سمعه وقلبه ) (1)، وللوفاق على الوقف عليه ، ولأنهما لما اشتركا في الإدراك من جميع الجوانب جعل ما يمنعهما من خاص فعلهما الختم الذي يمنع من جميع الجهات ، وإدراك الأبصار لما اختص بجهة المقابلة جعل المانع لها من فعلها الغشاوة المختصة بتلك الجهة. وكرر الجار ليكون أدل على شدة الختم في الموضعين ، واستقلال كل منهما بالحكم.
وتوحيد «السمع» للأمن عن اللبس ، واعتبار الأصل ، فإنه مصدر في أصله والمصادر لا تجمع ، أو على تقدير مضاف مثل : وعلى حواس سمعهم.
والأبصار جمع بصر ، وهو إدراك العين ، كما أن البصيرة نور القلب وهو ما به يستبصر ويتأمل. وقد يطلق مجازا على القوة الباصرة وعلى العضو. وكذا السمع. ويجوز أن يراد بهما في الآية العضو ، لأنه أشد مناسبة للختم والتغطية ، وبالقلب ما هو محل العلم ، وقد يطلق ويراد به العقل والمعرفة ، كما قال الله تعالى : ( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب ) (2). وإنما جاز إمالة الألف مع الصاد لأن الراء المكسورة تغلب المستعلية ، لما فيها من التكرير.
والختم والكتم أخوان ، لأن في الاستيثاق من الشيء بضرب الخاتم عليه كتما له وتغطية لئلا يتوصل إليه ولا يطلع عليه. والغشاوة الفعالة من : غشاه إذا غطاه ، بنيت لما اشتمل على الشيء كالعصابة والعمامة. و «غشاوة» مرفوع بالابتداء عند سيبويه ، وبالجار والمجرور عند الأخفش.
ثم وعدهم لما يستحقونه فقال : ( ولهم عذاب عظيم ). العذاب كالنكال بناء ومعنى. وأصله الإمساك والمنع ، ومنه : الماء العذب ، لأنه يقمع العطش ويردعه ، ثم اتسع واطلق على كل ألم شديد وإن لم يكن نكالا ، أي : عقابا يردع الجاني عن المعاودة ، فهو أعم منهما. وقيل : اشتقاقه من التعذيب الذي هو إزالة العذب.
صفحہ 56