أشخاص المسرحية
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
أشخاص المسرحية
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
زوجة كريج
زوجة كريج
تأليف
جورج كيلي
تقديم
أنيس منصور
ترجمة
محمود محمود
هذه المسرحية
بقلم أنيس منصور
بعض الخبثاء يقول: إن المرأة كالقمر، لها وجه آخر لم يره أحد بعد.
والحقيقة أن المرأة لها وجوه عديدة. والذين رأوا وجوه حواء من العلماء والفنانين عددهم قليل جدا، ولم تكن رؤيتهم واضحة. أما الذين رأوها بوضوح فهم كثيرون جدا وكان ذلك على فراش الموت. ومع الأسف لم يتمكنوا من النطق بشيء، ومضوا في سلام.
وكان تولستوي يقول إن الرجل لا يستطيع أن يقول رأيه في زوجته إلا بعد أن يتأكد أنهم أغلقوا عليه باب القبر بإحكام تام.
وكان شوبنهور يقول: كلما سمعت رجلا يتحدث عن امرأة بصراحة تامة، أعرف أنها ماتت أو أنه يريد أن يقتلها.
ولكن الفنانين الكبار استطاعوا أن يقولوا كلمتهم وهم أحياء. وبعد موتهم بقيت هذه الكلمات. بقيت هذه الوجوه العديدة التي رأوها لحواء تطل علينا، وتضيء لنا، لا كالقمر الذي له وجه واحد ثابت، ولكن كالنجوم التي تتلألأ؛ أي تطل علينا بألوف الوجوه.
وأشهر هذه الوجوه جميعا وأروعها ثلاثة:
وجه الزوجة التي تدخل الحياة الزوجية ومعها «أثاث» لم يره الزوج. هذا الأثاث صنعته من أحلامها ومن أوهامها، من شبابها اللامع، وانتظرت زوجها. انتظرت فتى أحلامها، فجاء الفتى وفوجئت بأنه لا أحلام هناك، بل ولا فتى، أو أن الفتى جاء، ثم اشترط أن تصحو هي من أحلامها. إنه لم يترفق بها وهي تحلم. إنه هزها بعنف. اقتلع النوم من عينيها، ثم اقتلع عينيها حتى لا ترى شيئا، حتى تسمعه هو، ولا تراه ولا ترى نفسها، وتظل كحواء قبل أن تأكل من شجرة المعرفة، وقبل أن تعرف أنها عارية وأن آدم عريان، وقبل أن تمد يدها إلى ورقة التوت تغطي نفسها. إن هذه المرأة انتظرت فتى أحلامها، انتظرت الذي يملك خاتم سليمان، ومصباح علاء الدين، وبساط الريح ويقول لكل شيء كن فيكون. وجاء الرجل وفتح عينيه، ولكنه لم يرها، وفتح أذنيه، ولكنه لم يسمعها، ونشر ذراعيه، واحتضن شيئا آخر. وفوجئت الزوجة بأن زوجها يعلق صورة لقطار السكة الحديدية على الحائط، ماذا يريد؟! إن القطار هو مثله الأعلى. إنه يريد من زوجته أن تمشي كالقطار، تمشي على شريط في مواعيد محددة، لا تتعب، لا تمرض، لا تخطئ. واكتشفت الزوجة أن زوجها يريدها أن تكون كالكرسي، كالنضد. إنها شيء يلقيه على الأرض ثم يجده في اليوم التالي، في نفس المكان، ولم يزد عليه إلا بعض التراب. وطبعا تكون مفاجأة كبرى للزوج عندما يجد الكرسي تحرك، وله رجلان لا أربع، وله شعور، وله رأي، وله موقف، وفي لسانه كلام، وفي كلامه قرار. وتمتد يد الكرسي الناطق وتعلق صورة لحمار على الحائط أو أي حيوان آخر. ماذا تريد الزوجة؟! إنها تريد أن تعلن رأيها في زوجها بصراحة، وترى الزوجة أن زوجها قد زور في عقد الزواج، فالعقد قد نص على أنها تزوجت إنسانا لا حيوانا؛ ولذلك يجب أن تخرج من البيت؛ لأن هذا الزوج قد حول زوجته من إنسان إلى حيوان إلى جماد. وهذه الزوجة لا تريد أن تتخلص من «آدم» إلى الأبد؛ إنها تريد أن تتخلص من هذا «الآدم» فقط؛ لأن حواء لآدم إلى الأبد، وزوجها يريد منها أن تكون له إلى الأبد، وبأي شرط.
هذه المشكلة الحقيقية التي صورها كاتب النرويج العظيم «هنريك إبسن» في مسرحيته الخالدة «بيت الدمية». ففي نهاية المسرحية نرى الزوجة «نورا» تخرج بملابسها، تخرج بأثاثها الذي دخلت به، بأثاثها الوردي الذي صنعته بنفسها، وبقلبها وبحرمانها، ثم تقفل الباب في وجه زوجها، وفي وجه جمهور المتفرجين، وفي وجه كل أبناء القرن التاسع عشر. وكان صوت الباب صفعة على وجه الزوج، وكل زوج، أو كأنه الدقات التقليدية التي تعلن بداية القرن العشرين، بداية المساواة والحرية الفردية للرجل والمرأة.
و«نورا» هذه صاحبة مبدأ، صاحبة فلسفة. أما الوجه الثاني فهو وجه الزوجة التي أحبت، ولكن ليس المحبوب هو الذي يشغلها وإنما الحب نفسه، فهي تحب الحب؛ لأن الحياة جوهرها الحب. وهي تريد أن تعيش. والحب لذيذ ممتع، كأي «فيلم»، كأية حفلة، والحب حفلة ترقص فيها وتغني وتشرب. وفي نهاية هذه الحفلة تعانق صاحب الدعوة أو أصحاب الدعوة، وترجو منهم أن يكرروا هذه الحفلات. والزواج عندها معناه أنها أحبت رجلا بكامل حريتها. أليس معنى الزواج أن «يصادر» الزوج قلبها أو عقلها أو تصبح حياتها موقوفة عليه هو؟ والزواج معناه أنها أعطت أعز ما تملك لأعز من تحب. وأعز ما تملكه المرأة هو جسمها؛ فهو مملكتها.
وعندما يسألها الزوج: أريد أن أعرف من أنت؟
تقول له: أنا عمري، أنا شبابي، أنا عشرون ربيعا، أنا شبابي، هذا هو أنا، وكل فتاة مثلي هي كذلك.
هذه الزوجة تريد من زوجها أن يقوم بدور شهرزاد في «ألف ليلة وليلة»؛ كل ليلة ليلة جديدة، وقصة جديدة، ومغامرة جديدة. فإذا انتهت الحكايات اتجهت الزوجة إلى مؤلف آخر؛ فالحب في قلبها طفل صغير تهدهده الحكايات فينام. وعندما اتجهت الزوجة إلى مؤلف آخر، إلى صاحب حكايات أخرى كان أخا زوجها. لقد تعبت الزوجة من حكايات الأخ الأكبر، فاتجهت إلى الأخ الأصغر، ثم تعبت من الأصغر فخرجت من البيت خروج الغزاة الفاتحين وتحت قدميها دماء زوجها وأخيه.
هذا الوجه أبدعه كاتب فرنسا «أرمان سالكرو» في مسرحية «امرأة حرة». هذه المرأة الحرة اسمها «لوسي»، ولم تكن لوسي صاحبة مبدأ أو فلسفة، وإنما هي تريد أن تعيش، أن تعيش حياتها هي، حياة غير مشروطة بأي شرط، ولا يهمها ماذا يقول عنها المؤرخون أو نقاد الأدب. إنها تمر بالتجربة، وعليهم هم أن يختاروا لتجاربها الأسماء.
والوجه الثالث نجده في هذه المسرحية، مسرحية «زوجة كريج». والمسرحية تمضي حوادثها في بضع ساعات، ولكننا نشعر في أول الأمر أنها طويلة. ويبدو أن المؤلف تعمد الإطالة حتى يرسم لنا ملامح شخصياتها بوضوح، وبعد ذلك يترك لهم المسرح. وعلينا نحن أن نتتبع ما يجري في هذا المنزل، ولا أقول «البيت»؛ فهناك فارق كبير بين الاثنين. وهذه المسرحية توضح لنا الفارق الكبير جدا ؛ فالزوج يريد أن يكون منزله بيتا، والزوجة تريد أن تحيل البيت إلى منزل. هو يريد أن يضيف إلى المنزل الدفء والأمان وبذلك يصبح بيتا، والزوجة تريد أن تجرد البيت من هذا الدفء ومن الناس فيصبح منزلا مليئا بالأثاث. ومن ضمن قطع الأثاث: زوجها!
وزوجة كريج لها رأي في الزواج، ولها رأي في الزوج. من رأيها أن الزوج «ممول» لمشروع. أما هذا المشروع فهو بيتها، وبيتها هو حياتها مع زوجها، وبعد زوجها، أي بعد وفاة الزوج؛ فهذه مسألة هامة جدا. وقد عاشت زوجة كريج تجربة رهيبة قبل ذلك. رأت أمها وكيف أحبت أباها، وكيف أن أباها كان يبيع أمها وما تملك من أجل نساء أخريات. ومن رأي زوجة كريج أن الزواج صفقة تجارية بين البائع والمشتري. هي أعطت حريتها لزوجها، وزوجها أعطاها ماله والطمأنينة والاستقرار. كلاهما كسبان، وكلاهما خسران. وإذا كان الزوج يتعب في عمله، فهي أيضا تتعب في البيت. والزوجة ترى أن البيت مكانها الطبيعي، وأن زوجها ليس هو كل شيء، وأنها عندما تحرص على زوجها، هي في الواقع تحرص على نفسها، على سلامتها، على استقرارها، أو بعبارة أدق: إنها تحرص على الرجل الذي يحرس لها بيتها وأثاث بيتها. ولكي تضمن هذا الاستقرار وهذا الأثاث، عاشت في عزلة، اعتزلت الناس، وشجعت الناس على أن يبقوا بعيدين عن زوجها وعن بيتها، ثم أخرجت أصدقاء الزوج واحدا واحدا. أرادت أن تبعد الناس عنها، فأبعدوها عنهم.
وكانت النتيجة أن تركت البيت عمة زوجها؛ لأن من الصعب أن تعيش في بيت تهتم فيه امرأتان برجل واحد - أي هي وزوجة كريج - وابنة أختها تركت البيت، وخادمتان الواحدة بعد الأخرى، ثم جاء دور الزوج فترك البيت. وبقيت زوجة كريج وحدها مع أثاثها، ولا ينقصها إلا الممول!
ولزوجة كريج عبارة تلخص فلسفتها في الحياة والزواج: إن حب الرجل لا يفيد كثيرا في تدبير العيش، وتقول: إنني حرصت على أن يكون زواجي سبيلا إلى تحرري.
وكل خلاف بينها وبين زوجها كان يشبه البرق الذي يكشف كل شيء في لحظة واحدة، يكشف الفارق بين الرجل وزوجته، بين المرأة التي يحرص عليها وبين المرأة التي تحرص على البيت؛ ولذلك تحرص على حامي حمى البيت.
ويكفي أن يدور هذا الحوار بين الرجل وزوجته لتعرف أي خلاف بينهما.
هي :
سترى أوراق الأزهار متناثرة في أرجاء المكان ... هذا فظيع.
هو :
بل سيكون ذلك أروع.
هي :
لا أعتقد أن هذا رأيك لو كان عليك كنس هذه الأوراق.
هو :
ولماذا أكنسها؟ إنني أحبها هكذا، ولا شيء أجمل من أوراق الأزهار مبعثرة على حشائش البستان.
وفي نهاية هذه المسرحية تتساقط أوراق الأزهار على الأرض، عندما يتساقط ستار المسرح. ولا يعيب هذه الأزهار وهي تسقط إلا عينا امرأة تنظران إليها باستنكار نظرة من يريد أن يكنسها، لا أن ينظر إليها بارتياح. إنها ليست نظرة الفنانة، وإنما هي نظرة «أمينة المتحف»، أو نظرة «صاحبة البيت»، لا «ست البيت»!
أشخاص المسرحية
مس أوستن
مسز هارولد
ميزي
مسز كريج
إيثل لاندرث
والتر كريج
مسز فريزير
بيلي بيركماير
جوزيف كاتل
هاري
يوجين فردريكس
الفصول الثلاثة في غرفة الاستقبال لأسرة كريج.
الفصل الأول
تقع حوادث المسرحية كلها بين منتصف الساعة السادسة في المساء والتاسعة من صباح اليوم التالي في حجرة الجلوس بمنزل مستر والتر كريج. وتدل هذه الحجرة - كما تدل جميع الحجرات الأخرى بالمنزل - على الذوق الرفيع والنظام البديع الذي تتميز به صاحبته، أثاث فخم ولكنه جاف مصنوع من الخشب الداكن الشديد اللمعان. وقد فرشت الأرض بالسجاد الفاخر ذي اللون الذهبي، وازينت الجدران بالأطلس المطرز الثمين، وكسي البيانو كما كسي النضد المستطيل الذي يتوسط الحجرة بغطاء كناري اللون. أما الستر التي تحجب المشربية التي تقع على اليسار، والنافذة المقوسة الخلفية المطلة على الدرج، فهي خضراء قاتمة الخضرة. ولهذه النافذة الخلفية مقعد جميل من بناء البيت، عليه حشايا رائعة. وعلى يمين الدرج مقعد آخر من البناء، ينحني منه حاجز السلم إلى أعلى. وعلى اليمين - إلى الخلف - ترى بابا متسعا يتعلق به ستار من المخمل البني اللون. ويشغل بقية الحجرة من ناحية اليمين رف للمدفأة مزركش، ومرآة مزخرفة، وموقد. وأمام الموقد مقعد جميل ذو ظهر مرتفع. وإلى يسار المقعد المتوسط مقعد كبير آخر. وإلى جوار البيانو كرسي صغير مزخرف. وإلى جانبي الحجرة مقعدان يواجهان الرائي. وبالحجرة كذلك مقعدان مستطيلان مزخرفان، أحدهما خلف النضد المتوسط مباشرة، والآخر أمامه. وبين النضد والمقعد الأمامي فسحة من المكان تسمح بالمرور بينهما. وإلى اليسار رواق زجاجي يفتح أحد بابيه على الحجرة، ويفتح الآخر على المدخل الأمامي للبيت. (تدخل مسز كريج وتبدو كأنها ترتدي لباسا أعد لهذه الحجرة خاصة، فهي تلبس رداء كاملا بني اللون على أحدث طراز، وخفا وجوارب بنية، وقبعة صغيرة من القطيفة البنية القاتمة، وتحمل حقيبة من الجلد البني اللون ومظلة من الحرير البني.) (وتهرع مس أوستن هابطة الدرج، وتنفذ خلال ستار الباب الأيمن. أما مسز هارولد فتدخل من الباب الأيسر، حاملة صحيفة المساء وقطعا من القماش لأطر التطريز، وتتقدم صوب النضد الوسيط.)
مسز هارولد (وقد وقفت في منتصف الطريق نحو النضد متطلعة صوب مس أوستن) :
هل تريدين شيئا يا مس أوستن؟
مس أوستن :
لا. شكرا يا عزيزتي. ولكني أبحث عن النموذج الذي أرسلت في طلبه منذ أيام؛ لأني أود أن أطلع عليه مسز فريزير.
مسز هارولد :
ارفعي غطاء نضد التطريز يا مس أوستن، فإني أعتقد أني رأيت به نموذجا ما هذا الصباح. (وتتابع سيرها نحو النضد الوسيط حيث تلقي عليه الصحيفة وقطع القماش.)
مس أوستن :
هذا هو. وجدته (يسمع صوت من ناحية اليمين)
كنت واثقة من أني تركته هنا في مكان ما (وتسرع خلال ستار الباب وتصعد الدرج) .
مسز هارولد (وقد تقدمت صوب الباب الأيسر) :
لقد أعطيت لميزي الورد الذي جاءت به كي تضعه في قليل من الماء.
مس أوستن :
أحقا فعلت ذلك؟ شكرا لك جزيلا.
مسز هارولد :
إنها سوف تحضر للورد إناء.
مس أوستن :
ما أجمله!
مسز هارولد :
نعم إنه رائع (وتخرج ثانية صوب باب الرواق، وتدخل ميزي من خلال ستار الباب تحمل إناء به زهر قرنفلي تضعه فوق الركن الأعلى للبيانو الفاخر الصغير الذي يقع على اليسار) .
ميزي (وهي تنادي مسز هارولد خلال النافذة الخلفية) :
هل وصلت الصحيفة يا مسز هارولد؟
مسز هارولد :
نعم، لقد أحضرتها الآن، وها هي ذي ملقاة فوق النضد. (تدور ميزي عائدة إلى النضد، وتلتقط الصحيفة، وتسير قدما وهي ترفعها وكأنها تريد أن تسمح لضوء النافذة اليمنى أن يسقط عليها.)
ميزي :
ستمطر ثانية في الغد.
مسز هارولد (وهي تجيبها من ناحية الباب الأمامي) :
وهل تنبئ الصحيفة بذلك؟
ميزي :
جو غير مستقر هذا المساء، ويوم الجمعة. وربما أرعدت وأمطرت رذاذا، يبرد الطقس قليلا. والرياح معتدلة.
مسز هارولد (وهي تدخل) :
لست أدري من أين تأتي جميع الأمطار.
ميزي :
ليس الطقس لطيفا بالنسبة لمسز كريج. أليس كذلك؟
مسز هارولد (وهي تتقدم صوب البيانو) :
إنك لا تعرفين، ربما كانت غير ممطرة في «أولبني». (تشم الزهور)
أليست هذه الزهور جميلة؟
ميزي :
نعم، إنها لجميلة.
مسز هارولد (وهي تعبر إلى أسفل الدرج) :
سمعتها تقول لمس أوستن إنها تملك أكثر من مائتي شجرة من أشجار الورد في حديقتها.
ميزي (تتلفت وتنظر إلى مسز هارولد) :
هل ما زالت في الدور الأعلى؟
مسز هارولد :
نعم، ويقيني أنها تتحدث إلى مس أوستن المسكينة حديثا قاتلا. (تضحك ميزي وتواصل قراءة الصحيفة، وتدير مسز هارولد عينيها في أرجاء الحجرة)
احملي هذه الصحيفة معك يا ميزي حينما تحضرين، ولا تتركيها ملقاة في هذا المكان.
ميزي :
سأفعل.
مسز هارولد (وهي تتقدم صوب الباب الأيمن وتطل إلى الخارج) :
لكأن السيدة تسير نحونا (تتلفت ميزي بغتة وتنظر إليها) .
ميزي :
هل تعنين مسز كريج؟
مسز هارولد :
ربما كانت هي. إنك لا تدرين.
ميزي :
أذكر أنك قلت إنها لن تعود قبل يوم السبت.
مسز هارولد (تعود إلى النضد وتلتقط قطع القماش) :
ذلك ما أخبرتني به عند انصرافها. غير أنه من الخير يا ميزي أن تحسبي حساب يوم أو يومين مقدما لامرأة مثل مسز كريج (تنفض تراب النضد بقطع القماش)
إذا عرفت وهي هناك أن دبوسا هنا في غير موضعه، استقلت أول قطار من أولبني (يصدر عن ميزي صوت دهشة وتواصل قراءة الصحيفة، وتتحرك مسز هارولد صوب الباب الأيمن)
أمثالها كثيرات، وقد عملت مع ثلاث منهن. وإن المرء ليحسب بيوتهن بيوت الإله العلي (وتذهب إلى الغرفة الأخرى) .
ميزي :
ألم تخبريني يا مسز هارولد أنك عملت بشارع ويلوز في وقت ما؟
مسز هارولد (وهي تنادي من الحجرة الأخرى) :
نعم، عملت هناك عامين لدى دكتور نكلسون.
ميزي :
وهل عرفت في ذلك الحي قوما باسم باسمور؟
مسز هارولد (تظهر بين ستائر الباب) :
باسم من؟
ميزي :
باسمور. ب... ...ا س... مور! مستر ج. فرجس باسمور وزوجه.
مسز هارولد (تتقدم من ناحية اليمين) :
لا، لست أذكر أحدا بهذا الاسم. لماذا؟
ميزي :
لا شيء، تقول الصحيفة إنهما وجدا قتيلين هذا الصباح ببيتهما بشارع ويلوز.
مسز هارولد :
رحمة الله عليهما، ماذا حدث لهما؟
ميزي :
تقول الصحيفة: «مشهد مأساة مزدوجة ببيت حديث بشارع ويلوز. جثة فرجس باسمور وزوجه المعروفين في حياة المدينة الاجتماعية. وجدا في المكتبة قتيلين بالرصاص. مسدس فارغ إلى جوار المدفأة. سبب الوفاة تحوطه الألغاز. البوليس يبحث عن شخصية سيد زائر شوهد منطلقا من المسكن في سيارة بعد منتصف الليل بقليل.» (ميزي تنظر في فزع إلى مسز هارولد وهي تهز رأسها في حزن شديد) «في نحو الثامنة من هذا الصباح، عندما دخلت مس سلمى كوتس الخادم الملونة غرفة المكتبة في بيت مستر ج. فرجس باسمور رقم 2214 بشارع ويلوز».
مسز هارولد :
هذا الرقم لا بد أن يكون قريبا من البحيرة. (جرس الباب الخارجي يدق بعنف)
انظري من القادم يا ميزي (تختفي مسز هارولد في الحجرة الأخرى وتسير ميزي صوب الباب الأيسر وهي تلقي بالصحيفة فوق النضد أثناء مسيرها) .
مسز كريج (عند مدخل الباب) :
نستطيع أن نترك هذه الأشياء هنا يا إيثل؛ فإن ميزي سوف تحضرها.
ميزي :
مرحبا بك يا مسز كريج.
مسز كريج :
أهلا يا ميزي.
ميزي (وهي تخرج) :
عدت قبل موعدك بقليل. (تدخل مسز هارولد خلال الستائر، وتتطلع صوب الباب الخارجي.)
مسز كريج :
نعم، بقليل. هلا حملت هذه الأشياء من فضلك!
ميزي :
نعم يا سيدتي . (تدرك مسز هارولد أن القادمة مسز كريج، وتلقي نظرة خاطفة في أرجاء الحجرة، وتختطف الصحيفة من فوق النضد. وبنظرة خاطفة أخرى وهي تتلفت يمينا صوب الباب الخارجي، تختفي في الحجرة الأخرى.)
مسز كريج :
وأرجو أن تتأكدي يا ميزي من أن ذلك المشبك مطبق فوق ستار الباب.
ميزي :
نعم يا سيدتي.
مسز كريج (تظهر في الداخل عند الباب) :
إنه كان مفتوحا إلى نصفه عندما دخلت. (تدخل الغرفة وتجول فيها بنظرة من عين ضيقة، ثم تسير صوب النضد كي تضع حقيبة يدها ومظلتها. أما إيثل فتتجول داخل الغرفة متابعة مسز كريج، ثم تقف عند الركن الأعلى للبيانو، ويغلق الباب الحاجز في الخارج)
خففي عنك ملابسك يا عزيزتي ثم اجلسي، فإنك تبدين متعبة. (وتتحرك نحو المرآة فوق رف الموقد على اليمين، وتلقي إيثل بحقيبة يدها على البيانو، ثم تشرع في خلع معطفها وقبعتها)
لا أحسب أن شيئا في هذه الدنيا أشق من ركوب القطار. (تدخل ميزي حاملة محفظة نسوية وحقيبة ملابس، وتتلفت مسز كريج)
تستطيعين أن تحملي هذه الأشياء رأسا إلى الطابق الأعلى يا ميزي.
ميزي :
سمعا وطاعة يا سيدتي.
مسز كريج (متجهة نحو إيثل) :
ضعي الحقيبة في الحجرة المنزوية. وسوف تشغل مس لاندرث تلك الغرفة في الأيام القليلة المقبلة.
ميزي (تصعد الدرج) :
سمعا وطاعة يا سيدتي.
مسز كريج (وهي تتناول قبعة إيثل ومعطفها وحقيبتها) :
سوف أحفظها يا عزيزتي.
إيثل :
شكرا لك.
مسز كريج :
سوف أطلب إلى ميزي أن تحملها فورا إلى غرفتك (تضعها بعناية فوق النضد، وتسير إيثل نحو المرآة، لتسوي شعرها) .
إيثل :
أعتقد أني أبدو مفزعة. أليس كذلك؟
مسز كريج :
كلا يا حبيبتي فأنت تبدين في هندام تام. هل تودين شرابا من نوع ما؟
إيثل :
نعم، أود شراب الماء، إذا كنت لا تعارضين. (تظهر مسز هارولد بين الستائر.)
مسز كريج :
أهلا بك يا مسز هارولد.
مسز هارولد :
لقد عدت.
مسز كريج :
هذه مسز هارولد يا إيثل.
إيثل :
كيف حالك (تنحني مسز هارولد، وتتجه إيثل مرة أخرى صوب الزهور فوق البيانو) .
مسز كريج :
سوف تقيم مس لاندرث معنا هنا أسبوعا أو أسبوعين يا مسز هارولد؛ ولذا فكم أود أن تتأكدي من أن كل شيء مرتب في تلك الحجرة المنزوية.
مسز هارولد :
حسنا، سوف أفعل. (تهبط ميزي الدرج.)
مسز كريج (تتحرك صوب المرآة، وتخلع معطفها) :
هلا أتيت بكوب ماء من فضلك يا مسز هارولد!
مسز هارولد :
سأفعل يا سيدتي، هل تريدين كوبا واحدا؟
مسز كريج :
نعم واحدا، فلست أريد لنفسي شيئا. (تخرج مسز هارولد مرة أخرى.)
إيثل :
أليست هذه الزهور جميلة؟ (ترفع مسز كريج عينيها عن ميزي وهي تجمع أمتعة إيثل من فوق النضد وتنظر نحو الزهور نظرة ثابتة)
لست أحسب أني رأيت طوال حياتي مثل هذه الزهور الرائعة.
مسز كريج :
نعم، ما ألطفها. احملي هذه الأشياء إلى الطابق الأعلى يا ميزي.
ميزي (تشرع في صعود الدرج) :
سأفعل يا سيدتي.
مسز كريج :
وأود أن تستعملي ذلك الطريق الخلفي وأنت تصعدين الدرج أو تهبطين منه يا ميزي.
ميزي (تهبط ثانية) :
إني أنسى ذلك دائما (تتلفت إيثل وتنظر إلى ميزي، أما مسز كريج فتضع معطفها فوق ذراع ميزي وهي تمر بها، وتتقدم لتلقي على الدرج نظرة فاحصة، وتخرج ميزي من ناحية اليمين) .
مسز كريج :
إن هذا الدرج سوف يعود إلى ما كان عليه ما دام كل امرئ يدوسه صعودا وهبوطا كل خمس دقائق. (وتتلفت إلى إيثل وكأنها تبتسم معتذرة، وتشرع في خلع قفازها)
يبدو أنه لا يطرأ لأحد في المنزل يا إيثل أن يستعمل الدرج الخلفي. وإن هذا لأعجب ما رأيت في حياتي. كأن ليس لدينا سلم خلفي. ومهما تعددت المرات التي يصعدون فيها الدرج أو يهبطون، فإنهم لا بد يدوسون هذا السلم الأمامي صعودا وهبوطا. وأنت تعلمين كيف يبدو السلم بعدما يداس بضع مرات في صعود أو هبوط. (تعود مسز هارولد ومعها كوب من الماء فوق صينية فضية صغيرة)
شكرا لك يا مسز هارولد.
إيثل (وهي تتناول صورة فوتوغرافية في إطار من فوق البيانو) :
أليست هذه صورة أمي يا خالتي هاريت؟ (تخرج مسز هارولد .)
مسز كريج (وهي تسير نحو إيثل) :
نعم، هي أمك.
إيثل :
إنها تشبهها إلى حد ما.
مسز كريج :
أخذت لها هذه الصورة عند ليكوود ذات صيف، وكنت دائما أعجب بها. إني أعجب بهذا الرداء، فكأنه دائما من الطراز الحديث.
إيثل (وقد شرعت تبكي) :
إن الصورة لا تشبهها اليوم كثيرا. أليس كذلك؟
مسز كريج (تعيد الصورة فوق البيانو) :
ينبغي أن تكفي عن البكاء يا عزيزتي إيثل؛ فلقد مر بأمك هذا الدور عينه عدة مرات من قبل.
