الأول من تلك المبادئ وأهمها: أن الله تعالى خلق البشر متساوين في الحقوق الاجتماعية والسياسية، وبالتالي فلا يحق لأحد مهما كان أن يقيد حرية أي مخلوق آخر، كما لا يحق لأحد أن يخضع نفسه لمخلوق آخر إلا بإذن من الله، كما لا يحق لأحد أن يتقدم أو يتصدر غيره من الناس إلا بإذن من الله تعالى أو لمصلحة مشتركة تعمهم جميعا. وإن الله تعالى إذ يأذن فلا يأذن إلا بما يقره العقل ويؤيده؛ لأن الله تعالى لا يأذن بما يخالف العقل أبدا. الثاني: أن إقامة نظام سياسي عادل يرعى حقوق الناس، ويؤمنهم من الظلم والخوف والفقر والجهل، هو من أصول الدين. وهو من مدلولات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وفي غياب هذا الأمر يصبح "التقلب بالأموال والتجارات والمكاسب في وقت ما تعطل فيه الأحكام وينتهب ما جعل الله للأرامل والأيتام والمكافيف والزمنى وسائر الضعفاء ليس من الحل والإطلاق كمثله في وقت ولاة العدل والإحسان والقائمين بحدود الرحمن." قال د. محمد عمارة معلقا عليها: هذا الحكم يجعل الكسب في مثل هذه الظروف لا يمكن أن ينجو من التلوث بمثل هذه الظلامات. وفي هذا الحكم حث على العمل لتغيير الجائر من الأوضاع تطهيرا للكسب والمأكل وإراحة للضمير. الثالث: وهو يتفرع بشكل طبيعي عن الثاني، وهو وجوب المشاركة السياسية الفاعلة من جميع أفراد الأمة في تأسيس ذلك النظام، وفي رعايته وحمايته. وهذا يفرض على المجتمع المسلم التواجد الإيجابي والفاعل في الساحة السياسية، مع اختلاف شكل التواجد وآليته باختلاف الظروف الموضوعية، كما يفرض على المجتمع السعي الدؤوب وصولا لنحو ذلك النظام، حتى لو لزم الأمر التدخل القسري، وبالتالي يخلق لنا مجتمعا مشاركا ومراقبا للوضع السياسي في البلاد، إضافة إلى أنه يخلق شعورا لدى القائمين بالأمر بالمراقبة المستمرة لهم ولأعمالهم. الرابع: إن الدولة تعبر عن مصالح المجتمع بجميع أطيافه واتجاهاته المختلفة وإنه لا يجوز لها أن تكون طرفا من أطراف الصراع الاجتماعي بأشكاله المختلفة، وإنما هي مظلة يستظل بها جميع أفراد المجتمع مهما تناقضت هوياتهم، وقد عبر عن شيء من هذا المبدأ الإمام محمد بن عبد الله النفس الزكية(ت145ه) حيث: أوجب على من قام بهذا لأمر الدعاء لجميع الديانين، وقطع الألقاب التي يدعى بها فرق المصلين، وغلق الأبواب التي في فتح مثلها يكون عليهم التلف، والامساك عما شتت الكلمة، وفرق الجماعة، وأغرى بين الناس فيما اختلفوا فيه وصاروا به أحزابا، والدعاء لطبقات الناس من حيث يعقلون إلى السبيل الذي لا ينكرون وبه يؤلفون، فيتولى بعضهم بعضا، ويدينون بذلك، فإن اجتماعهم عليه إثبات للحق وإزالة للباطل. الخامس: إن القيادة في الدولة قيادة سياسية، وليست زعامة دينية. فالقيادة السياسية هي التي يراد منها أساسا رعاية مصالح العباد. والزعامة الدينية هي تلك التي تملك حقا زائدا أو حصريا في أن تتكلم وتمثل الدين. فمع أن قيام الدولة مما يجب أمام الله تعالى، ومع أنه يجب طاعة الدولة فيما تأمر به، إلا أنها مع ذلك قيادة سياسية وليست زعامة دينية. فليس لها ولاية على الدين، ولا يعتبر رأيها في الأمور الدينية ملزما للجميع. وتنحصر ولايتها في ما يحقق غرض وجودها وهو تحقيق العدل والأمن بين الناس. هذا لا يمنع من اشتراط مؤهلات دينية وعلمية وخلقية لمن يتولى أمورها. كما لا يمنع أن يكون للقيادات فيها مواقف دينية تتميز عن غيرهم، ولكنها لا تلزم إلا من اقتنع برأيهم. أيضا لا يتعارض هذا مع اعتبار أن طاعة القيادة فيها ثواب من الله، وأن معصيتها عليها إثم، لأن ذلك يعود إلى أنه يترتب على الطاعة والمعصية مصالح ومفاسد للأمة. أخيرا قد يكون من الأمة من هو أكثر دينا ممن في رأسها، ولكن لما كانت العبرة بالقدرة على القيادة لم يمتنع هذا الأمر. هذه الأفكار تمثل أبرز مرتكزات المشرع السياسي الزيدي. ما سواها من عناصر فرع عليها، وأغلبها إن لم يكن جميعها إنما يتناول آلية الوصول إلى الحكم، كما يتناول آلية انتقال الحكم وطريقة حل النزاعات المحتملة حين انتقال الحكم، وهي قضايا على أهميتها لا تعدو أن تكون إجرائية ونسبية بخلاف تلك الأمور التي تحدد دوافع الحركة وأهدافها وشكلها العام، وهذه الأفكار كما هو واضح أساس أي مشروع سياسي معاصر يهدف إلى إقامة العدل، وإلى إبقاء الإسلام في الحياة العامة.
صفحہ 71