وإنما جاز أن يكون الرسول مرة عربيا ومرة عجميا، وليس له بيت يخطره ولا شرف يشهر موضعه؛ لأنه حين كان مبتدىء الملة ومخرج الشريعة، كان ذلك أشهر من شرف الحسب المذكور، وأنبه من البيت المقدم. ولأنه يحتاج من الأعلام والآيات والأعاجيب، إلى القاهر المعقول والواضح الذي لا يخيل أن يشتهر مثله في الآفاق، ويستفيض في الأطراف حتى يصدع عقل الغبي، ويفتق طبع العاقل، وينقض عزم المعاند، وينتبه من أطال الرقدة وتخضع الرقاب وتضرع الخدود حتى يتواضع له كل شرف، ويبخع له كل أنف، فلا يحتاج حاله معه إلى حال، ولا مع قدره إلى حسب.
وعلى قدر جهل الأمة وغباء عقولها، وسوء رعتها، وخبث عادتها، وغلظ محنتها، وشدة حيرتها، تكون الآيات، كفلق البحر، والمشي على الماء، وإحياء الموتى، وقصر الشمس عن مجراها. لأن النبي الذي ليس برسول ولا مبتدىء ملة، ولا منشىء شريعة، إنما هو للتأكيد والبشارة، كبشارة النبي بالرسول الكائن على غابر الأيام، وطول الدهر.
وتوكيد المبشر يحتاج من الأعلام إلى دون ما يحتاج إليه المبتدىء لأصل الملة، والمظهر لفرض الشريعة، الناقل للناس عن الضلال القديم، والعادة السيئة، والجهل الراسخ. فلذلك التقى بشهرة أعلامه، وشرف آياته، وذكر شرائعه، من شهرة بيته وشرف حسبه، لأنه لا ذكر إلا وهو خامل عند ذكره، ولا شرف إلا وهو وضيع عند شرفه.
PARATEXT|
انتهاء الفصول التي اختارها عبيد الله بن حسان من كتب أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، رحمه الله تعالى. وكان الفراغ من نسخ هذه النسخة يوم الجمعة المبارك الثامن عشر من شهر صفر الخير، على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التحية، على يد كاتبها الفقير عبد الله المنصوري، اللهم اغفر له ولوالديه آمين، آمين، آمين.
صفحہ 323