إيثل (تجلس إلى جوار البيانو) :
ولكن ينبغي لي أن أكون هناك يا خالتي هاريت؛ فقد يحدث لها حادث.
مسز كريج :
لن يحدث لها شيء يا ابنتي العزيزة. وليس لدي أدنى شك في أن أمك سوف تتغلب على هذه الأزمة كما تغلبت على الأزمات الأخرى جميعا.
إيثل :
ولكني لا أعتقد أن الأزمات السابقة بلغت مثل هذه الخطورة.
مسز كريج :
أنصتي يا عزيزتي إيثل. لقد رأيت أمك ما لا يقل عن اثنتي عشرة مرة عندما كانت - في يقيني التام - على حافة الموت. وفي كل مرة كانت تخرج سليمة.
إيثل :
ولماذا إذن أرسل الدكتور وود في طلبي، إذا لم يكن الأمر خطيرا؟
مسز كريج :
لأن أمك طلبت إليه ذلك فيما أحسب يا عزيزتي. كما طلبت إليه أن يدعوني. ومحال أنه كان يعتقد أن الأمر جد خطير حينما أشار عليك بمرافقتي.
إيثل :
لم يشر بذلك الطبيب يا خالتي هاريت، إنما أشارت به ممرضة المساء. سمعتها تقول له ذلك، فقد ذكرت له أن أمي تضطرب كثيرا عندما تراني، وأني لو بقيت هناك لطلبت رؤيتي.
مسز كريج :
حقا ما تقولين يا عزيزتي، ولكنك تعلمين كيف بكت عند قدومك عليها. وليس هناك ما يؤذي القلب كالبكاء.
إيثل :
ولكن ينبغي أن أكون هناك. يتجسم لي الآن خطئي لأني انصرفت عن أمي وتركتها في هذه الحالة.
مسز كريج :
وماذا كان بوسعك أن تفعلي لو بقيت هناك يا عزيزتي؟
إيثل (في شيء من اليأس) :
كنت على الأقل أقف على ما يجري.
مسز كريج (تناولها كوب الماء ، وتضع ذراعها فوق كتفها) :
لا تزعجي نفسك يا إيثل. خذي جرعة من هذا الماء. إني على ثقة تامة بأنك تبالغين في خطورة حال أمك يا عزيزتي. وأؤكد لك أني ما كنت أتركها أنا نفسي لولا أني شهدت مثل هذه الحالة مرات ومرات (تلتفت وتضع الصورة الفوتوغرافية فوق البيانو) ، وليس هناك - فوق هذا - شيء واحد كنا نستطيع أن نفعله لو بقينا هناك؛ فإن أولئك الممرضات لن يسمحن لنا بذلك (تتناول الكوب من إيثل)،
ثم إن الطبيب قال إني أزعج أمك؛ لا لشيء إلا لأني ذكرت لها بضعة أشياء رأيت أنه ينبغي لها أن تعرفها (تتقدم نحو النضد وتضع الكوب) .
إيثل :
كان هناك أمر أردت أنا أيضا أن أخبرها به. غير أن الطبيب قال إنه يرى من الخير أن أتريث.
مسز كريج :
لو كنت مكانك لأنبأتها بالخبر دون أن أهتم!
إيثل :
إني الآن آسفة جدا لأني لم أفعل. وأعتقد أن ذلك كان فيه تخفيف على نفسها.
مسز كريج (تتناول المنديل من حقيبتها وتمسح الكوب) :
هل كان الخبر هاما؟
إيثل :
كان بشأن الأستاذ فردريكس في المدرسة. فقد التقت به أمي في العام الماضي هناك في حفل الافتتاح، وأعجبت به كثيرا. ولما عدنا إلى البيت قالت لي إنه لو وجه إلي حديثا ما فإنه يسرها لو أني أعجبت به إلى حد يدفعني إلى الزواج منه. وقالت إنها تكون بذلك أكثر اطمئنانا علي لو أن شيئا حدث لها. وأردت أن أخبرها.
مسز كريج :
تقصدين أنه فاتحك في أمر ما؟
إيثل :
أجل، فلقد طلب مني أن أتزوج منه بعد عيد الفصح مباشرة. غير أني لم أخاطب أمي في شيء من هذا، وآثرت أن أتريث حتى يونيو حينما تحضر بمناسبة بداية عامي الدراسي. حينئذ أخبرها بالأمر.
مسز كريج :
لست أدري لماذا تنزعج أمك على مستقبلك إلى هذا الحد يا إيثل؟ وأنت ما زلت في الحادية والعشرين.
إيثل :
قالت إنها تحب أن تشعر أن هناك من يسندني.
مسز كريج :
لماذا يحتاج المرء إلى آخر يا عزيزتي إذا كان لديه من المال ما يكفي لعيشه؟ (تلتفت وتتقدم نحو المرآة لتخلع قبعتها)
وفي الحق لن تكوني في عزلة مطلقة حتى إن وقع لأمك حادث. سأكون لك دائما؛ فأنا شقيقة أمك؛ ولذا فإني أراك يا إيثل فتاة حمقاء لو أنك سمحت لمخاوف أمنا بالتعجيل بزواجك.
إيثل :
إنها لم ترد أن تعجل بزواجي، إنما قالت إنها ترى من الخير لي أن أستقر.
مسز كريج (تعيد قبعتها إلى النضد وتأخذ من حقيبتها نفحة من مسحوق البودرة) :
إني بطبيعة الحال أستطيع أن أدرك ذلك. غير أن مجرد الاستقرار ليس كل ما في الأمر يا إيثل؛ فالفتاة قد تكون باستقرارها أسوأ حالا بكثير منها وهي غير مستقرة. وأنا شخصيا لا أستطيع أن أتصورني أسوأ حالا مني لو تزوجت من أستاذ في كلية منعزلة في مكان مرعب مثل بوكيبسي أو نورثامبتن. وليس لدي فلس أرفه به عن نفسي؛ اللهم إلا إن أنفقت من مالي الخاص. إني كثيرا ما أطلع في الصحف على شكاوى بشأن ضآلة رواتب أساتذة الكليات. وزواجك من أحدهم لن يحسن الحال (تقذف الحقيبة على النضد ثانية، وتتقدم نحو مقعد مزخرف صغير أمام النضد الوسيط).
وهل قبلت هذا الرجل عندما عرض عليك الزواج؟
إيثل :
نعم، من الناحية العملية؛ بل وفكرنا في الزواج خلال الصيف.
مسز كريج :
إذن فأنت تقصدين أنك مخطوبة له؟
إيثل :
نعم، وكنت أعرف أن أمي تعجب به؛ لأنها ذكرت لي ذلك. ولم يشغلها إلا أنها كانت تودني أن أتأكد من حبي له.
مسز كريج :
كل هذا جميل جدا يا إيثل، غير أن مجرد حب الرجل لن يعين كثيرا في تدبير العيش. أليس كذلك؟
إيثل :
نعم، ولكن لدي مالي الخاص يا خالتي هاريت.
مسز كريج :
أعرف ذلك يا طفلتي الصغيرة، ولكنه بالتأكيد لا يطلب الزواج منك لأجل هذا.
إيثل :
لا، بالطبع لا. إنه لا يدري من أمر ذلك شيئا.
مسز كريج :
أتعشم ذلك؛ فإن الرجل عندما يتزوج من الفتاة يتوقع بالتأكيد أن ينفق عليها على الأقل.
إيثل :
وهو فعلا يتوقع أن ينفق علي بطبيعة الحال.
مسز كريج :
وكيف يكون ذلك يا عزيزتي؟ من مرتب الأستاذ؟!
إيثل :
ولم لا؟ إن كثيرا من الأساتذة متزوجون يا خالتي هاريت.
مسز كريج :
ولكن زوجاتهم لا يعشن على المستوى الذي ألفته يا إيثل. زوجات الأساتذة الشبان على الأقل. وأعتقد أن هذا الرجل شاب. أليس كذلك؟
إيثل :
هو في السابعة والعشرين.
مسز كريج :
إذن فقد صدق حدسي. فهو محظوظ لو كان يتقاضى مائتي دولار في الشهر، اللهم إلا إن كان من الأساتذة النادرين، ويستبعد أن يكون منهم وهو في السابعة والعشرين من عمره.
إيثل :
هو أستاذ في اللغات اللاتينية.
مسز كريج :
طبعا، وأعتقد أنه قال لك إنه يحبك بكل لغة من هذه اللغات.
إيثل :
إني بالتأكيد ما كنت لأفكر البتة في الزواج يا خالتي هاريت لولا أني على الأقل أحب الرجل. (مسز كريج تبتسم ابتسامة خفيفة تنم عن السخرية وتتقدم نحو إيثل.)
مسز كريج :
هذا شأن سنك يا عزيزتي إيثل. أكثر الفتيات يمر بهن هذا الدور، وهو ما يسمونه شرك الخيال. وقل من الفتيات من يخرجن منه فائزات.
إيثل :
ولكنك أنت تزوجت يا خالتي هاريت.
مسز كريج (تستند إلى ظهر مقعدها) :
ولكني لم أتزوج بأي وهم يا عزيزتي. ولقد حرصت على أن يكون زواجي سبيلا إلى تحرري، ولم تكن عندي ثروة خاصة مثلك يا إيثل، ولم يكن لدي إعداد خاص، باستثناء بضع نظريات جامعية. فلم أجد سبيلا لاستقلالي سوى الرجل الذي تزوجت منه. وإني أعلم أن هذه النظرة لا بد من أن تبدو لك ممعنة في المادية بعدما استمعت إلى أستاذ اللغات اللاتينية، ولكنها في الحق ليست كذلك؛ لأني لا أحدثك خاصة عن الاستقلال المالي؛ فقد كنت أدرك أن ذلك لا بد أن يتحقق؛ نتيجة لنوع آخر من الاستقلال، وهو استقلال النفوذ على الرجل الذي أتزوج منه. ولا يترتب على ذلك حتما أي مسلك من مسالك الخيانة إزاء ذلك الرجل. فإني أقدر مستر كريج كل التقدير؛ فهو رجل طيب جدا، ولكنه زوج فهو سيد، هو سيدي. وقد تزوجت لكي أستقل.
إيثل :
هل تقصدين أن تستقلي عن زوجك أيضا؟
مسز كريج :
أستقل عن كل إنسان. لقد عشت يا إيثل مع زوجة أبي قرابة اثني عشر عاما، ومع أمك بعد زواجها ما يزيد على خمس سنوات. فأنا أدرك تمام الإدراك كيف يعيش المرء في بيت غيره. ولقد تزوجت لأكون في بيتي، بكل ما في هذه الكلمة من معنى. ولم أحقق هذا الشرط بعد كل التحقيق، ولكني أعلم أنه ممكن التحقيق (تلتفت وتلقي على الدرج نظرة وعلى الخارج خلال ستار الباب نظرة أخرى؛ لكي تتأكد من أن أحدا لا يصغي إليها) .
إيثل :
لست أفهم ما تعنين تماما يا خالتي هاريت.
مسز كريج (تلتفت إلى إيثل مرة أخرى) :
أقصد أني إنما أستخلص نصيبي في المساومة. أراد مستر كريج لنفسه زوجا وبيتا، وظفر. ويستطيع أن يثق فيهما كل الثقة؛ لأن الزوجة التي ظفر بها هي من النوع الذي يعتبر زوجه وبيته من الظروف التي لا مناص للمرء منها إلى حد كبير. ونصيبي في المساومة الأمن والحماية اللذان تقتضيهما هذه الظروف. وبهما ظفرت. غير أني - خلافا لمستر كريج - لا أستطيع أن أثق فيهما كل الثقة؛ لأني أعلم أنهما - إلى حد كبير - تحت رحمة ما ينتاب الرجل من أهواء. وأظنني أفكر تفكيرا عمليا، فلا أرى في ذلك ضمانا كافيا لدوامهما. وكان لا بد لي من أن أومن بدوامهما لي.
إيثل :
وكيف يكون ذلك؟
مسز كريج :
ذلك بأن أمسك بين يدي بزمام الرجل.
إيثل :
وكيف تفعلين ذلك يا خالتي هاريت؟
مسز كريج (تتقدم نحوها) :
ألم تدفعي مستر فردريكس أبدا لأن يقوم بعمل أردت له أن يؤديه؟
إيثل :
نعم، ولكني كنت دائما أقول له إني أرغب في أن يقوم بهذا العمل.
مسز كريج (وهي تجلس على ذراع الكرسي الكبير نصف جلسة) :
ولكن هناك من الأمور ما لا يمكن أن يذكر للرجال. إنهم لا يدركونها. والخياليون منهم خاصة. والمستر كريج رجل مثالي أصيل.
إيثل :
ولكن، هبي أنه كشف الأمر فيما بعد؟
مسز كريج :
ماذا يكشف؟
إيثل :
ما خبرتني به منذ لحظة، أنك تودين أن تفرضي عليه سلطانك.
مسز كريج :
هذا شيء لا يمكن أن يقوم عليه الدليل. أليس كذلك؟ أريد أن أقول إنه ليس بالشيء الذي يقوم المرء بفعله أو بالتعبير عنه في أمر بعينه؛ إنما هو أمر تفسير. وفي هذا يتفوق النساء على الرجال تفوقا ساحقا. وقل من الرجال من يستطيع أن يفسره تفسير النساء (تضحك قليلا، وتتقدم نحو إيثل).
أعرف أنك ترثين في ضميرك لانعدام النبل في نفسي.
إيثل :
لا، أنا لا أرثي لك البتة يا خالتي هاريت.
مسز كريج :
لا، بل ترثين. وأنا ألمح ذلك في وجهك (وتتقدم صوب النضد).
إنك تعتقدين أني امرأة خسيسة.
إيثل :
لا، إني لا أعتقد شيئا من هذا.
مسز كريج (متلفتة) :
إذن فماذا تعتقدين؟
إيثل :
لست أرى - صراحة يا خالتي هاريت - أن في ذلك تمام الإخلاص.
مسز كريج :
ولكنه آمن جدا يا عزيزتي لكل إنسان. فإذا كانت المرأة - كما قلت - من النوع الصحيح، فخير لها أن تكون مصائر بيتها بين يديها من أن تكون بين يدي أي رجل (تظهر مسز هارولد بين الستائر).
هل تريدين مقابلتي في أمر من الأمور يا مسز هارولد؟
مسز هارولد :
لا بأس من ذلك بعد برهة يا مسز كريج؛ فلقد حسبت أن الشابة صعدت إلى الطابق الأعلى.
مسز كريج :
لا، إنها لم تفعل بعد، وستصعد فورا (تلتفت إلى إيثل).
هذا ما أريدك أن تفعلي يا إيثل، اصعدي إلى الطابق الأعلى وارقدي ساعة أو بعض ساعة، فسوف تشعرين بتحسن كبير. وسوف أدعوك في وقت العشاء.
إيثل (تنهض وتتقدم صوب الدرج) :
لا أعتقد أني أستطيع أن أتناول عشاء يا خالتي هاريت.
مسز كريج (تقود إيثل نحو الدرج) :
قد يتغير إحساسك كثيرا بعدما تنالين قسطا من الراحة.
إيثل :
إني منزعجة انزعاجا شديدا يا خالتي هاريت.
مسز كريج :
أعرف ذلك يا طفلتي العزيزة. إنه أمر شاق، ولكنه - فيما أعتقد - من الأمور التي لا مناص لنا من مجابهتها. ثم إن الانزعاج لا يمكن أن يكون لها عونا يا عزيزتي (تسير مسز كريج مع إيثل حتى مبدأ الدرج، وتواصل إيثل الصعود) .
إيثل :
ولكن كيف أستطيع أن أتحاشى الهموم؟
مسز كريج :
إنك لا تستطيعين بطبيعة الحال يا عزيزتي. ومن أجل هذا أريدك أن ترقدي برهة من الوقت؛ وسوف أصعد بعد دقائق، بمجرد ما أنتهي من مباشرة بعض الأمور هنا. إنها الغرفة التي تجدينها في مؤخرة الردهة على اليمين، وأرجح أن تجدي ميزي هناك الآن، ولا تزعجي نفسك يا عزيزتي (تختفي إيثل عند أعلى الدرج، وتحدق مسز كريج في مبدأ الدرج لعلها تكتشف به خدوشا جديدة، وتدخل مسز هارولد من ناحية اليمين):
في أي شأن من الشئون أردت مقابلتي يا مسز هارولد؟ (تهبط إلى الغرفة مرة أخرى.)
مسز هارولد :
أردت أن أخبرك يا مسز كريج بأن الطاهية انصرفت يوم الخميس. ذهبت ولم تعد.
مسز كريج :
هل تقاضت أجرها؟
مسز هارولد :
أعطيتها ما تستحق حتى يوم الثلاثاء.
مسز كريج :
وهل حملت معها متاعها؟
مسز هارولد :
لم يكن لديها سوى حقيبة ملابسها وراديو، حملتهما معها. غير أن ذلك لم يعنني لأنها اعتادت أن تحملهما كل خميس.
مسز كريج (متقدمة) :
وهل قمت أنت بالطهو يا مسز هارولد من ذلك الحين؟
مسز هارولد :
نعم، وقد قسمنا العمل بيننا. ف«ميزي» طاهية بارعة، واتصلت بوكالة كامك يوم السبت لكي ترسل إلينا خادمة. غير أن مس هيولت قالت إنها تريد مقابلتك أولا (تنظر إليها مسز كريج)،
فهي تقول إنها أرسلت الكثيرات من قبل. وتود أن تعرف حقيقة الأمر قبل أن ترسل أخريات.
مسز كريج (تتقدم نحو البيانو) :
يجب أن يطهو لها بعضهن؛ عندئذ تعرف حقيقة الأمر. من أين هذه الزهور يا مسز هارولد؟
مسز هارولد :
جاءت بها لمس أوستن هذه المرأة التي تقيم عبر الشارع.
مسز كريج :
تعنين مسز فريزير؟
مسز هارولد :
نعم يا سيدتي. أتت بها حتى مدخل الباب، وكانت مس أوستن جالسة هناك تحوك بعض الملابس.
مسز كريج :
يحسن أن تبعديها من هذا المكان يا مسز هارولد، فإن أوراقها ستنتشر في أرجاء الغرفة (تتقدم مسز هارولد نحو الزهور، وتشغل مسز كريج نفسها بالستر التي تحجب المشربية التي تقع خلف البيانو) .
مسز هارولد :
إنك لم تتغيبي بقدر ما ظننت. أليس كذلك؟
مسز كريج :
أعتقد أني كنت أستطيع أن أتغيب إلى ما لا نهاية لو استرسلت في العاطفة. غير أني لا أصبر كثيرا مع المرضى يا مسز هارولد.
مسز هارولد (تتناول الزهور) :
أعتقد أنه لولا تنوع الشخصيات ما كانت الدنيا.
مسز كريج :
أعتقد ذلك.
مسز هارولد (تتوقف ثم تلتفت إلى اليمين) :
أين تريدينني أن أضع هذه الزهور يا مسز كريج؟
مسز كريج :
لا يعنيني أين تضعينها يا مسز هارولد طالما كانت بعيدة عن الغرف، فلست أحب أن ألتقط الأوراق كل دقيقتين.
مسز هارولد :
ربما تحب مس أوستن أن تكون الزهور في غرفتها.
مسز كريج (تنحني لتفحص المكان الذي كان به إناء الزهر) :
ربما أحبت ذلك. تستطيعين سؤالها. هل هي الآن في الدور العلوي؟
مسز هارولد :
نعم يا سيدتي، ومسز فريزير تطلعها على شيء بشأن النموذج الذي لديها. (تلتفت مسز كريج بغتة وتنظر إليها.)
مسز كريج :
هل تريدين أن تنبئيني بأن مسز فريزير في الطابق الأعلى يا مسز هارولد؟
مسز هارولد :
نعم يا سيدتي، إنها هناك.
مسز كريج :
وكيف صعدت إلى هناك؟
مسز هارولد :
لست أدري أكيدا يا مسز كريج، ما لم تكن مس أوستن قد طلبت إليها ذلك.
مسز كريج :
حسنا (وتتقدم نحو أسفل الدرج وتتطلع إلى أعلى، وتخرج مسز هارولد خلال الستائر) . ألم ترد لي خطابات أو رسائل يا مسز هارولد أثناء غيبتي؟
مسز هارولد :
نعم، ورد إليك خطابان تركتهما في غرفتك (وتعود إلى الغرفة مرة أخرى).
وصل أحدهما هذا الصباح والآخر يوم الثلاثاء. وجاء رجل يسأل عن مستر كريج في الليلة الماضية حول الساعة الثامنة، ولكنه انصرف. وأعطيته رقم التليفون الذي أعطاني إياه مستر كريج لو سأل عنه سائل.
مسز كريج :
ومن كان الرجل؟ هل عرفت اسمه؟
مسز هارولد :
نعم يا سيدتي. قال إن اسمه بركماير.
مسز كريج :
وهل تعرفين أنه استطاع الاتصال بمستر كريج؟
مسز هارولد :
نعم يا سيدتي. لقد اتصل به؛ لأني عندما أخبرت مستر كريج هذا الصباح بزيارته قال إن الأمر سار على ما يرام، وأنه تحدث إليه في المساء الماضي (مسز كريج تطأطئ رأسها وتتحرك نحو النضد الوسيط)،
ثم عاود مجيئه اليوم بعد الظهر في نحو الرابعة والنصف (مسز كريج تتلفت وتنظر إليها) .
مسز كريج :
هل عاد مستر بركماير؟
مسز هارولد :
نعم يا سيدتي، وقال إنه يريد أن يتصل به مستر كريج عند قدومه مباشرة.
مسز كريج :
ما هو الرقم الذي أعطاك إياه مستر كريج في الليلة الماضية يا مسز هارولد ليتصل به فيه مستر بركماير؟
مسز هارولد :
لفرنج 3100 وسجلته على قصاصة من الورق حتى لا أنساه.
مسز كريج :
حسنا يا مسز هارولد، سوف أخبره عند قدومه (تخرج مسز هارولد).
هات إناء آخر لهذه الزهور يا مسز هارولد قبل أن تحمليها إلى أعلى.
مسز هارولد :
حسنا، سأفعل.
مسز كريج :
هذا الإناء يخص هذا الطابق (تقف وتفكر برهة في هدوء وتلقي نظرة فوق الدرج تتابع بها مسز هارولد، ثم تتقدم نحو التليفون وتطلب رقما ما. ميزي تهبط الدرج).
ميزي :
أرسلتني مس لاندرث إلى هنا من أجل حقيبتها.
مسز كريج :
ها هي ذي على النضد (تلتقط ميزي الحقيبة من فوق النضد وتسير نحو الدرج ثانية. وتنظر إليها مسز كريج في ثبات، وتوشك أن تتكلم حينما تثوب ميزي إلى رشدها فتعود وتخترق ستار الباب).
خذي هذا الكوب أيضا يا ميزي.
ميزي :
سأفعل يا سيدتي (تعود وتتناول الكوب) .
مسز كريج (في التليفون) :
الاستعلامات؟ هل يمكن أن تدلوني على عنوان رقم التليفون لفرنج 3100؟ لا يمكن؟ لا بأس، ولا يهم، وشكرا كثيرا لكم (تتردد ثم تتقدم مفكرة. وحينئذ يحدث الباب الحاجز صوتا ويدخل مستر كريج نشطا، لابسا قبعة بنما وحاملا صحيفة) .
كريج :
عجبا، من تكون هنا، مشرقة باسمة! (يتقدم، ويخلع قبعته، وتسير نحوه.)
مسز كريج :
تكاد أن تصل في إثري.
كريج :
كيف حدث هذا (يقبلها مشتاقا)
متى أتيت يا هاريت؟
مسز كريج (تأخذ منه قبعته وصحيفته وتضعهما فوق النضد ) :
منذ لحظات. تركت أولبني ظهرا.
كريج (يقذف بقفازه فوق البيانو) :
وكيف لم تبرقي، أو تفعلي شيئا من هذا؟
مسز كريج (تلتقط قفازه من فوق النضد وتبسط أصابعه) :
أصدقك القول إني لم أفكر في شيء من هذا؛ فلقد كانت هناك واجبات عديدة لا بد من أدائها. هناك جمع حاجات إيثل، وغير ذلك.
كريج :
وهل كانت إيثل هناك؟
مسز كريج :
نعم، أصرت إستل على استدعائها يوم السبت الماضي. وأقسم بحياتي أني لا أدري لماذا أصرت على هذا؛ لأن ذلك أزعجها إزعاجا شديدا، ولذا رأى الطبيب أن من الخير إقصاء إيثل عن ناظرها بضعة أيام، ومن ثم عدت بها إلى هنا، وهي الآن ترقد في الطابق الأعلى.
كريج :
وكيف حال إستل؟
مسز كريج :
لم أر بها شيئا غير عادي. غير أنك لو اطلعت على خطابها لظننت أنها تشرف على الموت؛ فكان علي أن أخرج وأبتعد عن بيتي أسبوعا كاملا وأنطلق مسرعة إلى أولبني.
كريج :
هل عندها ممرضة خبيرة؟
مسز كريج (تتناول قبعته من فوق النضد) :
عندها اثنتان منذ أكثر من ستة أسابيع، ولكنك تعرف من هن الممرضات الخبيرات.
كريج :
يؤسفني أن أسمع أن إستل في مثل هذه الحالة السيئة.
مسز كريج (تناوله قبعته) :
خذ هذه يا والتر.
كريج (يردها بين ذراعيه) :
إني سعيد بعودتك.
مسز كريج (تضحك ضحكة خفيفة) :
دع عنك هذا يا والتر.
كريج :
يخيل لي أنك غبت عني شهرا لا أسبوعا (يقبل جانب رأسها).
مسز كريج :
لا تهشم عظامي يا والتر!
كريج :
ذلك ما أحسب أني أود أن أفعله أحيانا.
مسز كريج (ضاحكة) :
خل عنك هذا (يطلقها، وتستقيم في وقفتها، وتلمس شعرها).
كفى، خذ هذه القبعة وضعها خارج الغرفة حيث ينبغي أن تكون (يتناول القبعة ويسير حذاءها متجها نحو ستار الباب)،
وخذ هذه الصحيفة من هنا أيضا. ينبغي أن تكون هذه الغرفة مثالا للأناقة (يعود ليتناول الصحيفة، ثم يخرج إلى الغرفة الأخرى).
ومن الإساءة لصاحبة عمتك أن تشهد هذه الفوضى.
كريج (من الغرفة الأخرى) :
وهل لدى عمتي أوستن إحدى صاحباتها؟
مسز كريج (تتحرك نحو المقعد المزخرف الذي يقع على يمين السلم لترتب وساداته) :
هذا ما أنبأتني به مسز هارولد. وهي معها في الطابق الأعلى.
كريج (يعود ويسير مباشرة نحو المشربية على اليسار) :
ومن تكون؟
مسز كريج :
صاحبة الزهور التي تقطن عبر هذا الطريق.
كريج :
مسز فريزير؟
مسز كريج :
نعم، وقد أصبحت اجتماعية إلى حد بعيد.
كريج :
لديها بالتأكيد بعض الزهور الجميلة هناك. أليس كذلك؟
مسز كريج :
لا بد أن يكون ذلك؛ إذ ليس لديها ما تعمله سوى العناية بها.
كريج :
إن لهذا النوع من الزهور الذي أراه في ذلك الركن أثرا طيبا. أليس كذلك؟
مسز كريج :
انتظر حتى تراه بعد أسبوع من الآن.
كريج (ملتفتا نحوها) :
لماذا؟
مسز كريج :
سترى أوراق الزهور متناثرة في أرجاء المكان.
كريج :
سيكون ذلك أروع مما هي الآن.
مسز كريج :
لا أحسبك تعتقد ذلك لو كان عليك كنسها.
كريج (يخرج بعض الأوراق من جيبه الداخلي، ويتقدم نحو المقعد المجاور للبيانو) :
إني لا أحبذ كنسها (يصدر عن مسز كريج صوت يدل على السرور العظيم)،
ولا أتصور شيئا أجمل من أوراق الزهر مبعثرة فوق حشائش البستان (ثم يجلس) .
مسز كريج (تشد المقعد الكبير أمام الموقد) :
ليكون لك مشهد جميل فيما أعتقد.
