لم يخلق الخلق على مثال سبق ، وليس خلق شيء بأهون عليه من خلق شيء آخر ولا بأصعب عليه منه. الغني فلا يجوز عليه اجترار المنافع ولا تلحقه المضار ، ولا يناله السرور واللذات ، ولا يصل اليه الأذى والآلام ولا يلحقه العجز والنقص، ولا تجري عليه الآفات ، ولا تحل به العاهات. إله يتعالى عن كل خصائص وسمات المادة. لا يمكن الوصول إليه إلا عبر التأمل في أفعاله التي هي مخلوقاته. وذلك من خلال تفاعل بين المسلمات العقلية، وبين المشاهدات الحسية. عند معرفة أفعاله نجد أن هذه الرؤية عدلية، تؤمن بحكمة الله في أفعاله، وبعدله في معاملة مخلوقاته. هذه الرؤية العدلية تحدد موقفنا من الله تعالى بدرجة قد تتجاوز تأثير الرؤية التوحيدية؛ لأنه بدون العدل الإلهي فلا قيمة على الاطلاق لأي تقييم لموقفنا من الله تعالى، لأن أي موقف سنتخذه عندئذ لن يكون له أي انعكاس مؤكد.
العدل أيضا يشكل منهج الحياة في التعامل مع الخلق؛ فإن عدالة الله تعالى مع خلقه تنعكس، وتدعو إلى العدالة بين خلقه. الرؤية العدلية تؤمن أنه تعالى لا يظلم، ولا يكذب، ولا يعبث. فلا ينزل ضررا على أي مخلوق، إلا إذا كان لذلك نفع أعظم من الضرر في الدنيا أو في الآخرة، أو كان عقوبة مستحقة. كما إنه تعالى لا يفعل فعلا إلا إذا كان فيه مصلحة عائدة إلى خلقه. وتؤمن هذه الرؤية العدلية بأنه تعالى لا يمكن أن يدعنا بغير إرشاد، كما إنه لا بد من المناصفة بين المخلوقات، ويجب أن نكون أحرارا في اختياراتنا، وتؤمن بضرورة تعويض الله لنا، وتأييده. وينتج عنها ما يلي:
1. الرسالات: إن بعثة الأنبياء ضرورة يقتضيها عدل وحكمة الله تعالى، حيث إنه تعالى لم يكن ليترك عباده بغير إرشاد.
صفحہ 63