زیتونہ و سندیانہ
الزيتونة والسنديانة: مدخل إلى حياة وشعر عادل قرشولي مع النص الكامل لديوانه: هكذا تكلم عبد الله
اصناف
والواقع أن تصنيف الأديب و«إدراجه» في خانة محددة لا يخرج عنها لا يمكن أن يجلب معه إلا الظلم له ولأدبه. وأحسب أن الحقيقة التاريخية والموضوعية تقول بأفصح لسان وأوضح بيان: إن المعول في كل الأحوال على قيمة الأدب نفسه بما هو أدب؛ فالأدب هو الأدب. والأدب الجيد هو الذي يبقى، ولا ضير عليه أن يوصف بأنه أدب أجانب أو بأنه جزء من الأدب القومي. وأعتقد أن هذا يصدق على كتابات عدد لا حصر له من المهاجرين الأجانب، بلغات أخرى ليست هي لغتهم الأم، لا سيما باللغتين الفرنسية والإنجليزية. وأعتقد أيضا أن إعجاب القراء بالشعر الذي نشر له، وأعيد طبعه أكثر من مرة في مدينة ميونيخ بعد إتمام الوحدة الألمانية «مثل ديوانيه: لو لم تكن دمشق (1992م)، وهكذا تكلم عبد الله (1995م)، اللذين أصدرتهما دار نشر أكسيون آيس» هو الدليل الواضح على الاهتمام بالشعر الصادق في ذاته، بغض النظر عن اسم صاحبه، أو اسم البلد، أو خط الطول الذي جاء منه. •••
لقد ظل زملاؤه وأصدقاؤه في فرع اتحاد الكتاب بمنطقة ليبزيج - طوال العقود الثلاثة السابقة لقيام الوحدة الألمانية - يعتبرونه واحدا منهم. ولم يكن تعبيره الشعري - بصوره الشرقية والعربية المذهلة - هو وحده مصدر إعجابهم به، بل إيمانه القوي الصادق بالتكامل الإنساني والوحدة الجوهرية التي تجمع شتى الثقافات والحضارات والبشر، إلى جانب اعتزازه بأنه مواطن في ثقافتين وحضارتين، وتمسكه الدائم بهويته السورية والعربية. وعندي أن إنتاجه الشعري والنثري بالألمانية هو جزء لا يتجزأ من مجموع الإنتاج الأدبي في ألمانيا الشرقية السابقة، بشرط أن نفهم من هذا أنه ينتمي لأدب الناقدين والمحتجين، لا أدب المجارين والممالئين الذين يؤثرون السلامة، فيصمتون أو يقولون آمين (راجع الفصل الثاني من هذا الكتاب). (ز) تنوعت ألوان التكريم وصور الثناء على إبداع شاعرنا، ودوره الأدبي والثقافي بوصفه «وسيطا» وبناء للجسور. ويكفي أن نتذكر التقرير الذي كتبه راعيه الطيب «ماورر» في مطالع الستينيات عن شعره المبكر، وقال فيه: «إن لغته غنية بالصور المذهلة التي تشبه باقة زهور طازجة، قطفت من فورها.»
ويمكننا أن نذكر عشرات التعليقات النقدية على دواوينه وبحوثه، والإشكالات المرتبطة بحياته وإنتاجه (كالكتابة بلغتين والانتماء لثقافتين وتراثين)، بالإضافة إلى «الوثائق» المتعلقة بحصوله على جائزة الفن التي قدمتها له مدينة ليبزيج في سنة 1985م، وجائزة «أدالبير فون شاميسو» التي منحتها له الأكاديمية البافارية للفنون (1992م)، وإلى «الشهادات» التي أدلى بها بعض أصدقائه - الذين يعدون اليوم من كبار الشعراء - سواء في تقييمهم لأحد كتبه، أو غداة ترشيحه لعضوية فرع اتحاد الكتاب الألمان في محافظة ليبزيج «قبل انتخابه منذ سنتين بالإجماع رئيسا له»، أو لإحدى الجوائز السابقة.
لنقرأ معا هذه السطور من «الوثيقة» التي تليت أمام جمع حاشد من المثقفين، قبل تسليمه الجائزة البافارية في مدينة ميونيخ: «إن شعر - المحتفى به - يجمع بطريقة موفقة وبارعة بين الشرق والغرب في صور مألوفة وغير مألوفة، ومقالاته رؤى نقدية نافذة لعالم يزداد على الدوام اضطرابا، ويهدد فيه الفرد بالضياع. وأعماله تنطق بالكمال الشكلي والغنى الفكري الذي يميز الشاعر الحقيقي، كما تعبر أيضا عن حكمة مواطن عالمي.»
ولعل أروع شهادة قدمت عنه في معرض الحديث عن ديوانه الأخير «هكذا تكلم عبد الله» وبمناسبة عيد ميلاده الستين، هي التي عبر عنها بحب وصدق نادر صديقه الشاعر الشاب توماس بيمه: «إن قرشولي يقول لنا بغير ادعاء، ولكن بإصرار: انظروا كم هي جميلة لغتكم التي أصبحت لغتي، وهو يخجل كل الذين فقدوا ثقتهم بألمانيتهم، ولم يعودوا يستخرجون منها ما تحتوي عليه من غنى وجمال. إن هذا العمل (أي الديوان السابق الذكر) هو صدفة سعيدة للأدب، وهبة من ربات الفن التي لا تمنح رجلا تخطى نصف عمره كل هذه الطاقة الإبداعية، إلا فيما ندر.»
وربما كانت الشهادة التالية التي تهز الوجدان بحق، وتملأ قلب العربي بالغبطة والرضا والفخار، هي تلك التي قدمها له صديقه الصدوق ورفيق رحلته الشعرية منذ أن تزاملا في معهد الأدب الذي سبقت الإشارة إليه، وهو الشاعر فولكر براون في اللؤلؤة الصافية التي تشع أضواؤها وظلالها في هذه الأبيات:
11
شجرة زيتون ودود، ناصعة،
بجانب شجرة السنديان العجفاء
الجذور من مكان بعيد بعيد،
نامعلوم صفحہ