كريج :
إني لأعجب كيف لم تحضر بعضا من هذه الزهور معها لعمتي أوستن.
مسز كريج :
أظن أن لديها من العقل ما يكفي لأن تدرك أننا لو كنا نريد الزهر لزرعناه (تسير نحوه إزاء النضد الوسيط، وهي تلقي بنظرة نحو رأس السلم).
أنصت. إنها قد تهبط إلى هنا في أية لحظة يا والتر. ولو كنت موضعك ما جلست مكانك عند مقدمها؛ لأنها لو رأتك ما استطعت الفرار منها حتى تروي لك قصتها برمتها، وقد نجوت منها مرتين (تجمع أشياءها من فوق النضد) .
كريج :
تحدثت إليها مرتين في طريقي من مخزن السيارات.
مسز كريج :
تقصد أنها تحدثت إليك.
كريج :
لا، كانت هناك تثبت الزهور حينما مررت بها.
مسز كريج :
بالطبع كانت هناك؛ فهي أكثر الوقت في ذاك المكان (تتحرك نحوه وتأخذ في الإسرار)،
وما يضحك من الأمر يا والتر أنها - فيما أعتقد - لا تدرك أن الناس يعلمون حق العلم لماذا تفعل ذلك. والواقع أني ما عرفت في حياتي أمرا أشد من هذا وضوحا.
كريج :
ولماذا تفعل ذلك في رأيك؟
مسز كريج :
تسألني لماذا تفعل ذلك في رأيي؟
كريج :
نعم. (تضحك ويبدو عليها شيء من القلق المشوب بالسلوى.)
مسز كريج :
قل لي يا والتر، لماذا تسير بعض النسوة دائما وفي يد الواحدة منهن طفل أو كلب في رباط؛ ذلك لكي ييسرن الاقتراب منهن (تعود إلى النضد وتضع القفاز في حقيبتها، ويجلس كريج ناظرا إليها في حيرة)،
ولكن السيدة التي في الطابق الأعلى تستعمل الزهور؛ ولذا فإني - حقا - لو كنت موضعك يا والتر ما جلست مكانك عند قدومها؛ فأنت تعلم أن في الاقتراب خطرا.
كريج (يعود إلى خطاباته) :
أعتقد أنها لو أرادت الرجال لظفرت بالكثير منهم.
مسز كريج :
ربما لم تستطع أن تظفر بالنوع الذي تريد. وقد تكون أنت واحدا من هذا النوع (ينظر إليها ضاحكا)،
وهذه الزيارة الخاطفة هذا المساء محملة بالأزهار قد تكون بداية الهجوم في حملة محكمة التدبير.
كريج :
هل قلت إنها أتت ببعض الزهور هذا المساء؟
مسز كريج :
قلت «محكمة التدبير»، وأعتقد أنك ذكرت لي أنك وقفت عدة مرات تتحدث إليها.
كريج :
وقفت مرتين في الواقع.
مسز كريج :
وأعجبت بزهورها؟
كريج :
لم تكن هناك أمور أخرى نتحدث فيها.
مسز كريج :
طبعا لم تكن هناك أمور أخرى. وذلك هو ما يهم، ولو لم تكن هناك زهور لما كان هناك البتة موضوع للحديث، ولما توقفت لتتحدث (تنظر إليه نظرة مباشرة وتبتسم).
أما وقد فعلت، فالأرجح أنها تتوقع أنك ربما أحببت الزهور وأنك قد تعدها شارة صغيرة لطيفة لو أنها جاءت إليك - أقصد عمتك - بقليل منها ساعة ما، حينما تكون زوجتك خارج المدينة.
كريج (يتكئ على البيانو وينظر إلى خطاباته) :
ماذا تريدين أن تقولي؟ أتسخرين مني يا هاريت؟
مسز كريج :
لا شيء من ذلك إطلاقا، لا تتكئ على ذلك البيانو بهذه الطريقة يا والترو؛ فقد تخدشه.
كريج :
إن سترتي لن تخدشه.
مسز كريج (تعبر الحجرة مسرعة) :
ربما كان في جيبك ما يخدشه (تدفعه بعيدا عن البيانو).
اجلس (وتضربه على ظهره ضربة خفيفة).
اجلس هناك (تشير إلى المقعد الكبير على يسار النضد الوسيط، وينهض الرجل بروح طيب ويسير نحوه. وتشغل هي نفسها بفحص البقعة من البيانو التي اتكأ عليها، وتسوي غطاء البيانو في عناية) .
كريج :
نعم يا سيدتي، أظن أن ذلك ما تحاولين أن تفعلي، أن تسخري مني.
مسز كريج :
وهل تظن أن ما ذكرت لك لا يحتمل البتة حدوثه؟
كريج :
كلا، إنه ليس بعيد الاحتمال، وإنما هو أمر يثير الضحك.
مسز كريج (تعود إلى النضد وتجمع كل أشيائها) :
كانت الزهور على البيانو عندما جئت.
كريج :
لو كان الأمر كذلك فقد كانت لعمتي أوستن.
مسز كريج :
ربما كانت لها. ومهما يكن من أمر فقد أرسلتها إلى غرفتها حتى إن مسز فريزير ربما ظنت أني حسبت الزهور لعمتي أوستن (تسير نحو ستار الباب ناحية اليمين، ويتابعها بالنظر ثم يضحك، وتتلفت وتنظر إليه).
ماذا يضحكك؟
كريج :
أنت!
مسز كريج :
أحقا ذلك؟
كريج :
أنت جد مسلية هذا المساء.
مسز كريج (تتقدم إلى يمين النضد) :
وأنا أعتقد أنك مستهتر قليلا يا والتر. وأنت جالس مكانك تفتن الفاتنة.
كريج :
أعتقد أنك بدأت تغارين علي يا هاريت.
مسز كريج (في لهو) :
أبدا يا بني العزيز. إنما أنا أرتاب في المطلقات الثريات متوسطات العمر اللائي يتخصصن في أزهار الطريق (تتكئ على مظلتها) .
كريج :
مسز فريزير ليست مطلقة.
مسز كريج :
أصحيح هذا؟
كريج :
نعم، وقد قتل زوجها في حادث سيارة في عام 1936م، وأخبرتني بذلك هي نفسها. وكانت مع زوجها في السيارة.
مسز كريج :
وكيف حدث أنها لم تقتل؟
كريج :
وهل لا بد أن يموت كل إنسان في حوادث السيارات؟
مسز كريج :
لا! وهناك دائما الحرب العالمية، للأزواج المفقودين. إنك شاب صريح جدا يا والتر. وإني آسفة لأن ذهنك لا يفكر أسرع من ذلك ولو قليلا.
كريج :
ولكن ذهني يفكر تفكيرا سليما جدا، حينما يدرك الموضوع.
مسز كريج (تقف إلى جوار الباب) :
هذه ميزة صغرى إذا كان الموضوع يتعين قبل أن تدركه.
كريج :
هل تعرفين أني أود لو استطعت أن أرى ما يدور برأسك هذا المساء؟
مسز كريج :
لو استطعت فإني أعتقد أنك سوف تجد في رأسي شيئا شبيها جدا بما يدور في رءوس أكثر جيراننا في هذه الأيام.
كريج :
وماذا تقصدين من ذلك؟
مسز كريج :
إن لهم عيونا يا والتر، وهم يستعملونها. وأود أن تستعمل أنت أيضا عينيك. وأود كذلك أن تخبرني لمن يكون التليفون رقم لفرنج 3100.
كريج :
إنه لفرجس باسمور. لماذا؟
مسز كريج :
لا شيء، إنما كنت أتعجب لأن مسز هارولد أنبأتني أنك أعطيتها هذا الرقم في الليلة الماضية تطلبك فيه إن سأل عنك سائل. وكنت أتساءل أين يكون هذا الرقم؟
كريج :
إنه رقم فرجس باسمور. كنت ألعب الورق هناك في الليلة الماضية. التقيت به مصادفة بالأمس أمام الفيرست ناشونال، وطلب إلي أن أرافقه في الليلة الماضية لألاعبه قليلا من البوكر.
مسز كريج (تتقدم قليلا) :
وفيم كان يريدك بلي بيركماير؟
كريج :
لماذا؟ إنه ...
مسز كريج :
ذكرت لي مسز هارولد أنه سأل عنك.
كريج :
نعم، طلب إلي فرجس أن أبحث عنه أيضا وآتي به إلى هناك، وقد فعلت. غير أنه سأل عني فيما بعد ليخبرني بأن أباه عاد لتوه من سنت بول، وأنه لا يستطيع أن يحضر، ولم أكن هنا عندما جاء يسأل عني؛ ولذا تحدثت إليه من هناك.
مسز كريج :
أتعشم ألا تنساق إلى لعب الورق مرة أخرى يا والتر.
كريج :
لماذا؟ إنني لم أتخل قط عن لعب الورق.
مسز كريج :
ولكنك لم تلعب فيما يقرب من عام.
كريج :
أظن أن ذلك يرجع إلى أنك لا تلعبين. وأكثر أصحابي يعرفون ذلك؛ ومن أجل هذا لا يطلبون إلي مشاركتهم في اللعب. ولا أعتقد أن فرجس كان يطلب إلي ذلك بالأمس لولا أني ذكرت عفوا أنك غائبة.
مسز كريج :
وهل كانت زوجته هناك؟
كريج :
كانت هناك لفترة ما، ولكنها لم تلعب؛ إذ كان لا بد لها أن تخرج إلى مكان ما.
مسز كريج :
وأعتقد أن فرجس - من أجل هذا - طلب إليك أن تلعب. أليس كذلك؟
كريج :
ماذا تعنين؟
مسز كريج :
أنت تعرف كيف كان يغار عليها إلى حد الجنون.
كريج :
وأنا واثق من أنه لم يغر مني قط.
مسز كريج :
كان يغار من كل إنسان كما بدا لي.
كريج :
كفى سخفا يا هاريت.
مسز كريج :
إنك لن تدرك غيرته يا والتر حتى إن كان غيورا.
كريج :
يسرني ألا أدرك ذلك.
مسز كريج :
سوف يتبين لك ذلك. وأراهن أن بلي بيركماير تحاشى اجتماعكم من أجل هذا، وأراهن أيضا أنه إنما جاء إليك لينبئك بهذا.
كريج :
إنه لم يأت إلي لينبئني بشيء من هذا يا هاريت، إنما جاء ليذكر لي أن أباه وصل على غير انتظار منه.
مسز كريج :
لا أقصد الليلة الماضية، إنما أقصد عندما جاءك اليوم.
كريج :
إنه لم يأت اليوم.
مسز كريج :
بل أتى هذا المساء قرابة الساعة الرابعة بعد الظهر.
كريج :
إلى هنا؟
مسز كريج :
هذا ما أنبأتني به مسز هارولد. قالت إنه يريدك أن تتصل به بمجرد عودتك.
كريج (ينهض ويسير نحو التليفون) :
وإني لأعجب لماذا لم يأت إلى مكتبي.
مسز كريج (تتحرك نحو ستار الباب) :
ربما فعل بعد انصرافك.
كريج :
وهل تعرفين رقم بيركماير؟
مسز كريج (تلتفت ناحية الباب) :
بارك 840. أليس كذلك؟ اللهم إلا إن كان قد تغير.
كريج :
أظنه هذا (يدير قرص التليفون) .
مسز كريج (تخفض صوتها) :
وأنا جادة حقا يا والتر فيما أقول عن المرأة التي في الطابق الأعلى (مسز فريزير ترسل ضحكة أعلى الدرج)؛
ولذا فلو كنت موضعك ما بقيت مكاني عند قدومها. (يسكتها بإشارة منه، وتخرج من ناحية اليمين وهي تلقي نظرة نحو رأس الدرج.)
مسز فريزير :
كنت أنا نفسي ألقى مشقة كبرى عندما بدأت أستعملها أول الأمر.
كريج :
هالو، بارك 840؟
مس أوستن (عند رأس الدرج) :
أظنني قد فهمتها الآن.
كريج :
هل مستر بيركماير موجود؟ (مسز فريزير ومس أوستن تهبطان الدرج )
يا لسوء الحظ. خرج منذ برهة أليس كذلك؟
مسز فريزير :
أرجو ألا تترددي في استدعائي يا مس أوستن إذا التبس عليك أمر.
كريج :
نعم، أنا مستر كريج أتكلم.
مس أوستن :
سوف أفعل، وسوف أخطرك.
مسز فريزير :
إذ ليس لدي أمر واحد يشغلني (تشهد مستر كريج عند التليفون، وتلتفت إلى مس أوستن، وتضع إصبعها فوق شفتيها) .
كريج :
إذن، فالأرجح أن يحضر إلى هنا بعد قليل. (مسز فريزير تدخل الغرفة. وتقف مس أوستن خارجها ناظرة إلى مستر كريج)
شكرا، حسنا، أشكرك كثيرا (ثم ينهض) .
مس أوستن :
هالو والتر.
كريج :
هالو عمتي، كيف حالك؟
مس أوستن (تدخل من عتبة السلم) :
لم أعلم أنك عدت إلى بيتك.
كريج :
عدت هذه اللحظة. كيف حالك يا مسز فريزير؟
مس فريزير :
كيف حالك يا مستر كريج؟
مس أوستن :
لقد تفضلت مسز فريزير وصعدت لتطلعني على شيء يتعلق بنموذج جديد اشتريته منذ قليل.
كريج :
حقا؟
مس أوستن :
أخبرتني مسز هارولد أن هاريت بالبيت.
كريج :
نعم، وقد سبقتني إليه بقليل.
مس أوستن :
وهل أنبأتك عن حال مسز لاندرث؟
كريج :
حال سيئة كما أتصورها مما ذكرت لي.
مس أوستن :
وأين هاريت؟ في الطابق الأعلى؟
كريج :
نعم، وقد حملت أشياءها إلى هناك منذ برهة.
مسز فريزير :
قالت لي مس أوستن إن أخت مسز كريج تشكو مرضا في قلبها.
كريج :
نعم، أصيبت به منذ وقت طويل.
مسز فريزير :
مسكينة هذه السيدة.
مس أوستن :
مدة عشر سنوات تقريبا.
مسز فريزير :
يا لسوء الحظ، أظن مسز كريج مضطربة أشد الاضطراب. أليس كذلك؟
كريج :
نعم، أعتقد ذلك.
مسز فريزير :
هل هي أختها الوحيدة؟
كريج :
نعم، كلتاهما فقط.
مسز فريزير :
يا لسوء الحظ، ولكن هذه حال الدنيا عامة. أليس كذلك؟
كريج :
نعم، هذا حق.
مس أوستن :
يجب يا والتر أن تشاهد جميع الزهور الرائعة التي جاءتني بها مسز فريزير منذ حين (ترسل مسز فريزير ضحكة استرحام خفيفة وتتقدم نحو البيانو إلى اليسار) .
كريج :
أي والله.
مس أوستن :
إنها في غاية الروعة.
مسز فريزير :
لا أظنها هدية سخية ، فهناك من هذه الزهور الكثير. (كريج ومس أوستن يتحدثان معا.)
كريج :
ثقي أننا نقدرها غاية التقدير.
مس أوستن :
جميل منك - فيما أعتقد - أن تذكرينا أي ذكر.
مسز فريزير :
أظن أحيانا أنه من الحمق إلى حد ما أن أقتني الكثير منها؛ لأن ذلك معناه كثرة العمل.
مس أوستن :
لا بد أن يكون الأمر كذلك، وكثيرا ما أذكر ذلك لوالتر.
مسز فريزير :
نعم، هو كذلك. كانت العناية بالزهور هواية عند زوجي إلى حد كبير وهو على قيد الحياة، وأعتقد أني أعنى بها متأثرة بالعاطفة حقا أكثر من تأثري بأي شيء آخر.
مس أوستن :
ومتى مات زوجك يا مسز فريزير؟
مسز فريزير :
تنقضي على وفاته عشر سنوات في نوفمبر المقبل، نعم، نعم لقد مات في الثالث والعشرين من نوفمبر عام 1936م. أصيب في 2 نوفمبر في حادث سيارة عند تقاطع برايد ماساشوست. كنا عائدين من بار هاربر، وكنت أحدث مستر كريج عنها. وقد عاش مريضا حتى الثالث والعشرين، ومن ثم ترين أن أيام الحزن لها في الواقع دلالة كبيرة عندي.
مس أوستن :
أعتقد ذلك حقا.
مسز فريزير :
نعم، ذلك هو الشهر الأوحد الذي ينبغي لي أن أبتعد فيه، ولا يهمني أنى أذهب؛ ولكن يجب أن أذهب إلى مكان ما. فأنا لا أطيق حياتي في هذا الوقت من العام، فذكرياتي عنه عديدة؛ ولذا فإني كلما اقترب نوفمبر من كل عام أحزم متاعي وأذهب إلى دايتن في أوهايو، فلي هناك ابنة متزوجة. لزوجها صلة بشركة تسجيل النقد الوطنية. وهي بطبيعة الحال تكثر من المزاح بشأن زياراتي السنوية هذه لدايتن. فتقول بدلا من أن أكون في إنجلترا كلما حل شهر أبريل، فإني أذهب إلى دايتن كلما حل شهر نوفمبر (تضحك ضحكة فاترة).
كثيرا ما نمزح في هذا، ولكن زوجها بالطبع يعمل هناك. وأفكر أحيانا في أني ربما قضيت معها وقتا أطول؛ فذلك خير لي ولها. غير أن المشكلة هي أني عندما أذهب إلى هناك يشق علي جدا أن أعود؛ فطفلها من أجمل الأطفال، وهو يكاد يبلغ الشهر الخامس عشر من عمره. ويظن أن ليس في الدنيا مثل جدته. وأنا بالطبع أظن أن ليس في الدنيا من يماثله، ولو أني، أصدقك القول، كنت أمقته أشد المقت حينما ولد؛ وذلك لما تصورت أنه جعل مني جدة، ولكنه انتصر علي، وأظنني الآن في حماقة كل جدة أخرى.
مس أوستن :
وهل هي ابنتك الوحيدة يا مسز فريزير؟
مسز فريزير :
نعم هي وحيدتي.
كريج :
وإذن فأنت تعيشين وحدك هنا يا مسز فريزير؟
مسز فريزير :
نعم، في وحدة تامة.
مس أوستن :
أحقا هذا؟
مسز فريزير :
نعم لقد عشت وحدي الآن قرابة أربعة أعوام، منذ تزوجت ابنتي. وحيدة في الخمسين (تضحك ضحكة خفيفة)،
وهي عزلة مبكرة نوعا ما. أليس كذلك؟ (تضحك قليلا مرة أخرى.)
كريج :
بالتأكيد.
مس أوستن :
أعتقد ذلك.
مسز فريزير :
أذكر أني قرأت قصة بهذا الاسم منذ عدة سنوات. وأذكر أني اعتقدت في ذلك الحين أنه من المؤلم جدا أن يترك المرء وحيدا وبخاصة إذا كان امرأة. ومع ذلك فقد حدث لي نفس الشيء قبل أن أبلغ الخمسين.
مس أوستن :
وهل لم يطرأ لك أن تسافري لتعيشي مع ابنتك يا مسز فريزير؟
مسز فريزير :
إنها بالطبع لم تقنط قط من إغرائي بذلك. ولكني أقول لها دائما: «لا يا عزيزتي، سوف أعيش ما بقي لي من أيام حياتي في بيت أبيك، ولو أنه ليس مقيما به، وأقول، فلدي ذكرياتي على الأقل، ولا يستطيع امرؤ أن ينزعها عني.» وهي ترد علي بالطبع بقولها إني عاطفية (تضحك)،
ولكني في الواقع لست كذلك البتة. فلو كنت عاطفية لجاز أن أتزوج مرة أخرى، غير أني أحس ...
كريج :
أعتقد أنه يجوز لك أن تتزوجي مرة أخرى يا مسز فريزير.
مسز فريزير :
أعتقد أن المنطق يقول بذلك يا مستر كريج، ولكني لست أدري. لعلي من أولئك النسوة اللائي لا يطقن غير رجل واحد، فهناك من النساء من يرين ذلك كما تعلم.
مس أوستن :
نعم هناك من يعتقدن في ذلك.
مسز فريزير :
كما أن هناك من الرجال من لا يطيق غير امرأة واحدة. وأعتقد أنه من سوء الحظ خاصة أن يحدث لشخص من هذا النوع ما يمس هذه الصلة الوثيقة - سواء كان بالموت أو بزوال الوهم، أو بغير ذلك - لأن مثل هذا الجرح لا يلتئم البتة بعد ذلك. إن الشخص من هذا الطراز لا يمكن أن يأبه بعدئذ كثيرا بأي أمر من الأمور.
مس أوستن (ترسل نظرة بعيدة) :
ما أصدق ما تقولين يا مسز فريزير.
مسز فريزير (في حالة من التأمل) :
أبدا (تهز رأسها وئيدا من جانب إلى آخر، ثم تنهض).
خير لي أن أنصرف، وإلا اتفقتم مع ابنتي على أني عاطفية. (يتبعانها صوب الباب.) (مس أوستن وكريج يتكلمان معا.)
مس أوستن :
كلا يا مسز فريزير إني أتفق معك تماما.
كريج :
أعتقد أن شيئا من العاطفة أمر جميل جدا في بعض الأحيان.
مسز فريزير (تلتفت عند الباب) :
وإني لأتعشم أن تخبر مسز كريج أني كنت أسأل عن أختها.
كريج :
سأخبرها بذلك يا مسز فريزير، وشكرا لك شكرا كثيرا.
مسز فريزير :
وأتعشم أن تتحسن بعد قليل. ليلتك سعيدة يا مستر كريج (تخرج) .
كريج :
ليلتك سعيدة يا مسز فريزير. آمل أن تعودي إلينا قريبا جدا.
مسز فريزير (ترد صائحة) :
شكرا لك، شكرا كثيرا، يسرني أن أعود.
مس أوستن (تتابعها) :
وشكرا مرة أخرى على الزهور. (كريج يبتعد عن الباب ويصعد الدرج، وتظهر مسز كريج خلال الستائر، وهي تنظر نظرة عابسة نحو المشربية على اليسار، حيث يمكن أن تشاهد مسز فريزير وهي تعبر عشب الحديقة.)
مسز فريزير :
عفوا يا ابنتي العزيزة؛ بل كان ينبغي لي أن آتي لك بضعف هذه الزهور.
مس أوستن :
وسوف أخطرك بكل ما يصعب علي أثناء التطريز.
مسز فريزير :
أرجو أن تفعلي ذلك الآن يا مس أوستن، ولا تترددي في استدعائي.
مس أوستن :
سوف أفعل، وسوف أخبرك.
مسز فريزير :
مع السلامة.
مس أوستن :
مع السلامة يا مسز فريزير. (الباب الحاجز يحدث صوتا، وتتقدم مسز كريج نحو المرآة فوق رف المدفأة على اليمين.)
مسز كريج :
هذه المخلوقة السخيفة (تقف أمام المرآة تشاهد نفسها وتمس شعرها، ثم تدخل مس أوستن) .
مس أوستن (تقف عند الباب من الداخل) :
أهلا يا هاريت. كنت على وشك الصعود إلى غرفتك. كيف وجدت أختك، فقد أنبأتني مسز هارولد منذ لحظة أنك عدت إلى بيتك.
مسز كريج (دون أن تلتفت) :
نعم لقد عدت (ثم تلتفت وفي لهجتها مسحة من التحدي)،
وأعتقد أني عدت في الوقت الملائم. ألا تعتقدين ذلك؟
مس أوستن :
لماذا يا عزيزتي؟
مسز كريج :
لماذا؟
مس أوستن :
نعم، فلست أفهم ما تعنين.
مسز كريج :
مما يبدو لي، أعتقد أني لو أطلت ابتعادي لكان من الجائز أن أجد بيتي عند عودتي طريقا عاما لكل جيراننا.
مس أوستن :
تقصدين وجود مسز فريزير هنا؟
مسز كريج :
تعلمين جيدا ما أقصد يا عمتي أوستن، وأرجو ألا تحاولي التظاهر بالبراءة التامة (تتقدم نحو مطلع الدرج لكي تتأكد من أن مستر كريج ليس على مسمع منها، وتلقي عليها مس أوستن نظرة نافذة فاحصة، وتتقدم إلى يمين البيانو، وتتلو ذلك فترة سكون، ثم تتقدم مسز كريج بعد ذلك نحو النضد الوسيط في غضب شديد).
ذلك بالضبط ما حاولت تلك المرأة أن تفعله مذ جئنا إلى هنا. وفي اللحظة التي أدير فيها ظهري تمكنينها من ذلك، لمجرد اللغو في الكلام. كيف استطاعت أن تدخل هذا المكان؟
مس أوستن :
أنا التي استدعيتها بالطبع. لا تحسبي أنها جاءت من تلقاء نفسها.
مسز كريج :
إني لا أبرئها من سوء النية لو كانت تعلم بغيابي (مس أوستن تنظر إليها).
وأنا أعرف منك بطراز مسز فريزير من النساء (ترتب الأشياء فوق النضد).
ماذا فعلت، هل تعقبتها؟
مس أوستن :
كلا، لم أفعل ذلك. كنت أحوك عند مدخل الباب، وأتتني ببعض الزهور، فكانت لفتة منها كريمة.
مسز كريج :
لفتة جد كريمة!
مس أوستن :
وحدث أني ذكرت الرداء الذي كنت أصنعه، وأن النموذج الذي اشتريته لأحوك على طرازه لم يكن واضحا لي كل الوضوح. ويبدو أنها عرفت من وصفي هذا الطراز، فتفضلت وعرضت علي معونتها.
مسز كريج :
طبعا، ثم وقعت أنت توا في الفخ.
مس أوستن (ملتفتة إليها) :
ولماذا - فيما تظنين - كانت حريصة على دخولها هذا المكان يا هاريت؟
مسز كريج :
لنفس السبب الذي من أجله تود الكثيرات غيرها من جاراتنا أن يلجن هذا المكان؛ كي يشبعن حب استطلاع لديهن دنيئا، وليشهدن ما يستطعن شهوده.
مس أوستن :
وماذا يضيرك لو شهدن؟
مسز كريج :
لن أرضيهن، ولا أحب أن أتبادل الزيارة مع جارات كثيرات خاملات. ليرعين بيوتهن، فسوف يجدن فيها كثيرا من العمل، بدلا من أن يضيعن أوقاتهن في زهور لا قيمة لها (تتجه نحو المرآة مرة أخرى).
وأكبر الظن أن مسز فريزير واحدة من صاحبات البيوت اللائي يخفين القذارة في الأركان بباقات الزهور.
مس أوستن :
إنك لا تعرفين شيئا عن بيتها يا هاريت.
مسز كريج :
أعرف كيف تبدو أرض حديقتها، ويكفيني هذا (متلفتة).
وأنت تصحبينها إلى الطابق العلوي أيضا خشية ألا ترى في الطابق السفلي ما يكفي.
مس أوستن :
لا أحسب أن المرأة تعرف ما في داخل دارك يا هاريت.
مسز كريج :
عجبا يا عمتي أوستن! كم كنت أود حقا أن تكوني مخلصة في نواح أخرى كما يبدو عليك في شأن زيارات الجارات.
مس أوستن :
الجارة الطيبة شيء طيب جدا أحيانا يا هاريت.
مسز كريج :
خذيهن أنت إذن، فلست أريدهن مقبلات علي ومدبرات.
مس أوستن :
لا أذكر أن إحداهن قد ترددت عليك في إقبال وإدبار.
مسز كريج :
بل لقد غادرتنا واحدة منهن منذ لحظة.
مس أوستن :
لم تأت إلى هذا المكان لرؤيتك.
مسز كريج :
كانت في بيتي. أليس كذلك؟
مس أوستن :
وفي بيت زوجك.
مسز كريج :
عجبا! (ترسل ضحكة خفيفة لا تدل على انشراح)،
إنك لا تستطيعين أن تقولي إنها كانت هنا لترى زوجي. أليس كذلك؟ (ترفع مس أوستن بصرها برهة.)
مس أوستن :
لا! لم تكن هنا لتراه، ولو أني لا أشك في أنك قد تحاولين هذا التفسير لو أنك اعتقدت في إمكان تصديق والتر له، وأعتقد أنك تستخفين بكل مبالغة يا هاريت ما دامت تبعد الناس عن بيتك المقدس. وإني لأعجب أنك لم تطلبي إلينا أن نخلع النعال عندما نطأ بأقدامنا السجاد (مستر كريج يسعل في مكان ما في الطابق العلوي، وتتقدم مسز كريج فجأة إلى مطلع الدرج وتنظر إلى أعلى).
