من الإكرام والإعطاء ، وأن يختلطوا بالمسلمين فيطلعوا على أسرارهم ويذيعوها إلى معانديهم ، وغير ذلك من المقاصد والأغراض. والمعنى أن دائرة الخداع راجعة إليهم ، وضررها يحيق بهم ولا يعدوهم إلى غيرهم ، وأنهم في ذلك خدعوا أنفسهم لما غروها بذلك ، وخدعتهم أنفسهم حيث حدثتهم بالأماني الباطلة ، وحملتهم على مخادعة من لا يخفى عليه خافية.
والنفس ذات الشيء وحقيقته ، ثم قيل للروح ، لأن نفس الحي بها ، وللقلب ، لأنه محل الروح ، وللدم ، لأن قوامها به ، وللماء ، لفرط حاجتها إليه ، وللرأي في قولهم : فلان يؤامر نفسه ، إذ الأمر ينبعث عنها. والمراد بالأنفس هاهنا ذواتهم. ويجوز أن يراد قلوبهم ودواعيهم وآراؤهم ، أي : هم إنما يخدعون ذواتهم وقلوبهم وآراءهم.
( وما يشعرون ) لا يحسون بذلك ، لتمادي غفلتهم ، فإن الشعور علم الإنسان الشيء علم حس ، ومشاعر الإنسان حواسه. جعل الله لحوق وبال الخداع ورجوع ضرره إليهم في الظهور كالمحسوس الذي لا يخفى إلا على مؤوف الحواس.
ثم فسر علة عدم شعورهم بخدعهم أنفسهم في القول المذكور فقال : ( في قلوبهم مرض ). أستعير المرض الذي هو يعرض البدن فيخرجه عن الاعتدال الخاص به ويوجب الخلل في أفعاله للأعراض النفسانية التي تخل بكمالها ، كالجهل وسوء الاعتقاد والغل والحسد على رسول الله والمؤمنين ، وغير ذلك مما هو فساد وآفة ، لأنها مانعة عن نيل الفضائل ، أو مؤدية إلى زوال الحياة الحقيقية الأبدية ، شبيهة بالمرض ، كما استعيرت الصحة والسلامة في نقائض ذلك. فالمراد به هنا ما في قلوبهم من الكفر والحقد والحسد على رسول الله والمؤمنين. ويجوز أن يراد في الآية كلا المعنيين ، فإن قلوبهم كانت متألمة تحرقا على ما فات عنهم من الرئاسة ،
صفحہ 61