلاط المرأة بالرجل، والقضاء على الحجاب؟ أعطني امرأتك لأخرج معها!
وابتسم قاسم أمين في مرارة وقال للزائر: إن الدعوة إلى السفور والقضاء على الحجاب، وإعطاء المرأة حقها كإنسانة لا يعني تحويلها من متاع خاص للزوج، إلى متاع عام للناس! ودعوتي إلى تحرير المرأة من رق الحجاب، وسجن الحريم، هي في الوقت نفسه دعوة إلى تحرير الرجل من مفهومه للمرأة، ولن تتحقق حرية المرأة، إلا إذا تحقق تحرر الرجل من نظرته إلى المرأة!
قال الزائر: ولكنا لم نفهم هذا من نظريتك التي تنادي بها!
وقال له قاسم أمين: لن تفهم النظرية حتى تتحرر!
قال الزائر: إلى حرية الرجل تدعو، أم إلى حرية المرأة؟ - أنا أدعو إلى تحرر الإنسان، والإنسان رجل وامرأة!
نامعلوم صفحہ