كانت مسز فريزير هنا لتراني، أنا عمة زوجك. وقد رحبت بها، ورحب. وطلبت إليها أن تعود. ولا أظن أن زوجك يوافقك على موقفك هذا كثيرا لو علم به.
مسز كريج :
أرجح أنك سوف تنبئينه به.
مس أوستن :
عندي أشياء كثيرة أود أن أنبئه بها يا هاريت.
مسز كريج :
لست أشك في ذلك.
مس أوستن :
توفر لي وقت طويل للتفكير فيها خلال العامين الماضيين في غرفتي. وقد اتضحت لي خاصة في الأسبوع المنصرم الذي تغيبت فيه. من أجل هذا صممت على مفاتحة والتر (تتلفت مسز كريج بغتة وتحدق فيها)؛
لأني أعتقد أنه لا بد من علمه. غير أني أود أن تكوني هنا عندما أفاتحه حتى لا تتمكني من تحريف ما أقول.
مسز كريج (تتقدم نحو النضد) :
فكرتك عني حسنة جدا يا عمتي أوستن. أليس كذلك؟
مس أوستن :
ليس ما لدي عنك هو مجرد فكرة يا هاريت، إنما هو واقع صورتك بعينها.
مسز كريج :
أيا كان الأمر، لا يهمني البتة أن أصغي إليه. وأود أن تعرفي أني أكره أشد الكره دعوتك مسز فريزير إلى هنا.
مس أوستن (مشيحة بوجهها) :
لا أقل من أن تخلصي فيما تقولين يا هاريت!
مسز كريج :
ماذا تعنين؟
مس أوستن :
لماذا تخصصين القول في مسز فريزير؟
مسز كريج :
لأني لا أريدها هنا.
مس أوستن :
إنك لا تريدين أحدا هنا!
مسز كريج :
لست أريدها بالذات.
مس أوستن (توجه بصرها نحوها مباشرة) :
أنت لا تريدين زوجك، (تهتز مسز كريج قليلا ثم تقف جامدة برهة من الزمن ثم تتقدم نحو مطلع الدرج مبطئة كي تتطلع إلى أعلى، وهي ما تزال تحدق في عيني أوستن)
لولا أنه لا غنى لك عنه للإنفاق، ولو عرفت كيف تدبرين ذلك الأمر بدونه لكانت مكانته هنا أقل ثبوتا من مكانة إحدى هذه الوسادات (مشيرة إلى الوسادات فوق المقعد على يمين السلم) .
مسز كريج (تتقدم مرة أخرى) :
لا بد أن أقول ما أجمل هذا الكلام توجهينه إلي يا مس أوستن.
مس أوستن :
هو الحق، سواء كنت تحبين أن تسمعيه أم لا تحبين. إنما تريدين بيتك فحسب يا هاريت، وذلك كل ما تريدين، ولن تنالي في نهاية الأمر غير ذلك ما لم تعدلي سلوكك. إن من يعيشون لأنفسهم يا هاريت يتركهم الناس عادة لأنفسهم؛ لأن الآخرين لن يطيقوا البؤس إلى ما لا نهاية من أجل تقديسك المضحك لأثاث بيتك.
مسز كريج :
يظهر أنك تحملت هذا البؤس بكثير من الشجاعة.
مس أوستن :
تحملته من أجل والتر؛ لأني أعرف أنه يريدني هنا. ولم أرد أن أعقد الأمور، ولكني كنت في الواقع معتزلة في غرفتي العليا مذ قدمنا إلى هنا؛ وذلك حتى أتجنب خدش ذلك الدرج المقدس، وحتى لا أترك أثر قدمي على هذا السجاد المقدس. ولم أتعود هذا السخف، إنما اعتدت أن «أعيش» في الحجرات (يهبط مستر كريج صامتا من الدرج ويقف عند عتبة الباب، ويتطلع مرة إلى هذه ومرة إلى تلك مستفسرا. وتلمحه مسز كريج بزاوية عينيها، وتسير قدما نحو المرآة على اليمين)،
وأنا أحترم نفسي احتراما يحملني على إغفال مظهر الحجرات إن كان في ذلك ما يمس راحتي؛ ولذا عزمت على تغيير المكان، ولكني أود أن أوضح أسبابي تماما لوالتر قبل أن أرحل. وأعتقد ذلك حقا له علي، من أجله ومن أجل نفسي. (تدرك مس أوستن موقف كريج على عتبة الباب فتتلفت وتنظر إليه، ويسود صمت مميت، ثم تتحرك من مكانها ويدخل كريج الغرفة ويتقدم متسائلا):
كريج :
ما أمركما؟
مسز كريج (متلفتة) :
أؤكد لك أنني لا أدري البتة، ولكن ما سمعت الآن من عمتي أوستن يبين لي أنها تعتقد أن هناك أمورا مهمة.
كريج :
وما هي يا عمتي؟
مسز كريج :
تقول إنها سوف تغادرنا. (ينظر إلى زوجه ثم إلى عمته.)
مس أوستن :
ليس الأمر جديدا يا والتر.
كريج (لزوجته) :
تقصدين أنها سوف تغادر البيت؟
مسز كريج :
هكذا تقول. (ينظر إلى مس أوستن مرة أخرى.)
كريج :
أحقا قلت ذلك يا عمتي؟
مسز كريج :
ألم أذكر لك الآن أنها قالت ذلك؟
مس أوستن :
سأغادر في الغد يا والتر.
كريج :
لماذا، وماذا حدث؟
مسز كريج :
تقول إنها وجدت إدارتي للأمور هنا غير محتملة.
مس أوستن :
أكون شاكرة لك يا هاريت لو سمحت لي أن أشرح الأسباب التي تدفعني إلى المغادرة، فأنا أعرف بها منك.
مسز كريج (تتجه نحو المقعد الكبير أمام الموقد ثم تجلس) :
لا أرى عندك سببا من الأسباب، سوى أسباب الغيرة المألوفة التي تكون عند النساء من زوجات الرجال الذين ربوهم.
مس أوستن :
سوف يتوفر لك الوقت لكي تفسري هجرتي بعد مغادرتي.
مسز كريج :
اجلسي إذن ودعينا نستمع إلى تفسيرك أنت.
مس أوستن :
أوثر الوقوف، وشكرا لك.
مسز كريج :
كما تشائين.
مس أوستن (توجه نظرها نحو المقعد الأيسر تحت البيانو) :
أشك في معرفتي كيف يكون الجلوس على أحد هذه المقاعد.
كريج :
ماذا تعنين يا عمتي؟ لا أستطيع أن أتصور أنك لقيت مشقة من أي إنسان، وبخاصة من هاريت التي تكبرك أيما إكبار (تبتسم مس أوستن ابتسامة جافة)،
وأنت تعلمين ذلك يا عمتي. هاريت تغرم بك غرامي (ملتفتا إلى زوجته).
هذا لا يعقل بكل تأكيد.
مسز كريج :
أنا مسرورة لوجودك هنا؛ لكي تسمع شيئا من هذا.
كريج :
أعتقد أن البيت تنشأ فيه مضايقات صغرى بين الحين والحين، كما تنشأ في أي عمل من الأعمال، ولكني واثق من أنك أعقل يا عمتي من أن تسمحي لهذه المضايقات بأن تؤثر في نفسك تأثيرا يحملك على الرغبة في مغادرة البيت. وماذا نصنع هنا بدونك؟ بغيرك لا يبدو لي أن لنا بيتا إطلاقا. ماذا قلت لعمتي يا هاريت؟
مسز كريج :
بالطبع لم أقل لها شيئا، ولكنها تعمد إلى خيالها.
كريج :
إذن فالسبب لا يرجع إلى شيء ذكرته لك هاريت يا عمتي؟
مس أوستن :
لا، إن هاريت لا «تقول» البتة شيئا، ولكنها تعمل، وتترك لك التفسير، إن استطعت، ولن تستطيع إلا بعد وقت طويل ، حينما تعثر على مفاتيح ما أغلق عليك. بعدئذ تجد الأمر بسيطا، بل ومضحكا، وأنانيا إلى درجة غير معقولة. ويبلغ الأمر من ذلك حدا يا والتر يجعلني أيئس من إقناعك بالأسباب التي تحملني على مغادرة البيت.
كريج :
وماذا فعلت هاريت يا عمتي؟
مسز كريج :
سأخبرك بما فعلت يا والتر، اعترضت على استدعاء عمتي أوستن لتلك المرأة التي تقطن عبر الشارع إلى هذا المكان أثناء غيبتي.
كريج :
تقصدين مسز فريزير؟
مسز كريج :
نعم أعني مسز فريزير.
كريج :
وما وجه اعتراضك عليها؟
مسز كريج :
إنها عجوز فضولية سفيهة. هذا هو وجه اعتراضي عليها. حاولت أن تدخل هذا المكان مذ قدمنا إلى هنا.
كريج :
وماذا تعنين بقولك حاولت أن تدخل هذا المكان؟
مسز كريج :
لن تفهمني لو قلت لك ما أعني يا والتر. إنه نوع من حب الاستطلاع عند النساء عن بيوت النساء الأخريات، وهو أمر لا يقدره الرجال.
مس أوستن :
إن هاريت مضطربة يا والتر لأنها سمحت لنفسها أن تزل منذ لحظة. كانت تؤثر أن تبعد مسز فريزير بالطريقة المألوفة، التي استخدمت في استبعاد كل رجل وامرأة زار هذا البيت. وما دامت قد زلت فلا بد أن تحاول تبرير مسلكها الآن بوصم مسز فريزير بكل صفة وضيعة من السفالة إلى الفضول؛ بل وإلى الإشارة بأنها في زيارتها لنا هذا المساء كانت مدفوعة باهتمامها بك.
مسز كريج :
لم أشر إلى شيء من هذا، ولم يحدث إلا أني ألقيت سؤالا إجابة عن إشارة منك.
مس أوستن :
التفصيل لا يهم يا هاريت. وأنا أعرف المبدأ.
مسز كريج :
لا أقل من أن تقولي الصدق في هذا.
مس أوستن :
هذا بالضبط ما سوف أفعل، ولو على حساب استياء والتر.
كريج :
لا أظن أنك تستطيعين إحداث ذلك يا عمتي.
مس أوستن :
أنت رجل يا والتر، وأنت تحب زوجتك. وأنا أعرف حق المعرفة ما ينجم عادة من التدخل تحت هذه الظروف.
كريج :
إني قابل للاقتناع يا عمتي لو كانت لديك مظلمة.
مس أوستن :
لن أدافع عن قضية ليست لي، ولن أكون هنا . غير أني لا أحب أن أشهد إفساد رجل يشق طريقه إلى الشهرة، دون أن أنبهه إلى الخطر.
كريج :
لست أفهم ما تعنين يا عمتي.
مس أوستن :
قد يكون ذلك هو الخطر يا والتر، أنك لا تفهم؛ إذ لو فهمت لما باتت هناك ضرورة قصوى لتحذيرك.
كريج :
تحذيري من أي شيء؟ (يسود السكون، وتحدق مس أوستن في عينيه.)
مس أوستن :
من زوجتك. (تنفجر مسز كريج في ضحك يخلو من المرح على سخف ما ترمي إليه مس أوستن، ويلتفت كريج نحوها ويحدق فيها.)
كريج :
مم تضحكين يا هاريت؟
مسز كريج :
ألا ترى في ذلك لهوا؟
كريج :
لا أظن أني أعتقد أن الأمر يضحك إلى هذا الحد.
مسز كريج :
إذن انتظر حتى تسمع بقية الأمر؛ فربما عدلت عن رأيك بعدئذ.
مس أوستن (تنظر إلى مسز كريج في ثبات) :
إن هاريت ليست في الواقع ضاحكة يا والتر.
مسز كريج :
وماذا أنا فاعلة. هل ترين أني أبكي؟
مس أوستن :
إنك تصفرين في الظلام.
مسز كريج (تنهض في نشوة كبرى) :
عجبا يا عزيزتي.
مس أوستن :
أنت تخشين افتضاح سرك. (مسز كريج تلتفت بغتة وتجابهها.)
مسز كريج :
أحقا ذلك؟ وما هو سري هذا؟
مس أوستن :
لا أحسب هناك ضرورة ملحة في إخبارك به يا هاريت.
مسز كريج :
ولكن يهمني أن أستمع إليه.
مس أوستن :
إذن فلتنصتي بينما أخبر به والتر.
مسز كريج :
حسنا جدا.
مس أوستن :
غير أني أريدك أن تعرفي قبل أن أخبره أن السر لم يبق مستورا عني حتى انفجرت في أمر مسز فريزير هنا منذ لحظات فتكشف لي؛ بل لقد كدت أن أعرفه حينما عرفته أم والتر. (يسود السكون، ثم تتقدم مسز كريج بضع خطوات نحو زوجها.)
مسز كريج (في شيء من الغموض والسخرية) :
تقصد أني كنت أحاول أن أدس لك السم سرا يا والتر.
مس أوستن :
لا، لم يحدث أن كنت تتسترين يا هاريت. (تضحك مسز كريج ضحكة خفيفة وتسير نحو ستار الباب.)
مسز كريج :
يؤسفني أني لا بد أن أنصرف ؛ لأني على ثقة من أن الأمر سوف يكون مسليا للغاية.
مس أوستن :
لقد طلبت إلى هاريت أن تبقى هنا يا والتر.
مسز كريج (تتلفت بغتة) :
ولكني لا أنوي البقاء.
مس أوستن :
لا أحسب أنك ترغبين.
كريج :
لماذا يا هاريت؟
مسز كريج :
لأن لدي عملا أهم من الاستماع إلى سخافات.
مس أوستن :
وإذن فسوف أعتبر انصرافك اعترافا بصدق هذه السخافات.
مسز كريج :
ظني ما شئت. ولست آمل بعد أن تتحدثي في شأني إلا أن تطلعي والتر - بنفس الصراحة - على شيء مما احتملت خلال العامين الماضيين (ثم تخرج) .
مس أوستن :
تمثلين الشهيدة كعادتك (يخطو كريج خطوة أو اثنتين نحو ستار الباب ويقف برهة يتابع بالنظر زوجته، ثم يلتفت وينظر إلى عمته).
كان بوسعي أن أوجه إليها هذه الكلمات الأخيرة يا والتر؛ فأنا أعرفها حق المعرفة.
كريج (عائدا) :
أود أن تخبريني بما حدث هنا يا عمتي.
مس أوستن :
ليس من اليسير أن يخبر به رجل يا والتر. إنه يحتاج إلى شيء من الإيضاح.
كريج :
وما هو؟
مس أوستن :
لماذا في ظنك يا والتر طلبت إليك أمك أن تعدها، وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة، بأن تأخذني معك بعد زواجك؟
كريج :
أعتقد يا عمتي أن هذا المطلب طبيعي جدا، إذا اعتبرنا تقديرها لك أثناء مرضها.
مس أوستن :
لم يكن ذلك لأنني سوف أكون بحاجة إلى مأوى؛ لأنها كانت تعرف أني أوثر السفر وأن ذلك ما كنت أتأهب له في مبدأ إصابتها. ولم أخبرك بذلك قط يا والتر. غير أنها طلبت إلي أن أعدها بقبول دعوتك حينما توجهها إلي. وتدرك من هذا أنها كانت تعرف المرأة يا والتر، المرأة التي اخترتها زوجا لك.
كريج :
تقصدين أن أمي لم تحب هاريت؟
مس أوستن :
إن أحدا لا يستطيع أن يحبها يا والتر؛ بل إنها لا تريد من الناس محبتهم.
كريج :
أنا أحبها.
مس أوستن :
أعماك وجه جميل يا بني كما أعمى كثيرا غيرك من الرجال.
كريج :
وماذا فعلت هاريت؟
مس أوستن :
تركتك فعلا بغير أصدقاء لسبب واحد؛ ذلك أن زيارات أصدقائك تعني أهمية لك لا تتفق وما رسمت من خطط؛ ولذا أوضحت لهم تماما - بالآلاف من الإشارات الخفيفة - بأنهم ليسوا على رحب وسعة في بيتها؛ لأن هذا البيت بيتها - كما تعلم - يا والتر، وليس بيتك - وأرجو ألا تخطئ في هذا السبيل. هذا البيت هو ما تزوجت منه هاريت، ولم تتزوج منك، ولست إلا جزءا من البيت، كضرورة تأسف هي لها إلى حد كبير، ويجب ألا تعترض لأنها تريد البيت لها وحدها؛ ومن ثم شرعت تجعل منك عاملا مهملا بقدر ما استطاعت في تسيير الأمور بهذا البيت.
كريج :
وهل تؤمنين بذلك حقا يا عمتي؟
مس أوستن :
تلك خطتها فيما يتعلق بك يا والتر، قد أوضحتها لك. ومن أجل هذا تراها لا تشجع على زيارات أصدقائك.
كريج :
لا أعتقد أن هاريت لا تشجع على زيارات أصدقائي يا عمتي.
مس أوستن :
وهل يأتي أحد منهم إلى هنا؟
كريج :
نعم، أكثرهم يتردد على هذا البيت بين حين وحين.
مس أوستن :
لم يحدث ذلك خلال الثمانية عشر شهرا الأخيرة، ولما ينقض على زواجك غير عامين.
كريج :
ولماذا لا تريد هاريت أصدقائي هنا؟
مس أوستن :
للسبب عينه الذي من أجله لا تريد أحدا آخر هنا؛ لأنها امرأة تركز اهتمامها في نفسها إلى أبعد الحدود، وبكبرياء حب الذات تريد أن تستبعد العالم أجمع؛ لأنها تخشى الناس أجمعين. وهذه الجدران الأربعة هي رمز خشيتها.
كريج (يبتعد، ثم يتجه يمينا نحو النضد) :
لا أستطيع أن أصدق ذلك يا عمتي.
مس أوستن (تمد ذراعيها نحو الباب الخارجي وتتابعه) :
هل تذكر أن أحدا ألقى ظله على هذا الباب، حتى اليوم، حينما جاءت مسز فريزير؟ وقد رأيت نتيجة زيارتها، ولماذا - في ظنك - كف الناس فجأة عن زيارتك بعدما كانوا يزورونك دائما في بيتك؟ يبعد أن يكون ذلك لأنك تغيرت تغيرا شاملا في عامين. ويخيل إلي أن كل أولئك الشبان والشابات الذين اعتادوا أن يقضوا بالبيت وقتا ممتعا حسبوا أن البيت سيصبح بعد زواجك ملتقى الأصدقاء. بيد أنهم لم يكونوا يحسبون لربة البيت حسابا ، كما أنهم بدءوا لا يحسبون لك أنت أيضا حسابا، يا والتر (يتلفت وينظر إليها).
أنت لم تعد تخرج من البيت، ولا يطلب إليك ذلك أحد؛ لأنهم يخشون أن تصحبك وهم لا يريدونها، لأنها أوضحت لهم تماما أنها لا تريدهم (كريج يلقي بنظره بعيدا مرة أخرى متباطئا) ، وكما بدأ أصدقاؤك يستغنون عنك في حياتهم الاجتماعية، فكذلك سوف يستغنون عنك في حياتهم العملية. وليست المسألة مسألة وقت فحسب (ينظر إليها مرة أخرى، وتقترب هي منه).
أحب أن أخبرك بشيء رأيته يا والتر منذ أيام في المدينة، أو قل سمعت به. كنت أتناول غدائي في مطعم الكولونيد وإذا باثنين من زمرتك القديمة التي ألفت أن تلعب معها البوكر مساء الخميس يقبلان ويجلسان إلى مائدة على مسمع مني. وبعد قليل أقبل رجل وزوجته وجلسا إلى مائدة أخرى. وسرعان ما شرعت الزوجة تذكر لزوجها الطريقة التي كان ينبغي له أن يجلس بها، وكيف ينبغي له الآن أن يعتدل في جلسته، إلى آخر ذلك. عندئذ سمعت أحد صديقيك يقول للآخر في وضوح: «استمع إلى زوجة كريج هناك» (كريج يدير رأسه ويحدق في عيني مس أوستن، ثم تتلو ذلك فترة سكون يسيرة، ثم يتقدم تجاهها ويسير نحو البيانو على اليسار، وتسير هي خلفه).
ما هذه إلا ريشة خفيفة يا والتر يجب أن تبين لك في أي اتجاه تهب الريح. إن أصدقاءك يستنكرون أن يقال لهم أين يجلسون وكيف يجلسون؛ ولذا فهم يتجنبون ما يدعو إلى ذلك، كما سوف أتجنبه. ولكنك لا تستطيع أن تتجنبه، ولذا كان عليك أن تعالج الأمر.
كريج :
ولكن كيف أعالجه؟
مس أوستن :
بأن تقر في ذهن زوجتك أن للبيت رجلا كما أن له امرأة، وأنك أنت الرجل. وإذا لم تفعل ذلك يا والتر فستسير في نفس الطريق التي سلكها كل رجل آخر سمح لنفسه أن تسوده امرأة أنانية، تصبح صدى باهتا خفيفا لآرائها الملتوية، وتعتقد في النهاية أن كل من صادفته قبل أن تقابلها كان يحاول أن يقودك إلى الهلاك، وأنها أنقذتك وجعلت منك رجلا (يصدر عنها صوت خفيف يدل على السخرية الممتزجة بالمرارة، ثم تتجه نحو مطلع الدرج).
إنها لسخرية، ولكن النساء يستطعن القيام بها.
كريج :
إن هاريت لن تستطيع البتة أن تؤلبني على أصدقائي.
مس أوستن (تلتفت وهي عند مطلع الدرج وتتحدث في ثقة لا تتزعزع) :
والتر، إنهن يستطعن أن يحملن الرجال على الاعتقاد بأن الأمهات اللائي أرضعنهم خصوم ألداء (تتقدم نحوه فجأة).
ولذا فإني أحذرك؛ لأنك تجاهد في سبيل حياتك، ولا أستطيع أن أغادر هذا البيت مرتاحة الضمير دون أن أشعل الضوء هنا على الأقل، فأهيئ لك أن تشهد ما أنت مجاهد في سبيله (تسير نحو الدرج، ويدور كريج فجأة ويتبعها) .
كريج :
عمتي، إني لا أستطيع أن أراك مغادرة هذا البيت.
مس أوستن (تقف عند عتبة الباب) :
ولكني لست سعيدة هنا.
كريج :
إني لأعجب كيف عميت حتى خفي علي أنك لست سعيدة هنا، وكيف لم أعمل على إسعادك.
مس أوستن (في صوت خافت) :
لأنك لا ترى إلا زوجتك يا والتر.
كريج :
لا أستطيع أن أصدق أنه لا يوجد بينك وبين هاريت عنصر كبير من عناصر سوء التفاهم (مس أوستن تغمض عينيها وتهز رأسها من جانب إلى آخر) . إني لا أجادل في أن لها مزاجا شاذا، وربما اتصفت بكل ما ذكرت عنها. غير أني لا أستطيع في الواقع أن أرى ضرورة لهجرانك البيت. فالأمر يجب أن يعالج بشيء من التوفيق.
مس أوستن :
لا يتسع بيت من البيوت يا والتر لامرأتين كلتاهما مهتمتان بأمر رجل واحد.
كريج (يتجه يسارا) :
لو هجرت هذا البيت فلن أطمئن دقيقة واحدة. وسوف أعود على نفسي باللائمة.
مس أوستن :
ليس عندك ما تلوم نفسك عليه يا والتر. ولقد كنت دائما رفيقا بي جدا.
كريج :
وماذا عساك فاعلة إذا هجرت هذا البيت؟
مس أوستن :
ما كنت دائما أود أن أفعل، أن أسافر في جميع أنحاء العالم من شرقه إلى غربه؛ حتى لا أمسي ضئيلة. وإني لأخشى ذلك خشية الموت بعدما انقضى علي هنا عامان.
كريج :
ولكني وعدت أمي أن يكون لك عندي دائما مأوى، فإذا ذهبت فسوف يتولد عندي إحساس بأني أخلفت وعدي.
مس أوستن :
إنك لا تملك بيتا تجعل لي فيه مأوى يا والتر، وليس لديك إلا منزل - مؤنث - لا يمكن استعماله إلا بشروط محددة غاية التحديد. وعندي نوع من الإحساس، حينما أنظر إلى هذه الحجرات، أنها حجرات ميتة مكفنة (تدور وتسير نحو الدرج) .
كريج :
مهما تكن هذه الحجرات فسوف تبدو أقل شأنا بعد هجرتك. ولا أحسب أني كنت أضيق بنفسي أكثر من ذلك لو كانت أمي نفسها هي التي تهجرني. (تلتفت ويدها على حاجز السلم.)
مس أوستن :
احمد ربك أني لست أمك يا والتر. ولو كانت أمك لهجرت من أمد بعيد (تواصل صعود السلم ويقف ناظرا إليها. ويدق جرس الباب الخارجي، فيلتفت وينظر خلال النافذة المستطيلة ثم يتقدم نحو وسط الحجرة وينظر خلال ستار الباب. ويدق الجرس مرة أخرى، وتهبط ميزي الدرج) .
كريج :
عند الباب الخارجي فتى يا ميزي.
ميزي :
نعم يا سيدي، ولقد سمعت الجرس.
كريج :
وأنا أيضا في انتظار رجل يا ميزي بعد بضع دقائق. سأكون بالطابق العلوي.
ميزي :
حسنا يا مستر كريج. سأدعوك عند حضوره (تخرج ميزي لترى من بالباب، ويصعد كريج الدرج، ويقف في منتصفه مفكرا) .
صوت فتى (عند الباب الخارجي) :
إن كرستين تقف في زاوية الطريق، وتقول إن كنت ذاهبة إلى الجمعية هذا المساء فتفضلي بأن تدفعي لها اشتراكها. إنها تقول إنها لا تستطيع الذهاب هذا المساء. (يختفي كريج.)
ميزي :
بالتأكيد، قل لها إن ذلك يسرني.
صوت فتى :
إنها تقول إن البطاقة في هذا الظرف مصحوبة بالنقود. (تدخل مسز هارولد خلال الستار وتسير نحو الباب وتتطلع إلى الخارج بنظر ثاقب.)
ميزي :
حسنا، قل لها إني سأباشر ذلك (يحدث الباب الحاجز صوتا وتدخل ميزي) .
مسز هارولد :
هل رأيت من بالباب يا ميزي؟
ميزي (تسير من النضد إلى المدفأة) :
نعم، هو صبي الخياط الصغير، صاحب المحل الذي يقع في زاوية الطريق، ومعه اشتراك كرستين في الجمعية. ويقول إنها لا تستطيع الذهاب هذا المساء .
مسز هارولد :
وهل عاد اجتماع الجمعية هذه الليلة بهذه السرعة؟
ميزي (تضع ظرفا خلف النجفة التي تتوسط رف المدفأة) :
إنها الجمعية الثالثة.
مسز هارولد :
إني لا أستطيع قط أن أتابع هذه الجمعية العنيفة.
ميزي :
هل تريدين أن أدفع لك اشتراكك؟
مسز هارولد (تسير نحو مطلع الدرج) :
كلا يا عزيزتي، لقد دفعت حتى أول يوليو (تعود ميزي من عند رف المدفأة وتتقدم نحوها).
أين ذهب مستر كريج؟ إلى الطابق العلوي؟
ميزي :
أظن ذلك، اللهم إلا إن كان في مكان ما خارج الغرفة.
مسز هارولد (تتطلع صوب الباب الخارجي، ثم تخطو خطوة أو خطوتين نحو ميزي) :
كلا، إنه ليس خارج الغرفة.
ميزي :
لماذا؟ ما الخبر؟
مسز هارولد (تضع يدها على ذراع ميزي، وتخفض صوتها) :
أعتقد أن السيدة العجوز توشك أن تغادرنا (تسير على أطراف أصابع قدميها نحو ستار الباب، وميزي ترقبها) .
ميزي :
مس أوستن؟ (مسز هارولد تومئ برأسها، ثم تتطلع إلى الغرف المجاورة.)
مسز هارولد (ملتفتة نحو ميزي) :
لقد أحدثت السيدة ضجة بشأن بقاء مسز فريزير هنا. (تنظر إلى الخارج مرة أخرى.)
