كان الشيء الطافي في الماء يشبه إطار عجلة السيارة، براقا ومنتفخا.
كان جثة شخص. تيقنا من ذلك حين استدارت في الماء فبرز الرأس، كان لرجل متوسط الحجم، يلبس تي شيرت وجينز، ويبدو نصف مغمور، ومقلوبا على وجهه.
ورفع زيتون بصره إلى الطائرة العمودية، هل كانت تحاول الآن إنقاذه؟ وأنعم النظر. كلا. كان في الطائرة رجل يوجه آلة تصوير إلى الجثة، وكرر ذلك عدة دقائق، ثم ارتفعت الطائرة ومالت وانطلقت مبتعدة.
حافظ زيتون وناصر على المسافة التي تفصلهما عن الجثة، كان زيتون يعرف كثيرين من أبناء الحي، فإن كان هذا جارا أو صديقا فإن زيتون لم يكن يريد أن يراه على هذه الحال.
كان كلاهما مضطربا، فانطلقا يجدفان في صمت متجهين إلى المنزل في شارع كليبورن، لم يكن زيتون يتصور قط أن يأتي اليوم الذي يشهد فيه مثل هذا المشهد، جثة طافية في مياه قذرة، على مسافة تقل عن ميل من منزله، ولم يستطع أن يجد مكانا للمشهد في سياق ما يألفه ذهنه، فالصورة تنتمي لزمان آخر، لعالم يختلف اختلافا جذريا عن هذا العالم؛ إذ استدعت لخياله صور الحرب، صور الجثث التي تتعفن في ميادين قتال منسية، وتساءل في نفسه: من كان هذا الرجل؟ هل كان يمكننا إنقاذه؟ لم يستطع زيتون أن يتصور إلا أن الجثة ربما أقبلت من مكان بعيد، وأن الرجل قد جرفته المياه من مكان قريب من البحيرة إلى هذه الضاحية، لم يكن يبدو أن لديه تفسيرا آخر، ولم يكن يريد أن يتخيل إمكان حاجة الرجل إلى المعونة وحرمانه منها.
وبينما كان زيتون يربط القارب في مدخل المنزل في شارع كليبورن سمع رنين التليفون، فالتقطه ووجد أخاه أحمد على الخط.
قال أحمد: «ليتك ترحل!»
وقال زيتون: «أنا بخير، يزداد أماني كل يوم.» ولم يكن يعتزم إخبار أحمد بالجثة التي شاهدها.
وقال أحمد: «أطفالي في قلق عليك.» كان لطفي ابن أحمد وليلى ابنته يشاهدان محطة «سي إن إن» منذ بداية العاصفة، وشاهدا صور الخراب واليأس، ولم يصدقا أن عمهما كان يعيش وسط ذلك كله.
وقال زيتون: «قل لهما ألا يقلقا. وأبلغهما سلامي.»
نامعلوم صفحہ