زبدۃ کشف الممالک
Zubdat Kashf al-Mamalik fi
اصناف
وقيل : من أحث أن يغفر الله سياته ويتجوز عنه ، فليعفو عن هفوات المذنبين .
ويتجاوز عن سياتهم ما لم يكن فيه أسقاط حذ وقيل الانتقام من المذنب عدل ، والعفو عنه فضل ، ومحل الفضل أعلى، والتجمل به أولى ، فهذا مما ينبغى أن يتحلى به السلطان ، وما يعتمده لإصلاح الرعية والزمان ، وكما تجب عليه أشياء فكذلك تجب له ، فمنها حسن الطاعة له ، وامتثال أوامره الشريفة حسبما الطاقة والاستطاعة وصفاء النيات ، وإخلاص السرائر والطويات، والنصيحة التى قال فيها سيد المرسلين : الذين النصيحة ، ووردت فيها الأخبار الصحيحة، واجتماع الكلمة فإنه ينبغى لكل من كان بخدمة السلطان ، أن يكونوا على قلب رجل واحد في الطاعة له فى السر والإعلان ، وأن لا يتعدى أحد طوره لما ورد فى ذلك رحم الله أمرعا ، عرف قدره ، ولم يتعد طوره ، هذا ملحص الواجب على العموم ، وإما الواجب فسياتى ملخص ذلك في بابه المعلوم .
فصل في وصف المواكب وهى عديدة أما موكب السلطان عند الاستقرار ، فكان قديما بالصالحية والأن بالقصر الأبلق باجتماع أهل الحل ، والعقد بحضرة أمير المؤمنين ، واجتماع الأمراء وأركان الدولة الشريفة والجند ، وتقبيل الأرض أمامه بعد جلوسه على تخت المملكة، بعد عقد المبايعة ومصافحة أمير المؤمنين له .
وأما موكب عيد الأضحى يجلس السلطان على التخت المقلم ذكره ، وبعد خروجه من الصلاة وجميع من ذكر حاضرون، ويقبلون الأرض له هذا بعد تفرقة الأضحى على ما يأتى بيانه في ديوان الخاص الشريف .
وأما موكب ليلة عيد القطر فيظهر السلطان بعد صلاة العصر ، ويجتمع من تقدم ذكرهم أيضا على الهيئة المذكورة أيضا وأما موكب يوم عيد القطر يجلس السلطان بعد خروجه من الصلاة في القصر المقدم ذكره للموكب الكامل ، ويلبس الأمراء والأعيان التشاريف الشريفة على ما يأت بيانه في ديوان الخاص . وأما موكب يوم الجمعة فلا يكون إلا في الجامع خاصة بالأمراء الأجناد. وأما موكب السرحات ، وهو أيام الصيد في فصل الربيع سبع مرات.