ميزي :
هل فعلت ذلك؟
مسز هارولد (تعود) :
كانت غاضبة؟ وقد أدركت من محياها، عندما طلبت إلي أن أخرج الزهور من الغرفة، أنها في ثورة نفسية؛ ولذا فما إن سمعت مسز فريزير وهي تنصرف حتى ذهبت توا إلى المكتبة. وهناك تستطيعين أن تسمعي الحديث كلمة كلمة - كما تعلمين - إذا اقتربت من جهاز التبريد.
ميزي :
نعم، أعرف أنك تستطيعين ذلك، وهل كان الرجل هنا؟
مسز هارولد :
لم يكن هنا أول الأمر، ولكني أعتقد أنه لا بد قد نزل وهما تتنازعان. سمعتها تقول إنها لا تحب أن تجعل بيتها طريقا عاما لجاراتها.
ميزي :
وهل تتصورين ذلك؟ كأن الناس يترددون على هذا البيت.
مسز هارولد :
ذلك ما وددت أن أقول، ولكن مس أوستن قالت لها ذلك.
ميزي :
حقا؟
مسز هارولد :
أعتقد أنها فعلت. ولم تلبث مسز كريج طويلا في الغرفة، بل غادرتها بمجرد ما أثيرت مس أوستن. (يغلق الباب في الطابق العلوي ، وتنطلق ميزي صوب النضد الوسيط وتسوي مفرش النضد. أما مسز هارولد فتتقدم نحو المقعد الكبير أمام المدفأة وتتظاهر باشتغالها في وضعه وضعا صحيحا. وتنظر ميزي على يمين كتفها نحو الدرج، ثم تخطو نحو مطلعه وتصوب نظرها إلى أعلى، ثم تسارع نحو مسز هارولد مرة أخرى، وتنظر خلال ستار الباب أثناء سيرها.)
ميزي :
وماذا فعلت مسز كريج؟ هل خرجت من الغرفة؟
مسز هارولد :
نعم، وقالت إن لديها عملا آخر غير الاستماع إلى الكلام السخيف (ترفع ميزي عينيها نحو السماء).
وددت أن أقول إني أحب أن أعرف ماذا عليها أن تعمل.
ميزي :
وكذلك أود أنا أن أعرف.
مسز هارولد :
لقد قضيت الآن في هذا البيت قرابة العام. وهذه أول مرة أسمع فيها أنها تعمل شيئا. لا شيء لديها غير النقد بعدما يتم غيرها العمل.
ميزي :
من الأسف أن مس أوستن لم تذكر لها ذلك حينما كانت تتحدث في الموضوع.
مسز هارولد (ترفع يدها في شيء من الوقار) :
بل لقد ذكرت لها ما يكفي (تخرج إلى مطلع الدرج وتنظر إلى أعلى) .
ميزي :
وهل لم يقل شيئا؟
مسز هارولد :
لم يقل كثيرا، وقد أخذت مس أوستن على عاتقها أكثر الحديث (تتجه إلى يسار ميزي وتسر إليها).
قالت له إنه إذا لم يصنع شيئا في وقت قريب، فستجعل منه زوجته صدى لها.
ميزي :
نعم سوف تفعل ذلك.
مسز هارولد :
قال إن لها طبيعة شاذة، وأن مس أوستن لم تفهمها. ووددت أن أقول إذا كانت مس أوستن لم تفهمها، فأنا أفهمها، وعلى استعداد لأن أقول لها كيف أفهمها فهما جيدا لو سمحت لي بذلك.
ميزي :
ومع ذلك فإني أشعر أحيانا بشيء من الأسف.
مسز هارولد :
وا حسرتاه له (تخفض صوتها وتتحدث في ثقة عظمى).
إنها تستطيع أن تبني في أذنه عشا دون أن يعرف (تتجه نحو النضد وتسوي مفرشه) .
ميزي :
إني لم أعمل مع امرأة شق علي إرضاؤها مثلها.
مسز هارولد :
لا أدري إن كان إرضاؤها شاقا يا ميزي؛ لأني لم أحاول قط أن أرضيها، إنما أؤدي عملي فإذا لم يعجبها، فإن عندها لسانها تستطيع أن تعبر به. وأستطيع أنا أن أذهب إلى مكان آخر. ولقد عملت في بيوت كثيرة فلا يمكن أن أظل عاطلة أمدا طويلا (تستقيم وتلقي يدها اليسرى على النضد).
هل قلت لك إنها أرادتني في الأسبوع الماضي أن أزيل التراب عن الأوراق من تلك الشجيرة التي تواجه نافذة غرفة الطعام؟
ميزي :
تزيلين التراب عن الأوراق؟
مسز هارولد (تنظر إلى السماء مستشهدة بها) :
هذه حقيقة، وكنت أشكو الروماتزم في ذلك الحين.
ميزي :
وهل يتصور المرء ذلك؟
مسز هارولد :
هل تعرفين كيف تصرفت؟
ميزي :
ماذا قلت لها؟
مسز هارولد :
رددت عليها فورا وقلت: «لن أزيل التراب عن أوراق الشجر لأي مخلوق.»
ميزي :
نعم ما فعلت.
مسز هارولد :
قالت: «هل تقصدين أنك ترفضين إزالتها؟» قلت: «نعم أرفض.» بل قلت ما هو أكثر من ذلك. قلت: «وأصر على الرفض.» قالت: «إنها بحاجة إلى إزالتها، سواء فعلت أو لم تفعلي.» قلت: «لتكن بحاجة إلى ذلك.» ثم قلت: «إن قليلا من التراب لا يسممها.» وقلت كذلك: «سنكون نحن أنفسنا ترابا في يوم من الأيام، ما لم نمت غرقا.» (تتوجه نحو ستار الباب.)
ميزي :
نعم ما فعلت.
مسز هارولد :
نعم لقد قلت لها ذلك (تتطلع خلال الحجرات) .
ميزي :
إن أسوأ النساء ممن نخدمهن من تكون مجنونة ببيتها.
مسز هارولد :
أعتقد ذلك أيضا؛ لأني أومن أنهن يكن مجنونات نصف الوقت. وقد تجن المرأة ببيتها يا ميزي كما تجن بأي شيء آخر.
ميزي :
بالتأكيد.
مسز هارولد :
كانت زوجة دكتور نكلسن واحدة من هؤلاء، ولو أنها لم تكن سخية كهذه المرأة.
ميزي :
لا، ذلك شيء يجب أن نعترف به لمسز كريج. إنها ليست ممسكة.
مسز هارولد :
لا، هذا حق. إنها ليست كذلك.
ميزي :
لا أظنني عملت قط في بيت مائدته معدة كمائدتها.
مسز هارولد :
هذا حق، وتستطيعين دائما أن تتناولي ما يتناولون.
ميزي :
وكذلك لا تضطرين قط أن تطالبي بأجرك (يدق جرس الباب) .
مسز هارولد :
إنها في ذلك طيبة جدا.
ميزي (تتوجه إلى الباب لترى من به، وهي تسوي طاقيتها وفوطتها) :
يخيل إلي أن هذا هو الرجل الذي ينتظره مستر كريج.
مسز هارولد :
اخرجي، عندما تعودين يا ميزي (تخرج خلال ستار الباب ويهبط مستر كريج من الدرج).
بيركماير (عند الباب الخارجي) :
مساء الخير، هل مستر كريج هنا؟
ميزي :
نعم يا سيدي هو هنا. (يسمع صوت الباب الحاجز عند إغلاقه، ويدخل بيركماير.)
كريج :
أهلا بك يا بلي، كيف حالك؟
بيركماير (يصافحه باشتياق) :
أهلا يا والت (ويحدق في عيني كريج) .
كريج :
طلبت بيتك منذ لحظة (بيركماير يلتفت إلى البيانو وهو يرتدي معطف المطر والقبعة)
فقد وجدت هنا رسالة لي عند مقدمي تقول فيها إنك قصدت داري. (تدخل ميزي وتسير نحو ستار الباب.)
بيركماير :
نعم، كنت أحاول أن أعثر عليك منذ الساعة الرابعة.
كريج :
دعني أخفف عنك ما ترتدي من لباس. (تقف ميزي قريبا من ستار الباب وتلتفت خلفها لعلهما يريدانها أن تأخذ ما لدى بيركماير من أشياء.)
بيركماير :
لا، شكرا يا والتر، فلا بد لي من العودة فورا إلى منزلي. (تخرج ميزي، ويتقدم كريج نحو النضد.)
كريج :
هل ما زال أبوك هنا؟
بيركماير :
وسيلبث هنا يوما أو يومين آخرين (ينعم النظر خلال ستار الباب، ثم يسير نحو مؤخرة الحجرة) .
كريج (يراقبه في شغف) :
ما بك؟ (يشير بيركماير إشارة حاذقة تدل على أن ميزي قد تكون على مسمع منهما)
وما الأمر؟
بيركماير (يقترب من كريج ويضع يده على كمه) :
ماذا هناك يا والت؟
كريج :
عم تسأل؟
بيركماير :
عن فرجس وزوجه، كنت لديهما في الليلة الماضية. أليس كذلك؟
كريج :
أجل، ومن هناك تحدثت إليك.
بيركماير :
عجبا، وماذا حدث هناك يا والتر؟
كريج :
ماذا تعني؟
كريج :
ألم تطلع على صحف المساء؟
بيركماير :
لا لم أطلع عليها بعد. لماذا؟
بيركماير (يكبت تعجبه، ويسير نحو البيانو ليخرج من جيبه صحيفة) :
وحق يسوع لقد نجوت.
كريج :
لماذا؟ ماذا حدث؟
بيركماير :
لقد مات فرجس وزوجته.
كريج :
ماذا تقول؟
بيركماير :
وجدا هذا الصباح في المكتبة.
كريج :
تعني باسمور؟
بيركماير (يناوله الصحيفة) :
ها هو ذا الخبر في الصفحة الأولى من «التلغراف».
كريج (يتجه يمينا) :
ماذا تقول يا بلي؟
بيركماير (يتجه نحو ستار الباب ويتطلع إلى الخارج) :
الخبر في كل صحيفة من صحف المدينة.
كريج :
أين هو؟
بيركماير (يتجه إلى يسار كريج ويشير إلى أحد العناوين) :
فرجس باسمور وزوجته وجدا صريعين بالمكتبة.
كريج :
يا إلهي!
بيركماير (يتجه يسارا ويخرج من صندوقه سيجارة) :
حدث أني اطلعت على الخبر في صحيفة كان يحملها رجل يتقدمني في مصعد هابط في مبنى لاندتايتل في نحو الساعة الرابعة، وكاد قلبي أن ينفطر، وحاولت أن أتصل بك تليفونيا منذ ذلك الحين. وقد رأيتها بنفسي في رتز في الليلة الماضية في الساعة الثانية عشرة، بل كنت أتحدث إليها، ودعوت ذلك الرجل العجوز على عشاء خفيف بعد الاستعراض، وهناك رأيتها مع ذلك الضابط الذي صاحبته أخيرا (يضع يده على ذراع كريج فجأة) .
وهذا تفسيري للحادث يا والتر: أعتقد أنها لاعبت ذلك الضابط مؤخرا أكثر مما ينبغي، ونمى ذلك إلى فرجس. وربما أثار الموضوع عند عودتها مساء الأمس، فنشب بينهما نزاع، وأنت تعلم أنه كان دائما يغار عليها غيرة جهنمية (يخطو إلى مؤخرة الغرفة خطوة أو خطوتين ويتطلع من ثنايا ستار الباب) .
كريج :
لا بد أن يكون في الأمر خدعة يا بلي.
بيركماير (يتقدم مرة أخرى) :
كيف يكون فيه خدعة يا والتر؟ وهل تظن أن الصحف تنشر هذا النبأ مازحة؟
كريج :
لقد كنت هناك ليلة الأمس حتى الثانية عشرة.
بيركماير (يسحق السيجارة بين إصبعيه) :
من الواضح أن الحادث وقع بعد انصرافك. هل عادت إلى بيتها قبل أن تغادره ليلة الأمس؟
كريج (يرفع رأسه عن الصحيفة) :
ماذا تقول؟
بيركماير :
أقول هل عادت أدليد ليلة الأمس قبل أن تغادر بيتها؟
كريج :
لا، ولكنها كانت هناك عندما ذهبت، في نحو الساعة التاسعة، ثم خرجت إلى مكان ما.
بيركماير :
نعم، وأنا أعرف أيضا من خرجت معه. وهذه هي المرة الثالثة التي ألاقيها فيها مع ذلك الطائر في الأيام الأخيرة، وأود أن أعرف اسمه أيضا على الفور؛ فقد تكون له يد في هذا الحادث.
كريج :
هل ذهبت إلى هناك بعد ذلك؟
بيركماير :
تقصد إلى بيت فرجس؟
كريج :
نعم.
بيركماير :
بالتأكيد، هرعت إلى هناك فور اطلاعي على الخبر، ولكنك لا تستطيع أن تقترب من المكان.
كريج :
أعتقد أنه لا بد لي من الاتصال برياسة البوليس فورا يا بلي.
بيركماير :
من أجل ذلك أردت أن أتصل بك. تقول الصحيفة إنهم يبحثون عن رجل شوهد وهو يغادر البيت بعد منتصف الليل.
كريج :
هو أنا بالتأكيد.
بيركماير :
لا يتحتم أن تكونه يا والتر.
كريج :
في هذا الوقت غادرت البيت.
بيركماير :
إن ذلك لا يعني شيئا. بيد أني أرى أنه من الخير أن يعلموا بذلك فورا.
كريج (يدور بغتة ثم يتجه نحو التليفون) :
سأطلبهم بالتليفون في الحال بكل تأكيد.
بيركماير (يتابعه) :
تريث لحظة يا والتر، لا تتسرع في تصرفك؛ فأنت تعلم أن أمرا مثل هذا قد يسير في ألف اتجاه واتجاه، ولا أود أن نتصرف تصرفا خاطئا، فمثل ذلك يكون - كما تعلم - مادة تلوكها الصحف. ودعوتنا للعب الورق هناك تثير الشكوك.
كريج :
ولكنك لم تكن هناك.
بيركماير :
أعلم ذلك، ولكني في هذا الأمر لست منزويا يا والتر؛ فإن عدم حضوري إنما كان مصادفة، وقد تحدثت إليك في التليفون في الليلة الماضية من بيتي. وفي مثل هذه الأمور يتتبعون المكالمات التليفونية وما إليها.
كريج (ينظر في الصحيفة مرة أخرى) :
يا إلهي! إنها لمسألة شائكة برغم ذلك يا بلي. أليس كذلك؟
بيركماير (يتلفت يسارا ويمسح بيده جبينه) :
لم أحصر جوانب الموضوع أنا نفسي بعد.
كريج :
يا لفداحة الخطب!
بيركماير :
سيكون صدمة لزوجتك حينما تسمع به. ألا تظن ذلك؟
كريج :
هذا أمر فظيع.
بيركماير :
ويحتمل جدا أن تطلع على الخبر في الصحف هناك في أولبني.
كريج :
لقد عادت من أولبني.
بيركماير :
حقا؟
كريج :
وصلت منذ برهة وجيزة.
بيركماير :
إذن فهي لا تعلم شيئا عن هذا الموضوع بعد؟
كريج :
لا أظن ذلك، إلا إن كانت قد اطلعت مصادفة على الصحيفة التي أتيت بها إلى البيت. ولا أحسب أن هذه الصحيفة قد ذكرت عن الأمر شيئا.
بيركماير :
لم ينشر الخبر في جميع الصحف.
كريج :
تناولت الصحيفة من بائعها وحفظتها في جيبي، ولم أفعل غير ذلك.
بيركماير :
وأين هاريت؟
كريج :
في الطابق العلوي.
بيركماير (يخفض صوته) :
وهل تعلم أنك كنت هناك في الليلة الماضية؟
كريج :
لست أدري، وأعتقد أنها لا تعلم. لا، بل أذكر أني ذكرت ذلك منذ فترة وجيزة.
بيركماير (يتقدم إلى جوار كريج، ويضع يده على ذراعه) :
استمع إلي يا والتر، إذا حدث أنها لم تطلع على الصحيفة، فإن ما لم تعلم به لا يهمها، وسوف تتضح جلية الأمر بين يوم وليلة، بل قد يتضح الآن فيما أظن؛ لأني أعتقد أن البوليس يتحرى الحقيقة طوال اليوم، ولكني أعتقد أن خير ما نقوم به من عمل الآن أن نسارع إلى هناك ونحاول أن نكتشف مجرى الأمور. وإذا كان الأمر لا يزال غامضا نتصل برئاسة البوليس ونخبره بموقفنا.
كريج (يلقي الصحيفة فوق المقعد إلى جوار نضد التليفون) :
نعم، دعنا نفعل ذلك، وانتظر حتى آتي بقبعتي (يخرج خلال ستار الباب) .
بيركماير (يتجه إلى البيانو ليحمل أشياءه) :
معي عربتي خارج البيت. ونستطيع أن نعبر الحديقة ونصل إلى هناك في عشر دقائق (يحمل معطف المطر فوق ذراعه، ويلتقط قبعته، ويخطو بسرعة ليأخذ الصحيفة التي تركها كريج فوق المقعد، ويلقي بنظرة إلى أعلى الدرج وخلال ستار الباب، ثم يشاهد كريج خارجا من الحجرة المجاورة، ويسير نحو الباب الأمامي) .
كريج (يدخل لابسا قبعته وحاملا الصحيفة التي أتى بها إلى البيت) :
سآخذ هذه الصحيفة معي وسأخفيها عن الأنظار.
بيركماير :
والأخرى معي هنا في جيبي (يخرج بيركماير) .
كريج (يتطلع في أرجاء الغرفة وهو يسير نحو الباب الخارجي) :
نحن نشتري «الدنيا» في المساء. غير أن عيني لم تقع عليها في أي مكان هنا (ثم يخرج) .
بيركماير :
عربتي هناك في الخارج.
كريج (من الخارج) :
أعتقد أن أقصر الطرق عبر الحديقة.
بيركماير :
نعم، ونستطيع أن نصل إلى هناك في عشر دقائق. (ثم يسود سكون مميت، وتدق ساعة كبرى في مكان ما ناحية اليمين: النصف بعد السادسة في صوت ناعم، ثم تسود فترة يسيرة من السكون، وبعدئذ تندفع مسز كريج خلال ستار الباب حاملة صحيفة منشورة، ثم تلحظ أن الغرفة خالية من كل إنسان، فتهرع إلى النافذة لعلها تجد مستر كريج في مكان ما، ثم تتجه نحو الباب الأمامي، ولكنها تعدل عن رأيها، وتهرع نحو مطلع الدرج.)
مسز كريج (منادية فوق الدرج) :
والتر! والتر! هل أنت في الطابق الأعلى يا والتر؟ (تسارع إلى الغرفة مرة أخرى ثم تتجه نحو ستار الباب)
ميزي! ميزي! (تعدو نحو الباب الخارجي ثم تخرج، وتدخل ميزي خلال ستار الباب وتتطلع حولها، وتسير بعدئذ نحو الباب الخارجي، وتعود مسز كريج مرة أخرى مسرعة.)
ميزي :
هل كنت تنادينني يا مسز كريج؟
مسز كريج :
نعم يا ميزي، هل رأيت لمستر كريج أثرا؟
ميزي :
نعم كان هنا منذ بضع دقائق يا مسز كريج، بصحبة رجل.
مسز كريج :
أي رجل؟ ومن هو؟
ميزي :
لا أدري من هو يا مسز كريج، لم أره من قبل قط.
مسز كريج :
ألم تسمعي باسمه؟
ميزي :
لا يا سيدتي لم يطرق اسمه سمعي. ولقد جاء في سيارة.
مسز كريج :
وهل انصرف معه مستر كريج؟
ميزي :
لست أدري إن كان قد انصرف أو لم ينصرف يا مسز كريج. ولم أعلم بخروجه.
مسز كريج (تدير ميزي في لهفة من كتفها وتدفعها نحو ستار الباب) :
انظري هل قبعة مستر كريج فوق المشجب؟
ميزي (تخرج مسرعة) :
أليس في غرفته؟
مسز كريج :
لا، إنه ليس فيها (تلتفت وهي تلهث وتوجه نظرها ناحية المشربية أعلى اليسار)
يا إلهي! (وتلتفت ناحية ستار الباب مرة أخرى)
هل وجدتها؟
ميزي (من مكان ما في الخارج ناحية اليمين) :
لا يا سيدتي، لم أجدها.
مسز كريج :
أصغي إلي ميزي. سارعي إلى مخزن العربات وانظري إن كان هناك. لا، لا، تعالي من هذا الطريق، فهو أقصر (تنتظر في هلع شديد حتى تندفع ميزي خلال ستار الباب ثم تسير نحو الباب الخارجي)
وإن ألفيته هناك، قولي له يحضر إلى هنا في الحال؛ فإني أود أن أراه.
ميزي :
سأفعل يا سيدتي (يحدث الباب الحاجز صوتا في إثرها، وتهرع نحو المشربية إلى اليسار) .
مسز كريج :
أسرعي يا ميزي، قولي له إني أريده فورا (تدخل من الباب وتستند إلى قائمته ناظرة إلى الخارج رأسا بعين مفتوحة، وهي تلصق الصحيفة بصدرها).
يا إلهي! (ثم تسرع نحو النضد الوسيط، ثم تتجه نحو النافذة الأمامية ناحية اليمين)
رباه! (وتقف وهي تنظر في لهفة خلال النافذة ناحية اليسار، كأنها تراقب ميزي وهي تجري في الطريق.) (ينزل الستار رويدا رويدا.)
الفصل الثاني
(بعد عشر دقائق مسز كريج تقف عند النافذة الأمامية وهي تطالع الصحيفة، ثم تكف عن القراءة، وتتطلع خارج النافذة، ثم تسير نحو المشربية إلى اليسار وهي تكظم يأسها، وتتطلع إلى الخارج مرة أخرى متلهفة، وتدخل مسز هارولد من ناحية اليمين.)
مسز هارولد :
هل ميزي هنا يا مسز كريج؟ (تتلفت مضطربة.)
مسز كريج :
لا، ليست هنا يا مسز هارولد، بعثت بها في مهمة، وستعود بعد لحظة.
مسز هارولد (تلتفت لتخرج مرة أخرى) :
قلت لها يخيل إلي أني أسمعك تنادينها. (يدق جرس التليفون.)
مسز كريج :
أرجوك يا مسز هارولد أن تردي على التليفون وتري من المتكلم. (مسز هارولد تعود وترفع سماعة التليفون.)
مسز هارولد :
هالو. هالو.
مسز كريج :
ما الخبر؟ ألا يرد عليك أحد؟
مسز هارولد :
لا يا سيدتي، لم يرد أحد بعد. هالو.
مسز كريج (تلتفت نحو النافذة مرة أخرى) :
لا يهم يا مسز هارولد، ربما كان خطأ.
مسز هارولد (تضع السماعة) :
يحدث ذلك أحيانا حينما يكون الطلب من بعيد (مسز كريج تلتفت بغتة) .
مسز كريج :
لم يقولوا إن المسافة بعيدة. أليس كذلك؟
مسز هارولد :
لا يا سيدتي لم يقولوا شيئا، ولم يرد البتة أحد.
مسز كريج :
حسنا، إذا أرادونا فليطلبونا مرة أخرى.
مسز هارولد :
أرجوك يا مسز كريج أن تخبري ميزي عند عودتها أني أريدها.
مسز كريج :
سأبعث بها إليك بمجرد عودتها (تخرج مسز هارولد خلال ستار الباب، وتتجه مسز كريج صوب النافذة الأمامية وتتطلع إلى الخارج، وتشاهد ميزي مسرعة في عودتها من مخزن العربات، ثم تخطو مسرعة نحو الباب على اليسار، ثم تشاهد ميزي وهي تجري بجانب المشربية، ويحدث الباب الحاجز صوتا وتندفع ميزي إلى الداخل).
هل وجدته هناك يا ميزي؟
ميزي :
لا يا سيدتي، لم أجده.
مسز كريج :
هل أنت واثقة؟
ميزي :
نعم يا سيدتي وقد بحثت في كل مكان.
مسز كريج :
هل بحثت خلف المخزن؟
ميزي :
نعم يا سيدتي بحثت في كل الأرجاء. وكان مستر فوستر العجوز واقفا هناك، وسألته هل شاهد مستر كريج في أي مكان، وأجاب بأنه لم يشاهده.
مسز كريج :
هل مخزن العربات مغلق؟
ميزي :
نعم يا سيدتي، وقد حاولت فتح الباب.
مسز كريج :
وهل استطعت أن تري إن كانت العربة هناك أم لا؟
ميزي :
نعم يا سيدتي، كلتا العربتين هناك، والصغيرة أيضا؛ فقد تطلعت خلال الزجاج (مسز كريج تسير يمينا وملامحها تدل على انزعاجها، ثم تتجه ناحية المرآة وتتجه ميزي نحو الباب على اليمين)،
أعتقد أنه ذهب مع الرجل الذي كان هنا.
مسز كريج :
ربما كان ذلك. تقولين يا ميزي إن هذا الرجل جاء في سيارة؟
ميزي :
نعم يا سيدتي، وأعتقد أنها سيارته، وكانت واقفة أمام البيت تماما حينما فتحت له الباب.
مسز كريج :
حسنا يا ميزي، مسز هارولد تريدك في أمر ما.
ميزي (تخرج) :
حقا؟ (مسز كريج تتكئ على رف المدفأة وتفكر مليا، ويدق جرس التليفون، فتلتفت وتنظر إلى التليفون، ويدق الجرس مرة أخرى، فتتقدم لتجيب، وتدخل ميزي.)
مسز كريج :
سأجيبه يا ميزي.
ميزي :
حسنا (ثم تنسحب، وترفع مسز كريج سماعة التليفون) .
مسز كريج (في صوت خافت) :
ميزي.
ميزي :
نعم يا سيدتي.
مسز كريج :
تعالي هنا لحظة (تظهر ميزي خلال ستائر الباب).
اصعدي وتأكدي من أن باب مس لاندرث مغلق.
ميزي (منسحبة) :
سأفعل.
مسز كريج :
افعلي ذلك الآن في صمت شديد يا ميزي، ولا تزعجيها إن كانت نائمة.
ميزي :
سأفعل. (جرس التليفون يدق مرة أخرى.)
مسز كريج :
هالو. نعم. نعم. (تنظر إلى أعلى الدرج، ثم تنتظر )
هالو. نعم (في صوت أعلى)
هالو، نعم. أنا مسز كريج التي تتكلم، مستر كريج ليس هنا الآن، إن كنت تريده. أوه ... لماذا ... إن ... مس لاندرث ترقد الآن. من المتكلم من فضلك؟ أوه، نعم، لماذا؟ لا شيء البتة يا مستر فردريسكي غير أنها متعبة جدا. وصلنا الآن فقط من أولبني، واقترحت عليها أن تصعد إلى أعلى وترقد لفترة ما. نعم، تسألني ماذا سوف أعمل؟ لا، لم أفهم ما قلت يا مستر فردريسكي. نعم بالطبع، سأعود معها إذا تطورت الأمور إلى غير ما ننتظر، وإلا عادت وحدها. وإنما نحن ننتظر الآن أن نسمع شيئا من طبيب أمها هناك. نعم، بالطبع أنا واثقة. لماذا تتعب نفسك يا مستر فردريسكي؟ لن تجد ما تستطيع أن تفعله إذا جئت إلى هنا. وإذن فإني أوثر - إن سمحت - ألا تحضر إلى هنا يا مستر فردريسكي، فهي راقدة. هل تستطيع أن تخبرني بما تود أن تخبرها به، وأنا أبلغها الرسالة؟ ربما يا مستر فردريسكي. جميل منك جدا أن تضطرب بسببها، غير أني لا أحب أن أزعجها الآن. وإني لآسفة (تتوقف عن الكلام بغتة، وتنظر نحو رأس السلم) . (ميزي تظهر بين ستائر الباب.)
ميزي :
كان الباب مغلقا يا مسز كريج.
مسز كريج :
حسنا يا ميزي (ميزي تنسحب، وتتحرك مسز كريج إلى الأمام متفكرة، ويدق الباب دقة، فتتقدم ميزي لتفتح الباب، وتحدق مسز كريج ناحية الباب)،
انظري ما يطلب هؤلاء الرجال يا ميزي.
