دليل على ذلك.
ومنها : أن المراد بها أن هذا القرآن الذي عجزتم عن معارضته من جنس هذه الحروف التي تتحاورون بها في خطبكم وكلامكم ، فإذا لم تقدروا عليه فاعلموا أنه من عند الله ، لأن العادة لم تجر بأن الناس يتفاوتون في القدر هذا التفاوت العظيم.
وعند المحققين أن هذه الفواتح وغيرها من الألفاظ التي يتهجى بها أسماء مسمياتها حروف الهجاء التي ركبت منها الكلم. وحكمها أن تكون موقوفة كأسماء الأعداد ، تقول : ألف لام ميم ، كما تقول : واحد اثنان ثلاثة ، فإذا وليتها العوامل أعربت فقيل : هذه ألف ، وكتبت لاما ، ونظرت إلى ميم.
ثم إنه سبحانه ذكرها مفردة وثنائية وثلاثية ورباعية وخماسية ، إيذانا بأن المتحدى به مركب من كلماتهم التي أصولها كلمات مفردة ومركبة من حرفين فصاعدا إلى خمسة ، وتنبيها على أن المتلو عليهم كلام منظوم مما ينظمون به كلامهم ، فلو كان من عند غير الله لما عجزوا من أولهم إلى آخرهم مع تظاهرهم وقوة فصاحتهم عن الإتيان بما يدانيه ، وإشعارا بأن أول ما يقرع الأسماع مستقل بنوع من الإعجاز ، فإن النطق بأسماء الحروف مختص بمن خط ودرس ، فأما من الامي الذي لم يخالط الكتاب فمستبعد مستغرب خارق للعادة كالكتابة والتلاوة ، سيما وقد راعى في ذلك ما يعجز عنه الأديب الأريب الفائق في فنه ، وهو أنه إذا تأملت ما أورده الله تعالى في الفواتح من هذه الأسماء وجدتها نصف أسامي حروف المعجم أربعة عشر اسما إن لم تعد الألف فيها حرفا برأسها ، وهي : الألف واللام والميم والصاد والراء والكاف والهاء والياء والعين والطاء والسين والحاء والقاف والنون ، في تسع وعشرين سورة على عدد حروف المعجم إذا عد فيها الألف.
ثم إذا نظرت في هذه الأربعة عشر وجدتها مشتملة على أنصاف أنواع
صفحہ 37