وأما موكب الريدانية ، فهو عند لبس السلطان الصوف ، وهو فى السنة مرة واحدة . وأما ركوب الميادين فهو موكب عظيم ، وقد بطل الأن لخراب الميادين المعظم ، وسياتئ هيئة ذلك وكيفيته ، وأما موكب سرياقوس ، فهو من جملة الميادين . وأما موكب الإيوان فهو موكب عظيم كان في الزمان المتقدم يعمل فى الخميس والاثنين، والأن ما يكون إلا عند الحضور القصاد من الملوك الضخام . وأما موكب الإصطبل فيكون في الجمعة مرتن في أوقات معينة، يوم الخميس ويوم الاثنين بالقصر، والسبت والثلاثاء بالإصطبل فى أواخر الشتاء وأوائل الربيع ، وصفة الموكب أن السلطان يجلس بصدر المكان وتجلس الأمراء مقدمى الألوف خاصة يمينا ويسارا على مقاعد من حرير ، وناظر الجيش يقرا ما يتعلق بالإقطاعات على المسامع الشريفة فيمضى السلطان من ذلك ما يشاء ، ثم يدخل كاتب السر ويقدم العلامة فيعلم السلطان ما أمضاه ، وكذلك المباشير والمراسيم والمربعات والتواقيع الشريفة ، هذا بعد دخول الجيش طائفة بعد طائفة إلى الخدمة الأصغر يقدم الاكبر ، فعند نهاية ذلك ينهض السلطان إلى القصر الثالث المقدم ذكره ، ويجلس فى الشباك وينظر فى المحاكمات ويفصل أمرها ، ثم يجلس على مرتبة بصدر المكان ، وتقف الأمراء والجند صفين ويمد السماط ، وعند نهايته ينصرفون، وموكب الإصطبل يكون للحكم خاصة ولو أردنا تفصيل ترتيب المواكب وبيانها لطال شرح وحصل الملال . وأما مواكب لعب الكرة فهو فى أوقات معينة في الجمعة مرتين، تجتمع الأمراء مقدمى الألوف ، والطبلخاناه بالحوش المقلم ذكره ويكونون فرقتين وباشين، أحدهما السلطان ونصف الأمراء، والأخر أتابك العساكر المنصورة ونصف الأمراء ، ولعب الكرة مشهورة .
وأما موكب كسر النيل فينزل السلطان إليه والجيش بخذمته ، وجميع الأعيان ، ويكون يوما عظيما يجتمع فيه أهل الديار المصرية ويكسر السد وتجرى المياه بالخلجان ، وتروى الأقاليم المقلم ذكرها . وأما موكت دوران المحمل ، فهو يوم مشهور تجتمع فيه أهل الديار المصرية والصادر والوارد ، وتلعب فيه الرماحة وكسوة الكعبة الشريفة مشهورة على رؤوس الحمالين، والقضاة والعلماء والمشائخ والصلحاء ، وطوائف الفقراء يسيرون قدام المحمل الشريف والأطلاب مزينة ، وكل ما بالديار المصرية من التحف والغرائب يشهر في ذلك اليوم .
فصل في وصف الملبوس لكل من ينست إلى الملك من الخاص والعام وهم طوائف عديدة لكل طائفة قماش لا يوافق طائفة أخرى ، ولولا خشية الإطالة لذكرت قماش كل طائفة على عدته ، كما وضعته في مصنفى الأول، ولكن يكفى من إظهار الأبهة أعلام ذلك ، حتى أنه إذا لبس أحد من طائفة قماش أحد من طائفة غيرها خرج عن الهندام ، وصار منسوبا إلى تلك الطائفة ، وقد ضبطت الطوائف فكانت نيف عن مائة طائفة كل طائفة لها شغل بذاتها ، وهذا فى غاية العظمة ، واتفقت نكتة أحببت ذكرها قيل : أنه ورد فى أيام الملك الظاهر برقوق قاصد من تمرلنك ، فأنزل بدار الضيافة ، وبها مكان يشرف على المشرع قصار ينظر من هناك ، فرأى أقواما وخلقا كثيرا مختلفى الهيات والملبوس ، فسال من المهمندارية ما هؤلاء؟ فسموا له كل طائفة فتعجب من ذلك ، وقال : نحن في بلادنا ملبوس السلطان والأمير والخدم والفلاحين هيئة واحدة ، غير أن التغالى في حسن الثياب للمحتشمين ، وهذا ملك عجيب الذى ملبوس كل طائفة لا تشبه الأخرى ولاق ذلك بخاطره ، فاعلموا المهمندارية من له قرب من السلطان، فأحكى له ذلك فلاق أيضا بخاطر السلطان لعظمة ملكه وسداد قانونه وحسن طريقته ونظافة حاشيته وقال لمن أخبره : أن يعلم المهمندارية، أن يعرفوا القاصد إن ذلك الذى رأه مختصر وأما في أوقات يقتضى لبس القماش لكل طائفة يكون أنواع غير ذلك ، فإن تباب الخدمة لا تلبس فى غيرها وكذلك ثياب السفر وكذلك ثياب السرحات والصيد ، وكذلك ثياب التخفيف ، وكل نوع من هؤلاء يطول شرح تفصيله .