ميزي :
حسنا يا سيدتي.
كاتل (عند الباب الخارجي) :
هل مستر كريج هنا؟
ميزي :
لا يا سيدي، ليس هنا الآن. خرج منذ نحو عشرين دقيقة.
كاتل :
ومتى تتوقعين عودته؟
ميزي :
لا أستطيع أن أقول على وجه التأكيد. غير أني أتوقع أن يعود في موعد العشاء، حول السابعة مساء.
كاتل :
وهل زوجته بالدار؟
ميزي :
نعم هي هنا.
كاتل :
أود أن أتحدث إليها دقيقة إذا سمحت. (تختفي مسز كريج في ثنايا الستائر - بعد أن كانت تقف ساكنة لتصغي - وتتطلع في خشية نحو الباب الخارجي.)
ميزي :
نعم يا سيدي، تفضل بالدخول (يغلق الباب الحاجز، وتسارع ميزي إلى الغرفة مباشرة).
إذا جلست على أحد الكراسي لحظة، ناديتها لك. (كاتل يتجول في الداخل، ويخلع قبعته، ويتبعه هاري، الذي يخلع أيضا قبعته عند دخوله، ويتقدم كاتل نحو النضد الوسيط، حيث يضع قبعته، ثم يستخرج مذكرة صغيرة من الجلد من جيبه الداخلي، ويتقدم هاري ويجلس فوق الكرسي إلى جوار البيانو ثم يسود الصمت.)
هاري :
هذا المكان تكلف أكثر مما يساويه، رطل من الشاي.
كاتل :
إن مالهم كثير، وهم من رجال شركة تأمين فينكس للحريق. كان أبوه مدير الشركة، وقد مات منذ نحو اثني عشر عاما، وأعتقد أن الرجل سوف يحتل مكانة أبيه، إذا امتد به الأجل. (مسز كريج تدخل خلال ستائر الباب، وينهض هاري، ويلتفت كاتل نحوها.)
مسز كريج :
مساء الخير.
هاري :
مساء الخير.
كاتل :
مساء الخير يا سيدتي. أتيت لمقابلة مستر كريج.
مسز كريج :
ليس مستر كريج هنا الآن، وإني لآسفة.
كاتل :
وهل أنت مسز كريج؟
مسز كريج :
نعم.
كاتل :
هل تعرفين على وجه التقريب متى يعود مستر كريج؟
مسز كريج :
إني أتوقع عودته في كل لحظة. كان هنا منذ أقل من نصف ساعة حينما صعدت إلى الطابق العلوي؛ ولذا فلا بد أن يكون هنا في مكان ما بهذا الحي.
كاتل (ينظر في ساعته) :
لقد اقتربت عودته.
مسز كريج :
سيعود بالتأكيد لعشائه في الساعة السابعة، إن شئت أن تعود.
كاتل :
لا بد لي أن أكون في الجانب الآخر من المدينة في الساعة السابعة. وربما استطعت أنت أن تمديني بالمعلومات التي أبحث عنها مثلما يستطيع مستر كريج. هلا جلست دقيقة واحدة!
مسز كريج :
نعم بكل تأكيد (تلتفت إلى الكرسي أمام رف المدفأة وتجلس، ويعود هاري إلى كرسيه بجانب البيانو، ويجلس كاتل على المقعد الصغير المجاور للنضد الوسيط) .
كاتل :
وددت أن أتحدث إلى مستر كريج أولا، ولكني أعتقد أنه ليس هناك فارق كبير.
مسز كريج :
ظننته عند مخزن العربات؛ فقد كنت أنا نفسي أريده منذ لحظات، غير أن الخادمة تقول إنه ليس هناك.
كاتل :
إذن فسأخبرك ما أردت أن أقابله بشأنه يا مسز كريج. أعتقد أنك قرأت في صحيفة المساء عن ذلك الحادث المؤسف الذي وقع هنا في شارع ولوز؟
مسز كريج :
تقصد حادث القتل بالرصاص؟
كاتل :
نعم، في بيت باسمور.
مسز كريج :
نعم قرأت. أليس الحادث مفزعا؟ كنت أطالعه هنا منذ برهة.
كاتل :
نعم، إنه لحادث محزن.
مسز كريج :
مات كلاهما. أليس كذلك؟
كاتل :
نعم، مات كلاهما.
مسز كريج :
أليس الأمر مروعا؟ ذلك ما أردت أن أقابل زوجي بشأنه. أردت أن أسأله إن كان يعرف ذلك الرجل.
كاتل :
أرجح أنه يعرفه؛ فهم قوم معروفون حق المعرفة في هذه المدينة.
مسز كريج :
نعم، لا بد أن يكونوا كذلك، طبقا لما جاء في الصحيفة، ولم تتسع لي الفرصة لكي أطلع عليها كلها بعد، فقد وصلت من أولبني لتوي.
كاتل :
إنه حادث عجيب جدا.
مسز كريج :
هل كان من أجل سرقة أو ما إلى ذلك؟
كاتل :
لا، لم يفقد شيء البتة. وبالطبع ربما كانت محاولة فاشلة للسرقة، غير أن ذلك لا يفسر إطلاقا بعض ما أحاط الحادث من ظروف.
مسز كريج :
وهل أنتما يا سيدي مشتغلان بهذه القضية؟
كاتل :
نعم يا سيدتي، نحن من رئاسة البوليس، غير أن ذلك لا ينبغي أن يزعجك يا مسز كريج؛ فليست هناك علاقة خاصة بين ذلك وزيارتنا هذا المكان.
مسز كريج :
يسعدني أن أعلم ذلك.
كاتل :
لا، يبدو لي في جلاء أن هذا الحادث الذي وقع لباسمور إنما كان بدافع الغيرة. هناك بالطبع ملابسة أو ملابستان - كما يوجد عادة في القضايا التي من هذا القبيل - غير أنهما لا تدلان على شيء فيما يتعلق بإطلاق الرصاص؛ فقد شوهد رجل يغادر البيت في سيارة بعد منتصف الليل بقليل، وحدث أن رآه أحد الجيران، غير أن الظلام كان أحلك من أن يتحقق من شخصيته. ولا يفسر ذلك - فوق هذا - مقتل مسز باسمور؛ لأنها لم تعد إلا بعد الساعة الثالثة. وقد غادر الرجل البيت بين الثانية عشرة والواحدة.
مسز كريج :
ثم ماذا؟
كاتل :
ولكنه - كما تعلمين بالطبع يا مسز كريج - جزء من عملنا أن نتابع أي دليل خارجي نعثر عليه مصادفة مما قد يلقي ضوءا جديدا على القضية.
مسز كريج :
طبعا.
كاتل :
ومن أجل هذا أردت أن أقابل مستر كريج.
مسز كريج :
تعني أنك تعتقد أن مستر كريج ربما كان ذلك الرجل الذي شوهد وهو يغادر ذلك المكان مساء الأمس؟
كاتل :
لا. الواقع أننا لا نبحث هذا الظرف بشكل جدي؛ لأن بيتا بهذه الصفة ربما زاره عدد من الزائرين أثناء الليل.
مسز كريج :
هذا حق.
كاتل :
غير أنه جاءنا تقرير هذا المساء يا مسز كريج من الإدارة المركزية للبنروك تليفون - الذي يصدر عنه خط تليفونكم - أن تليفونكم قد طلب في الدقيقة السابعة والعشرين بعد الخامسة هذا المساء للسؤال عن عنوان التليفون رقم لفرنج 3100، وذلك هو رقم تليفون بيت مستر باسمور.
مسز كريج :
تقصد أن سائلا سأل من هنا؟ (مشيرة إلى التليفون.)
كاتل :
نعم من هذا التليفون يا سيدتي، أوكديل 623، وذلك هو رقم تليفونكم هنا. أليس كذلك؟
مسز كريج :
نعم، هو رقمنا.
كاتل :
ذلك ما هو مدون عندي.
مسز كريج :
لا أستطيع أن أتخيل من الطالب.
كاتل :
يقول التقرير إنه صوت امرأة.
مسز كريج :
وهل تعرف من الذي قدم التقرير؟
كاتل :
لا أستطيع أن أخبرك بهذا يا مسز كريج.
مسز كريج :
أقصد أن أقول: أليس من الجائز أن مقدم التقرير ربما أخطأ في الرقم؟
كاتل :
لا، إنهم في العادة في منتهى الدقة في مسألة من هذا القبيل.
مسز كريج :
وكان الطلب في الخامسة من هذا المساء، كما تقول؟
كاتل :
يقول تقريري إنه كان في الدقيقة السابعة والعشرين بعد الخامسة، والعاملة لم تعط الطالب العنوان بطبيعة الحال؛ فذلك يخالف تعليمات شركة التليفون وبعدئذ أنهى الطالب مكالمته.
مسز كريج :
هذا عجيب، وربما كانت إحدى الخادمات، ربما قرأت الخبر في صحيفة المساء ودفعها حب الاستطلاع إلى أن تتعرف إلى مكان الحادث (تنهض)
سوف أسألهم.
كاتل :
كنت أستطيع أن أفهم هذا الفضول لو أن العنوان لم ينشر، ولكنه منشور، ورقم التليفون غير منشور ؛ فمهمتي أن أعرف لماذا يكون رقم التليفون خاصة عند شخص ما في هذا اليوم ولا يعلم العنوان في حين أنه في جميع الصحف منذ الساعة الثانية بعد ظهر اليوم، وهذا الطلب لم يتم إلا بعد الخامسة.
مسز كريج :
ليس في هذا ما يدعو إلى العجب.
كاتل :
لم أستطع أن أجد له تعليلا.
مسز كريج :
ولكني أستطيع أن أقول إن له تفسيرا يسيرا جدا.
كاتل :
هل استعمل هذا التليفون هنا أي استعمال - فيما تعلمين يا مسز كريج - منذ الخامسة بعد ظهر اليوم؟
مسز كريج :
أجبت طلبا منذ لحظات من نورثامبتن في ماساشوست.
كاتل :
تقصدين طلبا من مكان بعيد.
مسز كريج :
نعم، وكان المتكلم مستر فردريكس، من كلية سمث هناك، يطلب ابنة أختي ليستفسر منها عن أمها المريضة في أولبني.
كاتل :
فهمت.
مسز كريج :
ومن هناك أتينا منذ وقت قصير.
كاتل :
وهل تعلمين بأحد جاء من الخارج منذ الساعة الخامسة؟
مسز كريج :
لم يجئ أحد فيما أعلم، غير جارة تقطن عبر الشارع واسمها مسز فريزير، جاءت ببعض الزهور لعمة زوجي، كانت هنا عند عودتي. وإن كنت أرجح أنها لم تستعمل التليفون، ولكني سوف أسأل مس أوستن إن شئت.
كاتل :
أرجو أن تفعلي إذا لم يكن لديك ما يمنع.
مسز كريج (تتجه نحو مطلع الدرج) :
ليس عندي البتة ما يمنع، وأعتقد أنها في غرفتها.
كاتل :
أرجو أن تطلبي إليها أن تنزل إلى هنا لبضع لحظات.
مسز كريج :
سأفعل بكل تأكيد (منادية)
مس أوستن. مس أوستن. (يسمع صوت باب يفتح في مكان ما بالطابق العلوي.)
مس أوستن (من أعلى) :
هل يناديني أحد؟
مسز كريج :
نعم، هو أنا يا مس أوستن، أرجو أن تنزلي إلى هنا دقيقة أو دقيقتين يا مس أوستن، أود أن أتحدث إليك.
مس أوستن :
لا مانع، وسأكون عندك بعد لحظة.
مسز كريج (تدور لكي تعود) :
أرجوك إذا سمحت! ستنزل فورا.
كاتل :
شكرا جزيلا لك.
مسز كريج (تتقدم نحو ستائر الباب) :
يحسن فيما أعتقد أن أستدعي الخادمات كذلك. أليس كذلك ؟ ربما عرفن شيئا بهذا الخصوص.
كاتل :
نعم أود أن أراهن لحظة.
مسز كريج (تخرج خلال الستائر) :
سأستدعيهن في الحال. (كاتل ينظر في ساعته ثم ينهض.)
كاتل (يسير نحو الستائر) :
كم الساعة عندك يا هاري؟ (ويتطلع بحدة خلال الستائر.)
مسز كريج :
ميزي.
هاري :
السابعة تماما.
ميزي (من الخارج ناحية اليمين) :
نعم يا سيدتي.
مسز كريج :
تعالي هنا لحظة واحدة.
كاتل :
هل تمانعين في أن أستعمل هذا التليفون يا مسز كريج؟
مسز كريج :
سيأتين فورا (تدخل) .
كاتل :
هل تمانعين في أن أستعمل هذا التليفون لحظة واحدة؟
مسز كريج (تتقدم) :
لا، استعمله كيفما شئت، لم أسمع ما قلت.
كاتل :
لدي مكالمة ضرورية في تمام الساعة السابعة.
مسز كريج :
حسنا جدا (يدير قرص التليفون ويقف ممسكا بالتليفون، وتتسمع مسز كريج في شغف شديد) .
كاتل (في التليفون) :
4000، نعم. (يسود السكون، ثم تدق الساعة السابعة في صوت ناعم، وتدخل ميزي عند الدقة الثالثة.)
ميزي :
هل تريدينني يا مسز كريج؟ (مسز كريج تشير إليها بأن تلزم الصمت. وتقف ميزي متطلعة تارة إليها وتارة إلى غيرها في حيرة شديدة.)
كاتل :
ثيلتز؟ كاتل. أصحيح هذا؟ غادرت هناك قبل السادسة. المدة؟ حسنا يا عزيزي. ماذا تريد أن تفعل، أن تحطم قلب هاري؟ (يضحك ضحكة قصيرة جافة)
حسنا يا عزيزي، سأوافيك حالا (ينهي المكالمة ثم يسير نحو النضد ليأخذ قبعته).
يحسن أن نتوجه إلى هناك فورا يا هاري (هاري ينهض ويتقدم نحو الباب).
لن أزعجك بعد ذلك يا مسز كريج؛ فلقد بلغت رئاسة البوليس أنباء أخرى تعين على توضيح الأمر مؤقتا.
مسز كريج (تتحرك نحو النضد الوسيط) :
هل تريدني أن أقول لمستر كريج أن يتصل بك عند عودته؟
كاتل :
لا، سنتصل به نحن إن لزم الأمر.
مسز كريج :
ولا تريد أن تسأل بقية القوم الآن؟ (يخرج هاري.)
كاتل :
لا أريد ذلك الآن يا مسز كريج، وشكرا كثيرا لك (يسير نحو الباب) .
مسز كريج :
أؤكد لك أنك على الرحب دائما. لسنا في حاجة إليك الآن يا ميزي. (ميزي تنسحب على مضض، وعيناها موجهتان نحو كاتل.)
كاتل :
آسف لأني أزعجتك.
مسز كريج (تتبعه حتى الباب) :
ليس هناك ما يزعج.
كاتل (يلتفت عند الباب) :
تستطيعين أن تشرحي الظروف لمستر كريج إن شئت.
مسز كريج :
سوف أفعل، وربما كان يعرف عن الموضوع بعض الشيء.
كاتل (يخرج) :
الراجح أنه يعلم.
مسز كريج :
وإذا كان لا يعلم، فأنا أؤكد أن أحد الآخرين لا بد أن يعلم.
كاتل :
حسنا، وشكرا لك كثيرا يا مسز كريج.
مسز كريج :
أؤكد لك أنك على الرحب دائما.
كاتل :
مساء الخير.
مسز كريج :
مساء الخير. (يغلق الباب الحاجز، وتتلفت مسز كريج متباطئة، وترفع يديها المنقبضتين في ذعر شديد، ثم تسارع إلى النافذة وترقب رجلي البوليس السري وهما يسيران في الطريق. تنزل مس أوستن من الدرج في صمت، وتقف عند عتبة الباب، ناظرة إليها.)
مس أوستن :
هل تريدين مقابلتي في شأن من الشئون يا هاريت؟ (مسز كريج تتنبه قليلا.)
مسز كريج (تخرج خلال الستائر) :
لا. لا أريدك الآن يا مس أوستن، ليس الأمر ضروريا، وآسفة لإزعاجك. (تقف مس أوستن برهة ناظرة إليها، ثم تتقدم نحو النافذة لعلها تعرف ما كان يشغل بال مسز كريج، ثم تسير نحو التليفون، متطلعة خلال الستائر، وتدير قرص التليفون.)
مس أوستن (في التليفون) :
هالو؟ هذا مكتب ماورز إكسبرس؟ في أي وقت مبكر يمكن نقل بعض الأشياء غدا صباحا؟ 680 بلمونت مانور. نعم، تفصله عن الحديقة إحدى العمارات. حسنا. الساعة الثامنة وقت مناسب. مس إيرين أوستن. نعم، هو ذا، شكرا (تنهي المكالمة وتصعد الدرج) . (مسز كريج تدخل خلال ستار الباب، وتنظر إلى أعلى السلم، وتسير إلى أسفل الدرج، لترفع بصرها، ثم تتجه نحو نضد التليفون، وتسوي كل شيء في مكانه بدقة، وتظهر ميزي بين الستائر.)
مسز كريج :
ماذا تريدين يا ميزي؟
ميزي :
تريد مسز هارولد أن تعرف هل تعد العشاء الآن يا مسز كريج؟
مسز كريج (تتقدم متفكرة) :
قولي لها تريثي قليلا حتى يصل مستر كريج، وأنا في انتظاره في أي لحظة.
ميزي :
سمعا يا سيدتي. (تخرج، وتقف مسز كريج لحظة في تفكير عميق، ويغلق الباب الحاجز بشدة. وتستدير في حركة سريعة، وهي تسير نحو النضد الوسيط، ثم تتجه إلى الباب. ويدخل كريج، ويخلع قبعته.)
مسز كريج :
أين كنت يا والتر؟
كريج :
في الخارج مع بلي بيركماير. لماذا؟
مسز كريج (مشيرة إلى الباب الآخر للمدخل الزجاجي) :
أغلق هذا الباب (يلتفت ويغلقه، وتسير هي بحذاء عتبة السلم متطلعة إلى أعلى وإلى الخارج خلال الستائر) .
كريج (يعود إلى الغرفة) :
ما الخبر؟
مسز كريج (متلفتة، وعائدة نحوه) :
يا إلهي! ألم تقرأ في صحيفة المساء عن فرجس باسمور وزوجه؟
كريج :
نعم، قرأت.
مسز كريج :
وما بالأمر يا والتر؟
كريج (يضع قبعته على البيانو) :
لا أعرف من الأمر أكثر مما تعرفين يا هاريت.
مسز كريج :
يا إلهي! أليس الأمر مزعجا؟ كاد صوابي يطير في نصف الساعة الماضية. حدث أني قرأت الخبر في هذه الصحيفة عندما نزلت من الدرج، ولم أجدك في أي مكان.
كريج :
خرجت مع بيركماير.
مسز كريج :
هل هو بيركماير الذي كان هنا؟
كريج :
نعم، كان يريد مقابلتي بهذا الخصوص.
مسز كريج :
ولم أعرف إن كنت تعلم بالخبر أم لا؛ لأنك لم تذكر شيئا عنه عندما قدمت هذا المساء.
كريج :
لم أعلم به عندما قدمت في المساء.
مسز كريج (مشيرة إلى الصحيفة فوق النضد) :
الخبر في الصفحة الأولى من هذه الصحيفة.
كريج :
لم أطلع على الصحيفة هذا المساء حتى أطلعني عليها بيركماير.
مسز كريج :
ولماذا لم تدعني عندئذ، بدلا من أن تندفع خارج البيت؟
كريج :
لم أرد أن أزعجك.
مسز كريج (تتقدم إزاء النضد الوسيط) :
ما كنت لأنزعج أكثر مما انزعجت (تلتفت نحوه) . قالت لي ميزي كان هنا رجل وإنك خرجت معه في سيارة؛ ولذا تحيرت بالطبع، وظننت أنك ربما قبض عليك أو حدث لك شيء من هذا. (ينظر إليها في حدة.)
كريج :
لماذا يقبض علي؟
مسز كريج :
في أمر يتصل بهذا الحادث بطبيعة الحال (وتخطو نحوه خطوة).
البوليس يبحث عنك، وأنت تعلم ذلك.
كريج :
من قال إن البوليس يبحث عني؟
مسز كريج :
غادرنا اثنان منهم منذ أقل من خمس دقائق.
كريج :
بوليس؟
مسز كريج :
قالوا إنهما من رئاسة البوليس، وهذا كل ما أعرف.
كريج :
ولماذا يبحثون عني؟
مسز كريج :
لماذا تظن أنهم يبحثون عنك يا والتر؟
كريج :
لست أدري.
مسز كريج :
ألم تذكر هذه الصحيفة أنك شوهدت وأنت تغادر بيت باسمور في الساعة الثانية عشرة مساء الأمس؟
كريج :
الصحيفة لا تذكر أني «أنا» الذي شوهدت مغادرا هذا البيت.
مسز كريج :
تقول الصحيفة إنه شوهد رجل يغادر البيت. ومن ذا عساه أن يكون غيرك؟ فلقد كنت هناك. أليس كذلك؟
كريج :
نعم، كنت هناك.
مسز كريج :
أليس في هذا الكفاية؟ (تسير إلى يسارها، وتسير إلى جوار النضد نحو ستار الباب.)
كريج :
بيد أنهم لا يعرفون ذلك.
مسز كريج :
لا تكن سخيفا يا والتر.
كريج :
من رآني؟
مسز كريج (تعود إليه) :
هناك دائما من يشهد في أمثال هذه القضايا.
كريج :
ومن ذا عسى أن يكون؟
مسز كريج :
رآك المناول. أليس كذلك؟
كريج :
وما خطر ذلك؟ إنه لم يتبين شخصي، ويقول ذلك في الصحيفة. أليس كذلك؟
مسز كريج :
ألا يستطيع أن يعرف صورتك؟
كريج :
ومن يعطيه صورتي؟
مسز كريج :
لا ترفع صوتك في الحديث (تعود نحو ستار الباب لتتأكد من أن الخادمتين لا تنصتان) .
كريج (يتقدم إلى يسار النضد الوسيط) :
على أية حال، لا أعتقد أنه يعرف صورتي حتى إن رآها. لم يدخل المكتبة سوى دقيقتين ليقدم لنا شرابا، وانصرف لتوه، ولم يعرف اسمي؛ لأن فرجس كان يجلس فوق أرض حديقته عندما بلغت بيته، وقادني بنفسه إلى الداخل، وكان المناول في فراشه عند انصرافي.
مسز كريج (تتقدم إلى يمين النضد) :
وهل لم يشهدك أحد آخر من الخدم؟
كريج :
لست أعرف أن أحدا منهم فعل.
مسز كريج (تلتصق به وتخفض صوتها) :
ألم تقل لي إن بلي بيركماير طلبك في التليفون هناك في الليلة الماضية؟
كريج :
نعم تحدثت إليه من هناك.
مسز كريج :
ألم يطرق اسمك أذن المناول عندئذ؟
كريج :
لا؛ لأن فرجس هو الذي رد على التليفون من الوصلة التي بالمكتبة.
مسز كريج :
على أية حال، كان هؤلاء الرجال هنا منذ حين.
كريج :
ماذا كانوا يريدون؟
مسز كريج :
ألم أقل لك منذ لحظة ما أرادوا؟ أرادوا مقابلتك.
كريج :
وهل ذكروا أنهم يعرفون أني أنا الذي كنت هناك في الليلة الماضية؟
مسز كريج :
لا أذكر ما قالوا على وجه الدقة؛ فلقد كنت في غاية الاضطراب، ولكنهم أرادوا أن يعرفوا أين أنت، ولم أستطع بالطبع أن أخبرهم؛ لأنك كنت هنا لما غادرت الحجرة، ثم اختفيت فجأة (تلتفت ناحية اليمين).
لم أقف حياتي هذا الموقف. وإني واثقة من أن أولئك الرجال لا بد اعتقدوا أني أتحاشاهم (تلتفت نحوه ثانية)،
ولكني لم أعرف ماذا أقول لهم. غير أنك ربما خرجت في نزهة قصيرة قريبا من هنا؛ لأني بعثت بميزي إلى مخزن العربات لتبحث عنك بمجرد ما قرأت الصحيفة، وعادت لتقول إن العربتين هناك.
كريج :
خرجت في عربة بيركماير.
مسز كريج :
وإلى أين صحبته؟
كريج :
إلى بيت فرجس.
مسز كريج :
ولماذا بحق السماء فعلت هذا يا والتر؟
كريج :
ولم لا؟
مسز كريج :
هب أنك التقيت بأحد هناك!
كريج :
وما خطر ذلك؟
مسز كريج :
هل تود أن يذكر اسمك في هذه القضية؟
كريج :
سيذكر اسمي فيها على أية حال. أليس كذلك؟
مسز كريج :
ولم ذلك؟
كريج :
قلت إن هؤلاء الرجال كانوا هنا منذ حين.
مسز كريج :
وما خطر هذا؟ إن ذلك لا يعني شيئا.
كريج :
يعني أنهم لا بد ربطوا اسمي بالقضية فعلا. أليس كذلك؟
مسز كريج :
لا، إنه لا يعني شيئا من هذا؛ إذ كانوا يجمعون معلومات فحسب.
كريج :
من أجلي جاءوا لجمع هذه المعلومات؟
مسز كريج :
لأنك كنت صديقا لباسمور.
كريج :
بالضبط، ويحتمل جدا أن يعودوا إلى هنا.
مسز كريج :
ولكن لا ينبغي أن تخرج باحثا عنهم. أليس كذلك؟
كريج (يلتفت ويتوجه صوب الباب على اليسار) :
إنك لا تستطيعين التلاعب في أمر كهذا يا هاريت.
مسز كريج (تتابعه) :
لا، ولا ينبغي لك كذلك أن تندفع خارج البيت لتنتشر حولك الشبهات. وأحسب أنك تدرك من تلقاء نفسك ما يترتب على مجرد ذكر اسمك في قضية كهذه (تلتفت، ثم تتجه صوب النضد الوسيط)،
ولسوف يذاع الخبر في كل صحيفة في البلاد.
كريج (يتقدم إلى يمين البيانو) :
إن ذلك لا يزعجني البتة.
مسز كريج (مذعورة) :
وكيف لا يزعجك.
كريج :
لا يزعجني البتة؛ لأني مرتاح الضمير.
مسز كريج (تتقدم نحوه) :
لا تكن خياليا إلى هذا الحد السخيف يا والتر.
كريج :
ليس في الأمر خيال مطلقا.
مسز كريج :
لا وليست المسألة كذلك مسألة ضمير. الأمر يقوم على العقل، إذا لم تكن لك بهذه القضية صلة، فماذا يفيدك من ارتباط اسمك بها؟
كريج :
ماذا تعنين بقولك «إذا» لم تكن لك بهذه القضية صلة؟
مسز كريج (في انفعال مفاجئ) :
لا تراجعني في كل كلمة أقولها (تتجه يمينا وتقترب من النضد الوسيط ثم تسير نحو ستار الباب).
لقد وجه إلي ما يكفي من الأسئلة في ربع الساعة الماضية (يخرج كريج سيجارة من صندوق ثم يغلق الصندوق محدثا صوتا، وتلتفت نحوه مسز كريج فتجده يوشك أن يدخن).
لا تدخن في هذه الغرفة يا والتر (يقذف بالسيجارة عبر الحجرة نحو الموقد، وتنظر مسز كريج إليها في دهشة ثم تنظر إليه)
هذا مكان غير ملائم لقذفها فيما أظن (تتجه نحو الموقد وتلتقط السيجارة) .
كريج (يجلس في الكرسي إلى يمين البيانو) :
وما خطر ذلك؟
مسز كريج :
ألا تريدها؟
كريج :
وما فائدتها إن كنت لا أستطيع أن أدخنها؟
مسز كريج (تمر بالنضد متجهة نحو الباب الخارجي، وهي تمسك بالسيجارة بعيدا عنها بين إبهامها وسبابتها) :
في البيت أمكنة كثيرة أخرى للتدخين، إن شئت أن تدخن.
كريج :
لا أدري أين هي؟
مسز كريج (تخرج من الباب) :
ألا تستطيع أن تدخن في مخدعك؟
كريج :
إذا أغلقت الباب (يجلس في تفكير عميق، ويحدث الباب الحاجز صوتا، وتعود مسز كريج، وتنعم النظر في الستائر).
