قبل أن تنام تحكي لدادا عن أبلة مريم، كيف تمسك أصابع زينة بنت زينات في يدها، ترفعها عاليا لتراها البنات كلهن، يرتفع صوتها فوق الأصوات: «أصابع زينة خلقت للموسيقى، بنت موهوبة، ليس لها مثيلة بين البنات.»
تدفن مجيدة وجهها في صدر دادا، تدس أنفها بين نهديها الكبيرين، تتشمم حنان الأم، تربت دادا رأسها، تهمس في أذنها: «نامي يا مجيدة، ربنا أعطاك خير كثير، أبوكي ما شاء الله اسمه على كل لسان، وأمك ربنا يحميها أستاذة كبيرة في الجامعة، لكن زينة بنت زينات يا عيني عليها، من غير أب ولا أم ...»
ينقطع صوت دادا، كأنما أصابتها غصة، ترفع يدها الكبيرة السمراء تمسح دموعها بكم جلبابها الواسع الطويل. - انتي بتعيطي يا دادا؟ - أبدا يا بنتي. - إنتي عندك أب وأم يا دادا؟ - طبعا يا بنتي، كل الناس عندها أب وأم. - إلا زينة بنت زينات يا دادا؟ - كان عندها أب يا بنتي، أبوها كان راجل من ضلع راجل، كان زينة الرجال. - أبوها راح فين يا دادا؟ - ربنا أخذه يا بنتي. - يعني مات؟ - أيوه يا مجيدة يا بنتي. - ليه ربنا أخذه يا دادا؟ - ربنا دايما ياخذ أحسن الناس. - ليه ربنا ماخدش بابا وماما؟ - اسكتي يا مجيدة، وطي صوتك، نامي يا بنتي، بعيد الشر عن ابوكي وامك.
كانت مجيدة في الثامنة من عمرها، لا تفهم ما تقوله دادا، إذا كان الله يأخذ إلى السماء أحسن الناس؛ فلماذا لم يأخذ أباها الأستاذ الكبير زكريا الخرتيتي، وأمها الأستاذة الكبيرة بدور الدامهيري، ولماذا تضطرب دادا وتدعو الله أن يبعد الشر عن أبيها وأمها؟
إذا كان الموت شرا من عند الله؛ فلماذا يموت أحسن الناس ويصعدون إلى الله في السماء؟
ويبقى الأشرار أحياء؟
في الشارع وهي تمشي إلى المدرسة تلمح زينة بنت زينات تلعب مع الأطفال، يتجمعون من حولها يرقصون ويغنون معا أغاني الفلاحين: «نورت يا قطن النيل، يا حلاوة عليك يا جميل ...» أو «طلعت يا محلا نورها، شمس الشموسة، يالا بنا نملا ونحلب لبن الجاموسة، جاعد على الساجيا يا خلي أسمر وحليوا، عاوج الطاجية وجلي غنيلي غنيوا ...»
لم تكن تحب ركوب السيارة مع الشوفير، ينطلق بها من البيت إلى المدرسة، لا يتوقف قليلا لتطل على أطفال الشوارع وهم يرقصون ويغنون، يقول لها: إنهم أولاد الأبالسة. لم تعرف معنى الكلمة، قال الشوفير: إنها جمع كلمة إبليس الشيطان.
لم تتصور مجيدة أن الشيطان له أولاد وبنات. كان في خيالها مثل الله، ليس له أولاد أو بنات. - دول أولاد حرام يا ست مجيدة، دول عيال حرامية، أوعي تكلمي حد منهم. - زينة بنت زينات كانت معايا في المدرسة، كانت موهوبة في المدرسة، أبلة مريم كانت تقول: «إنها أحسن بنت في المدرسة.»
لم يكن الشوفير يستمع إلى ما تقوله مجيدة، كانت عيناه الغائرتان تشخصان إلى الأمام ثابتتين فوق الطريق، بشرته سوداء مثل البوابين في جاردن ستي، لكنه لا يرتدي جلبابا أبيض، بل بدلة لونها كاكي تشبه بدلات العساكر، يضع فوق رأسه قبعة من القماش السميك الكاكي يسمونها «الكاسكيتة»، أصابعه الكبيرة السمراء تحوط عجلة القيادة في ثبات وقوة، تكاد تشبه أصابع دادا وهي تدعك لها رأسها بالماء الدافئ والصابون في الحمام، ليست مثل أصابع أمها البضة الناعمة الطرية، تشبه أصابعها.
نامعلوم صفحہ