============================================================
اتخذوا الشعراء، ورغبوا في المديح، وأعطوا عليه، وعاقبوا في الهجاء، وقاتلوا عليه، علما منهم بأن المدح والهجاء يعملان(1) في النفوس، ويخلدان على الدهر، ويصير الهجاء سبة على الخلف، والمدح منقبة، ويعمل في العظام البالية.
وقد كان ابن مفرغ(1) هجا زياد بن أبيه، فعاقبه عليه، ونكل به، وحمله على حمار، وسقاه التربذ(3) في النبيذ، وقرنه بخنزير، وطوف به(4)، والناس يتبعونه، وهو يسيل بطنه(5)، يريد أن يفضحه بذلك. فأنشأ ابن مفرغ يقول: [الخفيف] يغسل الماء ما صنعت وقولي راسخ منك في العظام البوالي وقد استقصينا في باب الشعر والشعراء، ولم يكن القصد إليه بكتابنا هذا ، ولكن لما تقدم القول به من مرادنا لإبراز(1) فضيلة الشعر، وما فيه من النفع البين ، والفضل الظاهر، إذ كان مدار اللغة العربية عليه، والمفزع فيها إليه . فمن أجل ذلك كانت الشعراء بمنزلة الأنبياء في الجاهلية. فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وأنزل عليه القرآن، وشرع الشرائع والأحكام، ودعا إلى دين الإسلام، وظهرت كلمته، وغلب الحق، وأحوجت الأمم إلى قبوله، والانقياد له، والدخول في دين (8)1 الإسلام، زالت الضرورة عن العرب إلى الشعر، وسقطت فضيلة الشعراء(8) ونزلوا عن رتبهم. وإنما استعان النبي صلى الله عليه على العرب بالشعراء لأن ال العرب من أهل الجاهلية الذين طبعوا على الأمر الأول، ولم يعرفوا كتابا يفزعون اليه، ولا حكما يقتدون به، أجل عندهم من الشعر والشعراء، ففزعوا إليهم عندا (1) هكذا في ب، وفي م وأخواتها : يعمل ويخلد.
(2) يزيد بن ربيعة بن مفرغ من شعراء الدولة الأموية، أخباره في طبقات ابن سلام ص 143، الشعر والشعراء لابن قتيبة 348/1، الاشتقاق ص 529، الأغاني 186/18، خزانة الأدب .212/2 (3) التربد والتربذ : نبات مسهل، فارسيته (تربد) ، يعرف بعشب الجبل الهندي، معجم الألفاظ الفارسية المعربة ص 34 .
(4) هكذا في ه وفي ب: يطوف به.
(5) في الأصول: ذو بطنه.
(6) الشعر والشعراء لابن قتيبة 349/1 .
(7) في م: لايراد.
(8) هكذا في م وأخواتها، وفي ب : عن العرب إلى الشعراء وسقطت فضيلة الشعر.ا
صفحہ 132