هل ذكر هؤلاء الرجال متى يعودون؟
مسز كريج :
لا أذكر إن كانوا ذكروا ذلك أو لم يذكروا. أعتقد أنهم فعلوا، قالوا إنهم سوف يتصلون بك إذا لزم الأمر (تتقدم إلى جواره، وتخفض صوتها)
ولكن، إن عادوا إلى هنا يا والتر فلا تعطهم من المعلومات أكثر مما فعلت.
كريج :
لن أنكر بالتأكيد أني كنت صديقا لفرجس.
مسز كريج :
لست مضطرا إلى أن تنكر أنك كنت له صديقا، ولكنك كذلك لست بالتأكيد مضطرا لأن تجيب عن أسئلة عديدة يوجهها إليك رجال البوليس، لا لشيء إلا لأنك كنت من أصدقائه (تلتفت وتتقدم تجاه النضد الوسيط).
دعهم يذهبون ويستجوبون بعض أصدقائه الآخرين، فلم تكن صديقه الأوحد.
كريج :
ولماذا خضعت أنت لاستجوابهم؟
مسز كريج (متلفتة إليه) :
لأني لم أكن أدرك في ذلك الحين إلى أي حد لهم الحق في سؤالي. حسبت أنهم ربما كانوا يعلمون شيئا عن وجودك عند باسمور في الليلة الماضية، وكنت في حالة ارتباك، أريد أن أتحاشى ذكر شيء يدل على اعترافي بذلك، فبادرتهم بقولي إني عدت لتوي من أولبني؛ ومن ثم فإني أعتقد أنهم افترضوا أني لا أعرف أين كنت مساء الأمس.
كريج :
وكم لبثوا هنا؟
مسز كريج :
نحوا من ربع ساعة فيما أظن، ولكنها بدت لي عاما كاملا.
كريج :
وفيم كانوا يتحدثون طيلة هذا الوقت؟
مسز كريج :
يتحدثون عنك، وعن فرجس باسمور، وأين كنت، ومتى تعود، وفي كل أمر من الأمور (تذهب إلى البيانو وتلتقط قبعته، وتسوي مفرش البيانو) .
كريج :
وهل ذكروا أنهم زاروا أحدا آخر من أصدقاء فرجس؟
مسز كريج :
لا أذكر، ربما فعلوا، ذكروا شيئا عن شهرته هنا في الحياة الاجتماعية؛ ولذلك فعلوا. (يفكر هنيهة.)
كريج (ينهض فجأة ويتجه نحو التليفون) :
يحسن أن أطلب بيركماير وأسأله إن كانوا قد توجهوا إلى زيارته.
مسز كريج (تتحرك نحوه مذعورة) :
تريث لحظة يا والتر، لا تفعل شيئا من هذا.
كريج :
لم لا؟
مسز كريج (تتناول منه التليفون) :
ابتعد عن هذا التليفون (تسحبه من ذراعه وتبعده عنه).
دعني أذكر لك أمرا.
كريج :
وما ذاك؟
مسز كريج :
ألا تدرك أن هذا التليفون مراقب، وأنهم على الأرجح يراقبون تليفون بيركماير كذلك؟
كريج :
ومن المراقب؟
مسز كريج :
البوليس طبعا. ألست تدرك البتة موقفك من هذه القضية؟
كريج :
من الواضح أني لا أدركه إدراكك.
مسز كريج :
لقد آن لك أن تدرك.
كريج :
أصحيح هذا؟
مسز كريج :
نعم، صحيح.
كريج :
وما إدراكك لموقفي؟
مسز كريج :
لا تسل عن إدراكي، فذاك أمر لا يهم الآن، وإنما أعرف أن أول ما يفعله البوليس في قضية كهذه هو مراقبة المكالمات التليفونية من المنزل وإليه.
كريج :
لا من هذا المنزل.
مسز كريج :
أقصد من منزل فرجس.
كريج :
ولم أكن أريد أن أطلب بيت فرجس.
مسز كريج :
ألم تكن تريد أن تطلب بيركماير؟
كريج :
نعم، في بيته الخاص.
مسز كريج :
وأي فارق في هذا يا والتر، ألا تعرف أن البوليس السري يضم حقيقة إلى أخرى؟ ألم يطلبك بيركماير ليلة الأمس في بيت باسمور؟
كريج :
نعم، لقد فعل.
مسز كريج :
وليس من شك في أن المكالمة مسجلة؟
كريج :
وهل يقحم ذلك اسمي؟
مسز كريج :
نعم يقحمه لو تسمعت عاملة التليفون؟
كريج :
وهل تحسبين أنها لا تفعل شيئا إلا أن تتسمع للمكالمات؟
مسز كريج :
استمعت إلى هذه المكالمة. أليس كذلك؟
كريج :
أية مكالمة؟
مسز كريج :
ماذا؟ (ترتد عنه فجأة، وتمس شعرها، وكأنها تفعل ذلك عن غير عمد)
ماذا قلت؟
كريج :
أية مكالمة تقولين إن العاملة استمعت إليها؟
مسز كريج :
لست أدري أي المكالمات استمعت إليها. غير أنه لا بد أن يكون هناك من استمع إلى شيء ما، وإلا ما جاء أولئك الرجال إلى هنا. أليس كذلك؟
كريج :
وهل ذكروا أن العاملة أبلغت عن مكالمة من هنا؟
مسز كريج :
لا أذكر ما قالوا بجلاء، وقد ظل أحدهم يتمتم شيئا عن مكالمة تليفونية، ولكني افترضت أنها المكالمة التي تحدث إليك فيها بيركماير في الليلة الماضية عند فرجس.
كريج :
ألم يذكروا متى كانت هذه المكالمة؟
مسز كريج :
وما أهمية ذلك يا والتر؟
كريج :
بل يهم كثيرا.
مسز كريج :
مهما يكن من أمر فإن هذا التليفون لا شك الآن يراقب.
كريج (يدور ويرفع التليفون مرة أخرى) :
أود أن أعرف لماذا يراقب؟
مسز كريج (تقفز إلى جواره وتمسك بالتليفون) :
استمع إلي يا والتر كريج. ينبغي لك ألا تستعمل هذا التليفون (تحدق في عينيه، ثم تتقهقر عدة خطوات وتنظر إليه متحدية).
لن أسمح لك أن تجر اسمي إلى فضيحة شائنة.
كريج (ينتزع التليفون ويضعه على أذنه) :
يجب أن أكتشف موقفي من هذه القضية.
مسز كريج (ترفع صوتها مهددة) :
إذا تحدثت من هذا التليفون فسوف أغادر هذا البيت (يبعد السماعة عن أذنه ويثبت نظره فيها، ثم تسود فترة سكون)
وأنت تعلم ما يترتب على ذلك في هذه الظروف. (يعدل عن المكالمة، ويعيد التليفون إلى المائدة الصغيرة متباطئا، محدقا في عينيها.)
كريج (يتقدم نحوها رويدا رويدا) :
ماذا تعنين من قولك أغادر هذا البيت؟
مسز كريج (في جمود) :
أعني تماما ما قلت، وهل تظن أني أستطيع أن أبقى في هذه البيئة أربعا وعشرين ساعة بعد أن يرتبط اسمي بقضية من هذا القبيل؟
كريج :
أليس عندك أي تقدير لضرورة معرفتي ما يدور في هذه القضية؟
مسز كريج :
ليس عندي تقدير لأية ضرورة غير ضرورة لزوم الصمت.
كريج :
ولكن هبي أن الأمر تطور حتى تكشف في غير لبس أني كنت هناك في الليلة الماضية.
مسز كريج :
وماذا عساه يتطور لو لزمت الصمت؟
كريج :
هبي أن الأمر تطور، فهلا يكون خيرا لي جدا أن أكون صريحا صادقا منذ البداية بدلا من أن أكون مراوغا فأثير بذلك على الأرجح الشكوك في غير ما داع لها؟
مسز كريج :
هناك دواع للشكوك يا والتر. لا تتهرب من الموضوع.
كريج :
وما هي هذه الشكوك؟
مسز كريج :
وجودك هناك في الليلة الماضية.
كريج :
إن ذلك لا يعني شيئا.
مسز كريج :
من الواضح أنه لا يعني شيئا لك.
كريج :
وهل يعني شيئا لك؟
مسز كريج :
وماذا يهم معنى ذلك بالنسبة إلي؟ لن أحدد أنا درجة ذنبك أو براءتك؛ فالأمر لا يخصني.
كريج :
الأمر لا يخصك.
مسز كريج :
لا يهمني سوى الأثر الذي نتركه في ذهن الناس، واحترام الجماعة التي نعيش بين ظهرانيها.
كريج :
تقصدين أنه خير لك أن تعرفي أني مشتبك في هذه القضية و«تحتفظين» باحترام المجتمع من أن تعرفي أني كنت فريسة للظروف وتفقدين هذا الاحترام؟ (تظهر مسز هارولد خلال الستائر، وتلمحها مسز كريج خلف كتف زوجها، فتسارع إلى ناحيته.)
مسز كريج :
ماذا تريدين يا مسز هارولد؟
مسز هارولد :
آسفة لإزعاجك يا مسز كريج، غير أني أخشى أن يفسد طعام العشاء.
مسز كريج (تتجه ناحية المرآة) :
حسنا يا مسز هارولد، أعدي الطعام، وسآتيكم فورا (يتجه كريج نحو الركن الأيمن الأعلى للنضد الوسيط) .
مسز هارولد (تنسحب) :
حسنا.
كريج :
مسز هارولد.
مسز هارولد (تقف) :
نعم، سيدي (تتقهقر بضع خطوات نحوه ...)
كريج :
هل تعلمين يا مسز هارولد إذا كان هناك من طلب اليوم الرقم الذي أعطيتك إياه ليلة الأمس، من هذا التليفون؟
مسز هارولد :
تقصد الرقم الذي أعطيتني إياه لكي يطلبك فيه مستر بيركماير؟
كريج :
نعم، لفرنج 3100.
مسز هارولد :
لا يا سيدي، لا أعلم أن أحدا فعل، وإنما أعطيته لمستر بيركماير عند التليفون ليلة الأمس عندما حضر.
كريج :
ولم تعرض لك مناسبة تدعوك إلى طلب هذا الرقم اليوم من هذا التليفون يا مسز هارولد؟
مسز هارولد :
لا يا سيدي، لم تعرض لي مناسبة يا مستر كريج.
كريج :
حسنا، يا مسز هارولد، وشكرا كثيرا لك. (تهم بالانصراف، ثم تقف وتلتفت ثانية.)
مسز هارولد :
بل لم يرد هذا الرقم على خاطري اليوم حتى سألتني عنه مسز كريج عند عودتها هذا المساء. (تسود فترة من السكون، ثم يرفع كريج بصره نحو زوجته، فترفع هي ذراعها في بطء وتمس شعرها أمام المرآة.)
كريج :
حسنا يا مسز هارولد، وأشكرك كثيرا (تنسحب مسز هارولد، ويتقدم كريج متباطئا نحو ستار الباب، ويتأكد من ابتعادها عن سماعه. ثم يتلفت وينظر إلى زوجته، وتقف الزوجة في سكون تام، ويتقدم نحوها خطوة أو خطوتين متباطئا):
أنت التي طلبت هذا الرقم (تلتفت وتنظر إليه، في شيء من التحدي)
ماذا كنت تفعلين، تقتفين أثري؟
مسز كريج (تقف تجاه ستار الباب) :
لا تمني النفس بهذا يا والتر.
كريج :
ذلك ما كنت تفعلين . أليس كذلك ؟
مسز كريج :
لم يولد بعد الرجل الذي يهمني أن أقتفي أثره.
كريج :
ولماذا لا تقولين الصدق؟
مسز كريج (تهاجمه) :
لأني كنت أتوقع هجوما من ضميرك الخيالي.
كريج :
إنما كنت تبحثين عن سلامتك. أليس كذلك؟
مسز كريج :
بالضبط.
كريج :
وذلك على حسابي.
مسز كريج :
كنت أدرك ضرورة ذلك ما دمت معك.
كريج (يلتفت يسارا ويسير أمام النضد الوسيط) :
يا إلهي!
مسز كريج (تتابعه) :
كنت أدرك أني لو قلت لك إني أنا التي طلبت هذا الرقم فسوف تسارع إلى التليفون لتخبر البوليس في أقل من خمس دقائق.
كريج (يلتفت بغتة) :
كنت أعتزم ذلك على أية حال.
مسز كريج :
أيها الأحمق الغبي.
كريج :
فقد ذهبت هذا المساء مع بيركماير إلى رئاسة البوليس عند مغادرتي هذا المكان.
مسز كريج (مذعورة) :
أوه!
كريج :
وما منعني من إخطارهم حينئذ إلا أن الرجل المنوط بالقضية انصرف لعشائه ولن يعود قبل الساعة الثامنة لكني سأعلمه ساعتئذ. (ويدور متجها نحو الباب الخارجي.)
مسز كريج (تستند إلى النضد الوسيط، وتهدده بالكلام) :
إن فعلت ذلك فاذكر لهم أيضا لماذا هجرتك.
كريج :
إن ذلك لا يزعجني البتة يا هاريت.
مسز كريج :
ولكن ربما أزعجهم. (يلتفت بغتة وينظر إليها، فزعا، ثم يعود إلى النضد.)
كريج :
استمعي إلي يا هاريت. لماذا لم تكوني معي صادقة على الأقل في هذه القضية، فلا تحاولي أن تظهريني بمظهر المسئول عن زيارة رجال البوليس السري؟
مسز كريج :
لأني أدرك تماما ما تعمل لو أخبرتك، ويترتب على ذلك سؤالي عن السبب الذي من أجله طلبت هذا الرقم، ويتلو ذلك الاعتراف بأنك أنت الرجل الذي يبحث عنه البوليس.
كريج :
ولكن البوليس السري يبحث عنك أنت.
مسز كريج :
لست بحاجة إلى أن تقلب علي الأمر، إنهم ما كانوا ليبحثوا عنك أو عني لو أنك لبثت في بيتك مساء الأمس بدلا من أن تخرج للعب الورق مع قوم منحرفين (وتتجه نحو المرآة) .
كريج :
وما وجه انحراف فرجس باسمور؟
مسز كريج (ملتفتة نحوه غاضبة) :
لا بد أن يكون هناك انحراف وإلا ما حدث الذي وقع. كل من عرف فرجس باسمور يعلم عنه أنه يغار على زوجته إلى حد الجنون، ومع ذلك تذهب أنت لزيارته (تسير إزاء النضد تجاه البيانو)
أحسست من أعماق نفسي في أولبني أن أمرا سوف يحدث أثناء غيبتي، ومن أجل هذا لم أطل إقامتي هناك أكثر مما تقتضيه الضرورة القصوى. كنت أعلم أنك - بمجرد أن أوليك ظهري - ستخرج مع أصحابك مرة أخرى (ينظر إليها بطرف منخفض، ثم يسود السكون) .
كريج :
وما شأن إيلائك ظهرك وزيارتي لأصدقائي؟
مسز كريج :
لا تسل عن شأن هذا وذاك. الواقع أنك ما كنت تتردد على زيارتهم لو كنت أنا هنا.
كريج :
وكيف كنت تمنعينني؟
مسز كريج :
كنت أستطيع أن أمنعك تماما بأية وسيلة من الوسائل.
كريج :
ماذا كنت تفعلين؟ تغلقين علي الباب؟
مسز كريج :
لم يكن من الضروري أن أغلق عليك الباب (تلتفت وتحدق فيه).
إنك لم تتردد على زيارتهم خلال الثمانية عشر شهرا الأخيرة. أليس كذلك؟
كريج :
نعم.
مسز كريج :
وهم كذلك لم يترددوا على زيارتك. أليس كذلك؟
كريج :
نعم.
مسز كريج (مبتعدة) :
حسنا.
كريج (بعد فترة صمت قصيرة) :
تقصدين أنك أقصيتهم عن هنا؟
مسز كريج (تلتفت نحوه مرة أخرى، وتحدق في عينيه) :
لو كنت فعلت، فإن الغاية تبرر الوسيلة؛ فقد ابتعدت على الأقل عن طائلة القانون خلال الثمانية عشر شهرا الأخيرة. (يواجه نظرتها لحظة، ثم يتحرك نحو النضد.)
كريج :
لا شك أنك تتصرفين تصرفا صحيحا من ناحية الشكل يا هاريت.
مسز كريج :
يسرني ذلك، لو صح.
كريج :
ذكرت لي عمتي هنا منذ فترة أنك أقصيت جميع أصدقائي عن هذا البيت.
مسز كريج (في صوت يدل على استعلاء) :
هناك وسائل يتخلص بها المرء من الناس دون أن يقصيهم عن البيت. (يحدث صوتا يدل على السخرية المريرة.)
كريج :
وأحسب أنها كانت تتخيل أمورا على حسابك.
مسز كريج :
ألا ترى أنها ربما كانت أبعد إدراكا مما قدرت؟ (يلتفت وينظر إليها نظرة قاتمة.)
كريج :
ربما كانت كذلك لأنها نفذت إلى شيء آخر يا هاريت، ربما كان كذلك صحيحا.
مسز كريج :
حقا؟
كريج :
قالت إنك تحاولين أن تتخلصي مني أنا أيضا (ترمقه بنظرة)
دون أن تقصيني فعلا عن البيت (تضحك في ازدراء، وتتقدم نحو ستار الباب، ويتابعها رافعا صوته)،
وأعتقد أن ذلك أيضا صواب.
مسز كريج :
اخفض صوتك، هل تريد أن يسمعك كل من بالبيت؟
كريج :
لقد اعترفت بذلك بموقفك في هذا الأمر هذا المساء.
مسز كريج (تنظر إليه وتتقدم نحو رف المدفأة) :
لست أدري عم تتحدث.
كريج (يتقدم ويستند إلى النضد) :
تعلمين جيدا ما أتحدث عنه، وتعلمين أيضا ماذا أرادت عمتي أن تقول هنا منذ لحظة. ومن أجل هذا تركت الغرفة قبل أن تبدأ حديثها.
مسز كريج :
آسفة لأنني لم أمكث هنا الآن.
كريج :
لا خطر من بقائك هنا يا هاريت، وما كنت لتطيقي (تضحك، ويتحرك ناحية اليسار).
يا إلهي! إنها لتعرفك حق المعرفة يا هاريت، وما كانت بمستطيعة أن تطالعك أحسن من ذلك لو أنك كتبت عن نفسك لها. وقد شعرت بالأسف الشديد وأنا أصغي إليها، وظننت أنها إنما ترتاب وتهذي هذيان الشيخوخة، وبخاصة عندما قالت إنك أبعدت أصدقائي.
مسز كريج :
وهل تظن أنني أردت أن ينقلب بيتي إلى خمارة؟
كريج :
إن أصدقائي لم يقلبوا بيت أمي قط إلى خمارة.
مسز كريج :
إنهم لم يلعبوا البوكر في بيت أمك حتى ساعات الصباح.
كريج :
مساء كل خميس مدة عشر سنوات، وحتى الثانية صباحا إن شاءوا.
مسز كريج :
واضح أن فكرتي عن البيت تختلف عن فكرة أمك.
كريج :
تختلف جد الاختلاف يا هاريت. الحجرة الواحدة في منزل أمي أكثر إيواء في الواقع من كل حجرات هذا المنزل لو عشنا فيه ألف عام.
مسز كريج :
ولماذا إذن لم تمكث به، ما دام يجذبك إلى هذا الحد؟
كريج :
تسألين الآن يا هاريت لماذا لم أمكث ببيت أمي (يسير ناحية اليسار، ثم يعود إلى الخلف فجأة)،
ولكن أرجو ألا تخطئي الظن فتحسبي أني أعتقد أنك لا تريدين أصدقائي هنا لمجرد أنهم يلعبون الورق، إنما أنت لا تريدينهم لأن زياراتهم - كما تقول عمتي - تشير إلى أهمية خاصة بي لا تتفق وحملتك الصغرى علي، الحملة التي تدبرينها لكي ترديني إلى واحد من أولئك الخراف الذين تمتطيهم زوجاتهم حتى ليخاف الواحد منهم أن يشتري رباط رقبة خشية ألا يحظى بالقبول عند زوجته (يتوجه ناحية الباب الأمامي) .
مسز كريج :
لا تحاول أن تجعل نفسك شهيدا. لقد نلت حظك من الصفقة التي عقدناها. (يلتفت فجأة وينظر إليها، ثم يتقدم مرة أخرى.)
كريج :
إنني لم أعتبر هذا الأمر قط صفقة من الصفقات.
مسز كريج :
وهل كنت تتوقع مني أن أسير في أمر هام كالزواج بعينين مغمضتين؟
كريج :
أردت أن تسيري فيه مخلصة، كما فعلت، ولكنك آثرت السلامة منذ البداية (يسير نحو البيانو) .
مسز كريج :
لم أفعل شيئا من هذا.
كريج :
لا تقولي لي ما كنت تفعلين، فأنا أرى الدور الذي تلعبين واضحا كما تراه عمتي. (يلتفت ويعود نحوها)
كنت تستغلينني في إصرار وتحتالين بطرق ملتوية على أن تظفري بسلامتك. وإنك لتقذفين بي الآن في شبهات الاشتباك في مقتل هذين الشخصين؛ في سبيل احتفاظك بتلك السلامة (يعود إلى البيانو) .
مسز كريج (تكاد تصيح) :
إنما كنت أحاول أن أحافظ على بيتي.
كريج :
ذلك كل ما سمعت منك منذ اليوم الذي تزوجت منك فيه.
مسز كريج :
وماذا تملك امرأة مثلي غير بيتها؟
كريج (ملتفتا إليها) :
أليس لها زوج؟
مسز كريج :
ولكنها تستطيع أن تفقد زوجها. أليس كذلك؟
كريج :
وهل لا يمكن أن تفقد بيتها كذلك؟
مسز كريج :
لا يمكن إذا عرفت كيف تتمسك به.
كريج (يرفع إصبعه في وقار) :
هذا هو الهدف في عبارة موجزة يا هاريت: إذا عرفت كيف تثبت البيت لنفسها (يبتعد ويضع يديه على البيانو) .
مسز كريج :
وفيم كان خطئي إذا كنت أثبت الأمور لنفسي؟ هل أفقدك ذلك شيئا؟ إذا كنت أثبتها لنفسي، فأنا أثبتها لك أيضا. بيتك هنا، وربما انتقل إلى غير هذا المكان لو لم ألعب دوري في ثبات. ولن أكون أول امرأة تفقد بيتها، وتفقد زوجها أيضا، من جراء إفلات زمامهما من يديها (تسير نحو مؤخرة الحجرة وهي تكاد تبكي).
لقد شهدت ما حدث لأمي وعقدت عزمي على ألا يتكرر الأمر معي (تلتفت وتتقدم مرة أخرى).
كانت امرأة من النوع الذي يقول: «سأتبعك في كل أمر يا زوجي»، وتعتقد في كل ما يقوله لها أبي، وكان خلال ذلك يبيع «بيتها» لامرأة غيرها دون علمها. فلما كشفت الحقيقة فعلت الأمر الوحيد الذي تستطيع النساء من أمثالها أن يفعلنه، وذلك أن تموت بقلب محطم بعد ستة أشهر، وتترك الباب مفتوحا للمرأة الأخرى كي تدخل البيت زوجة لأبي وتتحكم في إستل كما تتحكم في (تلتفت نحو رف المدفأة)،
ثم تتخلص من كلتينا بمجرد ما نضجت إستل للزواج (تلتفت إليه بغتة).
غير أن «المنزل» لم يتم قط بيعه من وراء ظهرها. إني لأعدك بهذا؛ لأنها حرصت على أن يسجل باسمها قبل أن تقترن بأبي، وبقي كذلك حتى النهاية (تسارع نحو مؤخرة الغرفة مرة أخرى) .
كريج :
لماذا لم تطلبي إلي أن أسجل هذا المنزل باسمك؟
مسز كريج (صائحة في وجهه) :
لأني لم أرد أن يسجل باسمي.
كريج :
كان ذلك يدل على إخلاص أشد.
مسز كريج (تتقدم نحو حافة النضد اليمنى) :
إني لم أفعل شيئا ينافي الإخلاص.
كريج :
كيف تعرفين يا هاريت؟
مسز كريج :
لم أرد إلا أن أكون عملية، ولكنك بخيالك المألوف تريد أن تظهرني بمظهر المجرمة في هذا الشأن.
كريج :
إني لا ألومك البتة.
مسز كريج :
لا ينبغي لك أن تلومني، وليس هناك ما تلومني من أجله.
كريج :
لقد تزوجت رجلا لا يتفق معك يا هاريت.
مسز كريج (في وهن) :
إنما تزوجت من أحمق خيالي (ينظر إليها بحدة وتلمح نظرته).
هذا هو الرجل الذي تزوجت منه (تبتعد وتتجه نحو ستار الباب لتتطلع إلى الخارج)،
ويزداد الأمر وضوحا في حياتي يوما بعد يوم. (فترة من الصمت، ثم يشق كريج الصمت بضحكة جافة صغيرة.)
كريج :
الآن يحسن كل منا فهم الآخر يا هاريت.
مسز كريج (تعود إلى رف المدفأة مرة أخرى) :
أنا أفهمك على أية حال، سواء فهمتني أنت أو لم تفهم (توجه إليه الحديث مباشرة)،
وينبغي لك أن تحمد الله على أني أفهمك، لأني لا أتصور ماذا كان يحل بك لو لم أفهمك (تلتفت إلى رف المدفأة، ويقع بصرها فجأة على البطاقة التي تركتها ميزي خلف التحفة المتوسطة، وتلتقط المظروف برقة، وتنتزع البطاقة وتقرؤها) . (يقف كريج ويراقبها في جمود، وبعد فترة صمت يتكلم في نغمة متئدة تشف عن الخطر.)
كريج :
ما أشد برودك وما أعظم ادعاءك! (تنظر إليه.)
مسز كريج :
ماذا تقول؟
كريج :
إني لأعجب كيف تسلكين هذا السلوك!
مسز كريج :
أي سلوك؟
كريج :
هذا الادعاء السليط الذي يدفعك إلى أن تقولي لي شيئا كهذا.
مسز كريج :
وماذا قلت لك؟ إني لا أدرك ما تتحدث عنه.
كريج (يبتعد خطوة أو خطوتين عن البيانو متباطئا) :
ماذا فعلت أنت؟ بل ماذا فعل مليون من الأخريات من أمثالك، حتى تكفلي لنفسك حق الاستعلاء على الرجل الذي تزوجت منه؟
مسز كريج :
إني لا أزعم لنفسي استعلاء.
كريج :
إن الملاحظة التي أبديتها تشير إلى ذلك.
مسز كريج (تلتفت وتسير نحو ستار الباب) :
لا تكن حاد المزاج.
كريج :
تقولين لولا أنك تفهمينني لما عرفت ما كان ينتهي إليه أمري.
مسز كريج (تنظر خلال الستائر) :
نعم، ما كنت لأعرف.
كريج :
ما أشد ادعاءك.
مسز كريج :
لماذا تقفين هناك يا ميزي؟ (ميزي وكريج يتحدثان.)
ميزي :
بعثت بي مسز هارولد لأسألك إن كنت ستحضرين للعشاء.
كريج :
وتضعين نفسك موضع من يتحكم في مصير رجل ...
مسز كريج :
نعم إني آتية بعد قليل. (مسز كريج وكريج يتحدثان.)
مسز كريج :
ولكني أريدك لحظة أولا يا ميزي.
كريج : ... كأني قاصر العقل.
ميزي :
ماذا تريدين يا سيدتي.
مسز كريج (تلتفت وتتجه نحو كريج وتخفض صوتها محاولة أن تحمله على الصمت) :
لا تظهر بهذا المظهر أمام ميزي (تدخل ميزي خلال الستائر، وتلتفت إليها مسز كريج).
ما هذه البطاقة يا ميزي؟
ميزي :
هي بطاقة «الجمعية» يا مسز كريج للمعونة الخيرية المشتركة.
مسز كريج :
ولماذا وضعت هنا؟
ميزي :
أرسلتها كرستين منذ ساعة مع صبي الخياط الصغير ، تسألني إن كنت سأدفع لها اشتراكها.
مسز كريج :
وهل لم تجدي لها مكانا سوى خلف هذه التحفة؟
ميزي :
كنت ...