الباب الثالث في وصف أمير المؤمنين وببان أشواله وكان حقه أن يقده لكن مرادنا تضخيم الملك بت صار بالمبايعة منه إلى السلطان ووصف قضاة القضاة أهل الخل والعقد والعلماء أئمة الذين والقضاة فصل فى وصف أمير الزؤمنين وما يتعلق به وهو خليفة الله في أرضه ، وابن عم رسوله سيد المرسلين ، ووارث الخلافة عنه وقد جعله الله تعالى حاكما على جميع أرض الإسلام ، ولا يجوز أن يطلق في حق أحد لفظ سلطان من ملوك الشرق والغرب إلا إذا كان بالمبايعة منه ، وقد أفتت بعض الأئمة أنه من أقام نفسه سلطانا قهرا بالسيف من غير مبايعة منه فيكون خارجا ، ولا يجوز توليته أحد من النوات والقضاة، وإن فعل شىء من ذلك كان جميع حكمهم باطلا وعقد الانكحة باطل ، وفى ذلك أقوال كثرة ، وخلاصة القضية إن فى الحقيقة لا يطلق لفظ سلطان إلا لصاحب مصر نصره الله ، فإنه الأن أعلى الملوك وأشرفهم لرتبة سيد الأولين والآخرين ، وتشرفه من أمير المؤمنين بتفويض السلطنة له على الوجه الشرعي بعقد الأربعة أئمة ورأيت في بعض الأوقات كتب عهود بتفويض سلطنات لعدة ملوك من ديوان الخلافة ، أحدهم للملك الكامل خليل صاحب حصن كيفا، والأخر لصاحب اليمن ، وأخر لصاحب الهند، وأخر لصاحب مكة ، ولم أحرره ومن شرائط أمير المؤمنين وواجباته ما ذكرناه في حق السلطان ، ولكن يتعين اشتغاله بالعلم ويكون عنده خزائن كتب ، وإذا سافر السلطان إلى مهم يكون صحبته لأجل مصالح المسلمين ، وله جهات عديدة نقوم بكلفته ومساكن حسنة ، ويقال: إن ببلاد الغرب بعض دريه الخلفاء الفاطمتين يبايعون ملوك الغرب ، ولم أحزر ذلك وهل يجوز أم لا؟ وللعلماء في ذلك نظر فصل فى وصف قضاة القضاة أهل الخل والعقد والعلهاء أئمة الذين وقضاة القضاة أعظم الأركان وقعا وأعمها نفعا وعليهم مدار مصالح الأمة عقلا وشرعا والقصد بهم نصب ميزان المعدلة فى الأحكام ، وفصل القضاء بين الأنام عند الخصام ، وبسط بساط التناصف بين الخاص والعام في النقض والإبرام ، ولن يتم هذا القصد من مباشرة إلا إذا كان كثير من أخلاق النبوة ، من صفائه من متأنه دين تنزعه عن موارد نفس تحميه عن مواقف التهم ، وشرف همة تحمله على اكتساب مكارم الشيم ، ونزاهة تقى عرضه أن يتهم فى ما حكم ، وأن يكون متضلعا من معرفة أداب القضاء ، متحليا بتجربة قد كشفت له حقائق الأشياء ، رحيب الصدر تابت الرأى ، لا يتزعزع حصانة إذا طاشت ثوابت الأراء ، متردا بجلباب الوقار، متذرعا بشعائر النزاهة عن الأكدار ، متجنبا لفعل كل ما يحوج إلى الاعتذار ، سالك السنن القويمة عسى أن يكون أحد القضاة الثلاثة الذى فى الجنة وإلا فيكون أحد الأخرين الذين في النار ، وله شروط وأداب مذكورة محررة في كتب الفقه ليس هذا محله . والقضاة والعلماء هم العالمون بالشريعة الواضحة التى جاء بها رسول الله ، وشرعها، والحجة القاطعة التي دحض بها شبه المبطلين وقطعها ، والطريقة المثلى التى بناؤها على قاعدة الوحى والتنزيل ووضعها ، والحقيقة العليا التى أعلاها الله على جميع الشرائع والملل ورفعها ، فهى سبيل تقضى بسالكيه إلى الصراط المستقيم ، ودليل يهدى متبعيه إلى الفوز العظيم ، لها حماة وحملة فحماتها الملوك وحملتها العلماء أما الملوك الذين أقامهم الله تعالى لحراسة الذين ، وحفظ الملة وحماية الشريعة ، فقد تقدم القول في تفاصيل بعض صفاتهم ، وفيما يتعين اعتماده من صنوف تصرفاتهم وأما العلماء فهم القائمون بحملها ، المعتنون بنقلها ، الحاملون عبء تقلها ، ففي الحقيقة هم بأحكامها معتنون، يعدونها ذخرا ليوم لا ينفع مال ولا ينون، وقد رفع الله تعالى بعضهم فوق بعض درجات ، واختص من يشاء من لطفه بمزايا وصفات ، فأقدرهم معتبرة بالصفات دون الذوات ، ومراتبهم بالعلم متفاوتة بحسب ما رزقوا من الثمرات ، فلا جرم منهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات .
أما الظالم لنفسه فهو الذى لا يعمل بعلمه ، ولا يقف عند واحب الشرع وحتمه ، فهو على الحقيقة تابع هواه ، نائع هداه ، فينبغى أن لا يفوض له أمر دينن ليتولاه ، فإن من لم ينصح نفسه خليق به أن لا ينضح من سواه ، وأما الأخران فجدير بهما أداء ما تحملاه ، وحقيق لهما النهوض بأعباء ما تقلداه ، فإن الأعمال الدينية هي أبدا مبتداء الاهتداء إلى طريق الحلال والخرام ، والافتقاء بما يعرض من الوقائع والأحكام ، والقضاء بين المتنازعين لفض الخصام ، والاعتناء بأمور المستضعفين من الأيام والأيتام ، وفضائل العلماء كثيرة لا تحصى ، ومزاياهم عديدة لا يدرك أمرها ولا يستقضى ، وإثما هذه نبذة من بعض صفاتهم لا يبلغ عشر معشارها ، ولا يقدر واصف يصف جزة من ألف جزء من مقدارها، وليس وضعنا هذا المصف لهذا المعنى ، وإنما المراد تبيين بعض أحوالهم في منصبهم الأسنى ، وأجلهم قاضى القضاة الشافعي ، ثم يليه قاضي القضاة الحنفى ، ثم يليه قاضى القضاة المالكي ، ثم يليه قاضى القضاة الحنبلي ولكل منهم نواب يحكمون بالديار المصرية ، قيل : إن بها نيف عن مائتي قاضي حكم ، وبالديار المصرية علماء ومدرسون وصوفيون وصلحاء بحيث يعجز الإنسان عن ضبطهم ، ولكل منهم هيئة بذاته . وأما مشايخ الفقراء وطوابقهم وأهل الزوايا فشىء يحصر، ويحضرون إلى السلطان في أول كل شهر يهنئونه لمباركة الشهر عليه وكذلك في كل يوم من ثلاثة أشهر التى يقرا فيها البخارى ، وعند دوران المحمل وفى العيدين ، ويحضر قاضي القضاة الشافعية في كل يوم جمعة فإنه خطيب الجامع الأعظم بالقلعة المنصورة ، ولكل من القضاة جهات مخصوصة به .
نامعلوم صفحہ