مسز كريج :
وذلك بعد المرات العديدة التي أمرتك فيها ألا تضعي قط شيئا على رف هذه المدفأة؟
ميزي :
نعم قلت لي ذلك يا مسز كريج، ولكني عندما دخلت ...
مسز كريج :
ولماذا فعلت ذلك إذن؟ هل لا بد لي أن أكرر لك الأمر إلى ما لا نهاية؟ أنت تعلمين جيدا أني لا أسمح لأحد حتى أن ينفض عن هذا الرف التراب سواي، بل لقد اشتريت فرجونا صغيرا خاصا لهذه التحف؛ لأني لا يمكن أن أكل أمرها إلى أحد غيري. ومع ذلك فما إن أوليك ظهري حتى تستعمليها مخبأ لكل شيء في البيت.
ميزي :
طلبت مسز هارولد مني شيئا عندما دخلت و...
مسز كريج :
لا يهمني ما يطلبه منك أي إنسان، وذلك لا يغفر لك (تخرج ميزي منديلا من فوطتها وتمس به عينيها).
قلت لك مرارا لا تضعي شيئا خلف هذه التحف، ولكنك تعصين أمري عمدا، ولا تصدعين بما تؤمرين به. وعندما تخالف الفتاة ما تؤمر به فخير ما تفعله هو أن تذهب إلى مكان آخر ترغم فيه على طاعة الأوامر. أود أن تجمعي أمتعتك هذه الليلة وتتركي هذا البيت صباح الغد (تنظر ميزي إليها، ثم تبتعد لتترك الغرفة).
هذه هي البطاقة، وابحثي لها عن مكان آخر غير ظهر التحفة (تأخذ ميزي البطاقة وتنسحب)
وقولي لمسز هارولد تعد العشاء، فسوف آتي بعد دقيقتين (وتسير نحو الدرج).
سوف أصعد لأسأل ابنة أختي عما تريد لعشائها (تصعد الدرج في كبرياء، وعند منتصفه تلتفت وراءها دون أن تتوقف، وتوجه الكلام إلى كريج في برود):
يحسن أن تخرج وتتناول عشاءك قبل أن يبرد. (تختفي عند رأس الدرج، ويقف كريج خافضا طرفه نحو الأرض، ثم يجول ببصره فوق الدرج متابعا لها، ثم يوجه نظره إلى يمين الغرفة. وتستقر نظرته على التحفة التي فوق رف المدفأة، ويحدق فيها، ويسير بعدئذ نحوها في أناة ويلتقطها، ويمسك بها بين يديه فاحصا إياها في شغف، ويرفعها بغتة في الهواء ويحطمها على قوالب الطوب أمام المدفأة. ويقف متفرسا الحطام لحظة، ثم يخرج سيجارة من صندوقه، ويعبر الحجرة متجها نحو البيانو، ثم يطرق السيجارة على الصندوق، ويستخرج عود ثقاب ويشعلها، ويقذف بالعود المحترق فوق الأرض، ثم يستند إلى البيانو ويدخن وهو يتفكر. وتهرع مسز هارولد إلى الغرفة خلال الستائر.)
مسز هارولد :
هل انكسر شيء هنا يا مستر كريج؟ (يومئ برأسه مشيرا إلى التحفة المحطمة، توجه مسز هارولد بصرها نحو رف المدفأة، وتقع عينها على الحطام، ثم ترفع يديها وبصرها نحو السماء، وتخطو نحوه خطوة أو اثنتين.)
المجد لله هذا اليوم وهذا المساء، كيف جدث هذا يا مستر كريج؟ هل سقطت التحفة من فوق الرف؟
كريج (دون حراك) :
لا، بل هشمتها يا مسز هارولد.
مسز هارولد (متحيرة) :
تعني قصدا يا مستر كريج؟
كريج :
نعم، لم ترق لي.
مسز هارولد :
أود أن تخبر مسز كريج أنك أنت الذي هشمتها يا مستر كريج؛ فهي إن رأتها قد تحسب أن إحدانا هي التي حطمتها.
كريج :
سوف أخبرها بكل شيء عنها يا مسز هارولد. لا تفكري في الأمر (يستقيم في وقفته، ويسير في بطء نحو المقعد الكبير أمام المدفأة، وتخطو مسز هارولد خطوة أو اثنتين نحو الستار) .
مسز هارولد (تلتفت نحوه) :
هل أحضر صندوق القاذورات وأزيل الحطام يا مستر كريج؟
كريج :
كلا، لا تشغلي بالك بها الآن يا مسز هارولد، واخرجي وأعدي العشاء. (تتحرك نحو الستار، ثم تقف ثانية.)
مسز هارولد :
هلا أتيت لعشائك يا مستر كريج!
كريج (يجلس) :
لا، لا أريد الليلة عشاء يا مسز هارولد.
مسز هارولد :
لا تريد البتة شيئا؟
كريج :
لا شيء البتة. (تنسحب، ويجلس وهو يدخن ويفكر.)
مسز كريج (من أعلى السلم) :
هل أنت في مكانك يا والتر؟
كريج :
نعم.
مسز كريج :
اسمع! هل سقط شيء لديك منذ لحظة؟
كريج :
لا.
مسز كريج :
هل أنت متأكد؟
كريج :
نعم، متأكد.
مسز كريج :
سمعت صوتا هنا كأن البيت انهار.
كريج (بعد فترة صمت يسيرة ) :
ربما حدث هذا يا هاريت؛ فأنا أجلس هنا متعجبا (يجلس وهو يدخن، ويجول ببصره إلى أعلى، وإلى الخارج، وإلى بعيد) . (ينزل الستار رويدا رويدا.)
الفصل الثالث
(المنظر - هو نفس المنظر في الفصل السابق - صبيحة اليوم التالي، حول منتصف التاسعة، وما يزال كريج جالسا في المقعد الكبير أمام الموقد مستغرقا في نومه. وبعد فترة سكون تدخل مسز هارولد خلال الستائر، وهي تحمل صندوق القاذورات وفرجونا يدويا، فتقع عينها على كريج، وتنظر إليه في عجب، وتلحظ كذلك حطام التحفة المهشمة وأعقاب السجائر عند قدميه، فتلتفت وتضع الصندوق والفرجون على المقعد إلى يمين الدرج، ثم تلقي نظرة على الدرج وتتقدم وتفتح الباب الأمامي وتنصرف. وبعدئذ يحدث الباب الحاجز صوتا وراءها فيتيقظ كريج، ويتلفت حواليه، وينظر في ساعته وينهض، ويرتب هندامه أمام المرآة، وتعود مسز هارولد على أطراف قدميها وفي يدها صحيفة الصباح.)
كريج :
صباح الخير يا مسز هارولد.
مسز هارولد (تقف عند النضد الوسيط) :
صباح الخير يا مستر كريج.
كريج :
لا بد أن أكون قضيت الليل هنا جالسا.
مسز هارولد :
نعم، كنت أتساءل هل لزمت مكانك طول الليل.
كريج :
لا بد أن يكون قد غلبني النعاس.
مسز هارولد :
لا شك في أنك تحس تعبا شديدا. أليس كذلك؟
كريج (ملتفتا إليها) :
لا، بل أنا بخير. هل هذه هي صحيفة الصباح التي تحملينها يا مسز هارولد؟
مسز هارولد :
نعم يا سيدي، أتيت لك بها الآن.
كريج :
أطلعيني عليها من فضلك.
مسز هارولد :
نعم يا سيدي (يتناول الصحيفة، ويتقدم نحو البيانو وهو يطالعها).
هل ترغب في فنجان من القهوة يا مستر كريج؟
كريج :
نعم أود قليلا من القهوة إن كان لديك.
مسز هارولد (متجهة نحو ستار الباب) :
إنها معدة، وسأسخن الإبريق لحظة واحدة. (تخرج، ويقف كريج وهو يطالع، ويسمع صوت باب يفتح في مكان ما في الطابق الأعلى، فيتطلع نحو رأس الدرج، ثم يسير مسرعا نحو الباب الخارجي ثم إلى المدخل. وتعود مسز هارولد، وتلتقط صندوق القاذورات والفرجون، ثم تتقدم نحو المدفأة وتشرع في إزالة حطام التحفة وأعقاب السجائر، وتظهر مسز كريج على الدرج.)
مسز كريج :
مسز هارولد.
مسز هارولد (تستقيم واقفة) :
نعم يا سيدتي.
مسز كريج :
هل جاءت صحيفة الصباح؟
مسز هارولد :
نعم يا سيدتي، وناولتها منذ لحظة لمستر كريج، وها هو ذا يطالعها عند مدخل الدار.
مسز كريج (متحيرة، تهبط السلم) :
وماذا يصنع في هذا الصباح الباكر؟
مسز هارولد :
لا أظنه أوى البتة إلى فراشه يا مسز كريج؛ كان جالسا هنا على المقعد الكبير عندما دخلت هذا الصباح، وكان يجلس هنا مساء الأمس حينما أغلقت الباب. (تسير مسز كريج نحو المشربية على اليسار، ثم توجه نظرها إلى مدخل البيت، وتتابع مسز هارولد الكنس، وتدرك مسز كريج ما تصنع مسز هارولد، فتلتفت إليها.)
مسز كريج :
ما هذا الذي تكنسين يا مسز هارولد؟
مسز هارولد (تستقيم في وقفتها) :
إنها تلك التحفة الوسطى التي كانت هنا يا مسز كريج.
مسز كريج (تسير نحو النضد الوسيط، وتحملق بعين مفتوحة إلى المكان الخالي فوق رف المدفأة) :
ما هذا؟
مسز هارولد :
انكسرت مساء الأمس.
مسز كريج :
أستحلفك بالله يا مسز هارولد لا تقولي إن هذه هي ذلك التمثال الصغير الجميل.
مسز هارولد :
قال مستر كريج إنه كسرها.
مسز كريج (تنظر إلى حطام التحفة في صندوق القاذورات الذي تحمله مسز هارولد) :
يا إلهي! انظروا كيف كسرت، لقد تفتتت إلى ألف قطعة.
مسز هارولد :
لا بد أنها سقطت على قوالب الطوب هنا.
مسز كريج :
إنه لم يكن مجرد سقوط يا مسز هارولد، فهي مهشمة كل تهشيم. انظري إلى حجم القطع. إن إصلاحها أمر لا يفكر المرء فيه.
مسز هارولد :
لا، لست أظن أنه بالإمكان إصلاحها الآن.
مسز كريج (وهي تكاد تبكي) :
تلك التحفة الجميلة، التي ما كنت لأسمح لأحد أن يقترب منها. انظري إليها الآن.
مسز هارولد :
أمر يؤسف له كثيرا بكل تأكيد.
مسز كريج :
أستطيع بالطبع أن ألقي بهذه التحف الأخرى الآن؛ فقد باتت لا تعني شيئا بدونها. (تبتعد في غمرة حزن، وتسير بضع خطوات يسارا، ثم تلتفت فجأة نحو مسز هارولد)
إني لأعجب كيف حدث هذا يا مسز هارولد.
مسز هارولد :
صدقيني لست أدري يا مسز كريج.
مسز كريج :
أعتقد أن ميزي كسرتها حقدا. أليس كذلك؟ لأني أنبتها ليلة الأمس لأنها وضعت خلفها أشياء.
مسز هارولد :
لا، إنها لم تكسرها يا مسز كريج لأنها كانت معي في المطبخ عندما سمعنا صوت سقوطها.
مسز كريج (تبتعد وتسير نحو النضد الوسيط) :
أرسليها إلى هنا الآن فإني أود أن أتحدث إليها.
مسز هارولد :
قال مستر كريج إنه كسرها، (تلتفت مسز كريج وتنظر إليها)
وقال إن هذه التحفة لم ترق له.
مسز كريج :
قولي لميزي إني أود أن أراها.
مسز هارولد :
ليست هنا يا مسز كريج، فقد ذهبت.
مسز كريج :
تقصدين أنها تركتنا فعلا؟
مسز هارولد :
نعم يا سيدتي، تركتنا بعد أن تناولت فطورها مباشرة.
مسز كريج :
لا شك أنها فعلت، تلك الشيطانة الصغيرة الحقيرة.
مسز هارولد :
قال مستر كريج إنه سوف ينبئك عن كل شيء بشأنها.
مسز كريج :
أين ذهبت ميزي؟
مسز هارولد :
قالت إنها ذاهبة إلى بيت أختها المتزوجة فترة ما.
مسز كريج :
هل دفعت لها أجرها؟
مسز هارولد :
نعم يا سيدتي دفعت لها مساء الأمس.
مسز كريج (تبتعد ناحية الباب الخارجي) :
حسنا يا مسز هارولد (تخرج مسز هارولد خلال الستار، وهي تحمل صندوق القاذورات والفرجون) : والتر، أرجو أن تأتي إلى هنا لحظة. (تتشوف لتتأكد من أن مسز هارولد بعيدة عن مسمعها، ثم تلتفت وتنتظر حتى يأتي كريج، ثم يدخل وبين يديه الصحيفة)
ماذا تقول الصحيفة هذا الصباح عن مسألة باسمور؟
كريج (يناولها الصحيفة) :
أنت في أمان تام (يتقدم ويقطع الغرفة أمام النضد الوسيط حتى يبلغ المرآة، ويسوي رباط رقبته).
مسز كريج (تسير نحو البيانو وتنشر الصحيفة متلهفة) :
ماذا تقول الصحيفة؟
كريج :
عاد أخوه مساء الأمس من بتزبره يحمل خطابا حرره له فرجس، يشير إلى نواياه.
مسز كريج :
إذن فإن فرجس هو الذي ارتكب الجريمة بنفسه.
كريج :
يبدو ذلك.
مسز كريج :
كنت دائما أقول لك إنه يغار على زوجته. (يلتفت وينظر إليها .)
كريج :
إنما فعل ذلك لأنها كانت خائنة.
مسز كريج (وهي تقرأ) :
أعتقد أن هذه البرقية المنشورة هنا من أخيه بشأن خطاب فرجس هي المعلومات التي استجدت والتي تحدث عنها ذلك البوليس السري هنا في الليلة الماضية؛ فقد طلب رئاسة البوليس من هنا في نحو الساعة السابعة ثم قال إنه لم يعد من الضروري أن يزعجنا بعد ذلك لفترة ما؛ لأن هناك ما استجد من المعلومات بشأن القضية. وأعتقد أن هذه هي المعلومات الجديدة؛ لأن الصحيفة تذكر هنا أن البرقية وصلت رئاسة البوليس في الدقيقة الخامسة والأربعين بعد السادسة.
كريج (يسير منهوكا نحو الستائر) :
وماذا يهم ذلك الآن يا هاريت؟
مسز كريج :
لا يهم «الآن» ولكنه ربما كان يهم من قبل، لولا أني حصرت فكري ليلة الأمس ولم أسمح لك بأن تتكلم في التليفون وتفضح أمرنا جميعا. (يضحك ضحكة مريرة)
تستطيع أن تضحك ملء شدقيك، ولكنك تستطيع كذلك أن تشكرني لأن اسمك ليس في كل صحيفة في المدينة هذا الصباح (تتابع قراءة الصحيفة) .
كريج :
بل أستطيع أن أشكرك على أكثر من ذلك يا هاريت.
مسز كريج :
إنما تستطيع أن تشكرني على ذلك على أية حال.
كريج :
أستطيع أن أشكرك لأنك أطلقت علي اسما جديدا مساء الأمس، يلائمني تمام الملاءمة حتى لقد اعتزمت أن أستمر في استعماله، أسميتني الأحمق الخيالي.
مسز كريج :
لا شك في أن فرجس كان على علم بذلك الرجل الذي صاحبته أدليد؛ لأن الصحيفة تقول هنا إنه ذكر اسمه مرة من قبل في خطاب منه لأخيه. (مسز هارولد تظهر بين الستائر.)
مسز هارولد :
القهوة معدة يا مستر كريج.
كريج (يلتفت في هدوء نحو الستائر) :
حسنا يا مسز هارولد. (تنسحب ويتابعها.)
مسز كريج (تنظر بغتة) :
أصغ إلي يا والتر، وتعال هنا لحظة.
كريج (يلتفت) :
ماذا؟
مسز كريج :
أنصت. (تتابع بنظرها مسز هارولد من فوق كتفه، ثم تخفض صوتها)
يرجح جدا أن يطلب إليك بلي بيركماير أن تصحبه إلى جنازة فرجس، ولكن لا تفعل، ويحسن أن تخبره بألا يذهب هو أيضا ؛ فمن الجائز أن يقول أحدكما شيئا، وإذا وقعت عينا المناول عليك فقد يعرفك، ولا يجدي أن تشرع الآن في أمر جديد، بعد ما انتهى كل شيء.
كريج :
هل هذا هو كل ما أردت أن تخبريني به؟
مسز كريج :
أليس هذا هو ما ينبغي عمله؟ وليس من شك في أن الإفصاح الآن لن يزيد الأمر تيسيرا. أليس كذلك؟ علام تبتسم؟
كريج :
أبتسم على رغبتك في تيسير الأمور.
مسز كريج :
لقد أردت أن أيسرها.
كريج :
منذ متى؟
مسز كريج (تبتعد نحو النضد الوسيط) :
لا تدعنا نخوض في ذلك كله مرة أخرى. لقد أردت أن أعينك أنت قبل كل شيء، ولكن يبدو أنك لا تملك من العقل ما تقدر ذلك به.
كريج :
وهل هذا كل ما أردتني من أجله؟
مسز كريج (تلتفت إليه مرة أخرى) :
لا، ليس هذا كل ما أردتك من أجله، أريد أن أعرف شيئا عن تلك التحفة التي انكسرت هنا مساء الأمس.
كريج :
وما بها؟
مسز كريج :
لست أدري ما بها، ومن أجل ذلك أسألك. قالت لي مسز هارولد هذا الصباح إنك أخبرتها ليلة الأمس أنك كسرتها.
كريج :
نعم فعلت.
مسز كريج :
يجب أن تفخر بنفسك.
كريج :
كنت بها فخورا لحظة من الزمن.
مسز كريج :
ماذا كنت تفعل؟ تستند إلى رف المدفأة مرة أخرى كما ألفت؟
كريج :
لم يكن عرضا، إنما حطمتها عمدا.
مسز كريج :
حطمتها عمدا؟ ماذا تعني؟
كريج :
أقصد أني هشمتها عامدا متعمدا.
مسز كريج :
لماذا؟
كريج :
أمسيت بطلا في طرفة عين.
مسز كريج :
لا أصدقك.
كريج (مبتعدا) :
حسنا، هذه هي حقيقة الأمر.
مسز كريج :
لماذا تكسر عامدا تحفة كهذه جميلة ثمينة؟
كريج (متقهقرا) :
لم أكسرها.
مسز كريج :
ولكنك قلت إنك فعلت.
كريج (في مرارة) :
قلت إني هشمتها إلى ألف قطعة صغيرة هنا فوق هذا الطوب، ثم دخنت سيجارة بعد أخرى، حتى جعلت معبدك المقدس هنا ملطخا كله بالرماد وأعقاب السجاير. كنت هنا فتى مخربا عن عمد نحو ساعة مساء الأمس، وكان ينبغي أن تشهديني.
مسز كريج :
ماذا دهاك؟ فقدت صوابك، أو حدث لك ما يشبه ذلك؟
كريج :
لا، فمن عجب أني كنت أفكر بعقل غاية في الصفاء؛ فقد أبديت هنا ملاحظة بالأمس يا هاريت أضاءت لي الطريق تماما وأضاءته لك، وفجأة تبين لي لأول مرة كل شيء، كما يتبين المرء منظرا من الطبيعة بأسره في منتصف الليل في ومضة برق، ولكن البرق - لسوء الحظ - أصاب بيتي وهده هدا، وجلست هنا طيلة الليل أفكر كيف أقيمه مرة أخرى.
مسز كريج :
أية ملاحظة تشير إليها؟
كريج :
قلت إن المرأة قد تفقد زوجها، ولكنها لا تفقد بيتها إذا عرفت كيف تحتفظ به.
مسز كريج :
ألم تفقد كثيرات من النساء أزواجهن؟
كريج :
كما فقد كثير من الرجال زوجاتهم يا هاريت؛ لأنهن لم يبدين من الملاحظات ما ينير الطريق إنارة كافية، ولكنك فعلت ذلك، وتلك الملاحظة الأخرى، حينما قلت إن هناك سبلا يتخلص بها المرء من الناس دون أن يطردهم من بيته. (يبتسم ابتسامة مرة)
أدركت خطة حياتك كلها يا هاريت، وعلاقتها بي، وهدتني غريزة حفظ الذات إلى ضرورة القيام بعمل مباشر، البدء في إقامة نظام جديد هنا. ومن أجل هذا هشمت تلك التحفة الصغيرة؛ لتكون رمزا للطلقة الأولى، وأوشكت أن أحطم التحف الصغيرة الأخرى جميعا، والآلهة التي نصبتها في هذا المعبد، وقمت أمامي بعبادتها. أقدمت على إقرار النظام في بيتي بما فيه زوجتي، واعتزمت أن أحكمه بقبضة من حديد. (تبتعد مسز كريج، مسرورة بعض الشيء)
لا عجب أن سرك هذا؛ لأنه سرني، وبخاصة لما ذكرت بغتة صدق ما أطلقت علي ليلة الأمس، وما ترتب على ذلك من سخف محاولتي أن أحتمل هذا الوضع إلى ما لا نهاية. دفعني ذلك إلى الضحك، ولكني آسف جدا لأنك لم تستطيعي رؤيتي على أية حال، أعتقد أنك كنت على الأقل تقدرين صدق «محاولتي» أن أبقى هنا زوجا لك (يدور متباطئا ويسير نحو الستار) .
مسز كريج :
ماذا تعني بقولك: «محاولتي» أن أبقى هنا زوجا لك؟
كريج :
ليس هذا دوري يا هاريت، فأنا لا أستطيع إلا أن ألعب دورا خياليا (تدير رأسها في صمت ثم تنظر إليه، وتلتقي عينه بعينها لحظة، ثم يخرج خلال الستائر، وتقف مكانها متابعة إياه بالنظر، ثم تتقدم في بطء نحو الستار وتقف مفكرة، ويدق جرس الباب، ولكن من الواضح أنها لم تسمعه، ثم تتقدم ببطء وهي ما زالت في تفكير عميق، عندئذ تدخل مسز هارولد خلال الستائر مسرعة) .
مسز كريج :
بالباب قادم يا مسز هارولد. (يدق جرس الباب مرة أخرى.)
مسز هارولد (تسرع لترى من بالباب) :
ربما كان الرجل الذي جاء ليحمل متاع مس أوستن.
مسز كريج :
وهل عزمت مس أوستن على الرحيل الآن؟
مسز هارولد (تقف قريبا من الباب) :
أعتقد ذلك، قالت ليلة الأمس إنها ستغادرنا في مطلع النهار.
مسز كريج :
وهل تيقظت؟
مسز هارولد :
نعم يا سيدتي، طلبت إلي أن أوقظها في السابعة (تخرج وتتبعها مسز هارولد) .
مسز كريج :
إذا كان هذا هو الرجل الذي جاء ليحمل متاعها يا مسز هارولد، فخذيه إلى الباب الجانبي وأنزلي أمتعتها من السلم الخلفي، فلست أحب أن أراه يجر الحقائب فوق هذا الدرج الأمامي (تخطو نحو المشربية على اليسار وتنظر إلى الحمال) .
الحمال (عند الباب الأمامي) :
هل الحقائب معدة؟
مسز هارولد :
نعم معدة، أرجو أن تعود إلى الباب الجانبي، وتستطيع أن تنزلها من الطريق الخلفي.
الحمال :
من هنا؟
مسز هارولد :
نعم، واصعد الدرج وسأفتح لك الباب (يحدث الباب الحاجز صوتا، وتسارع إلى الداخل ثانية، متجهة نحو ستار الباب) .
مسز كريج :
هل أمتعة مس أوستن معدة يا مسز هارولد؟
مسز هارولد :
نعم يا سيدتي، وقد عاونتها في حزمها ليلة الأمس.
مسز كريج :
وهل ذكرت إلى أين هي ذاهبة؟
مسز هارولد (تقف مكانها) :
نعم يا سيدتي، قالت إنها سوف تذهب الآن إلى فندق رتز كارلتون ولكنها سوف تسافر بعد ذلك. (تواصل سيرها نحو الستار)
يجب أن أفتح الباب لهذا الرجل (تخرج، وتقف مسز كريج ناظرة إليها وهي تفكر، ثم تسير نحو الستار حيث تقف، وتسارع إيثل من فوق الدرج لابسة قبعتها ومعطفها) .
مسز كريج :
إيثل، يا بنيتي العزيزة ، ماذا تفعلين في هذا الصباح الباكر؟
إيثل :
لم يغمض لي جفن طول الليل، وكنت أنتظر حتى أسمع غيري وهو يتيقظ.
مسز كريج :
هل أنت مريضة يا عزيزتي؟
إيثل :
لا، ولكن ينبغي لي أن أعود إلى بيتي فورا يا خالتي هاريت، فضميري لا يرتاح لبقائي هنا بعد ذلك.
مسز كريج :
ولكنك لا تستطيعين أن تذهبي في الحال يا عزيزتي.
إيثل :
يجب أن أذهب يا خالتي هاريت.
مسز كريج :
ولكن ليس هناك قطار يا عزيزتي حتى الدقيقة السابعة عشرة بعد التاسعة.
إيثل :
قاربت الساعة هذا الوقت. أليس كذلك؟ (مسز كريج تنظر في ساعتها.)
مسز كريج :
لم تبلغ بعد الربع قبل التاسعة.
إيثل :
إن الطريق إلى المحطة يستغرق ما بقي من الزمن. أليس كذلك؟
مسز كريج :
إنه لا يستغرق عشر دقائق يا عزيزتي في التاكسي، وأستطيع أن أستدعي التاكسي هنا في خمس دقائق.
إيثل (تضع حقيبتها فوق النضد وتتجه نحو المرآة) :
هل يمكن أن تطلبي التاكسي الآن؟
مسز كريج (تسير نحوها) :
بالتأكيد يا عزيزتي، ولكن ما فائدة استدعائه الآن إذا كنت ستنتظرين ما بقي من وقت في المحطة؟
إيثل :
إني منزعجة جدا يا خالتي هاريت.
مسز كريج :
أعلم ذلك يا بنيتي العزيزة، ولكني واثقة من أنك تزعجين نفسك بغير داع. لو أن حدثا وقع لبلغنا عنه نبأ بالتأكيد.
إيثل (ملتفتة إلى مسز كريج) :
يجب في الواقع أن أطلب مستر فردريكس وهو على مسافة بعيدة يا خالتي هاريت، ولسوف يعجب للأمر أشد العجب؛ لأني انصرفت مسرعة بمجرد تسلمي برقية دكتور وود، ولم أفعل سوى أن تركت مذكرة بأن أمي مريضة جدا. وأرجح أنه طلبني في بيتي بعدئذ وعلم أني هنا، فحيره الأمر.
مسز كريج :
لو كنت في موضعك ما أزعجت نفسي كثيرا بما يفكر فيه يا عزيزتي.
إيثل :
ولكنه سوف يعتقد أن الأمر ليس جدا ما دمت هنا وأمي في شدة المرض. (يسمع صوت حقيبة تتحرك في الطابق الأعلى.)
مسز كريج (تندفع نحو الدرج وتقف عند مطلعه) :
الراجح أنه لم يعر الأمر اهتماما.
إيثل :
لا تقولي ذلك يا خالتي هاريت، فأنا أعلم أنه اهتم به.
مسز كريج (تصفق بيديها بحدة لكي تجتذب انتباه الحمال) :
أرجو أن تحذر أيها الحمال من هذه الدرجة.
الحمال :
لقد هربت مني تلك الفتاة، وكنت أظن الحقيبة أخف مما وجدتها.
مسز كريج :
أرجو أن تبعدها عن ذلك الحائط؛ فإني لا أريد أن أراه مخدوشا، فقد أعدت دهانه في أبريل الماضي. (يسمع صوت الحقيبة وهي تجر من الصالة إلى السلم الخلفي، ثم يسمع وقع ثقيل. مسز كريج تغمض عينيها وهي تعاني الألم، وتستند متثاقلة إلى حاجز السلم حتى لا تسقط في إغماء، ثم تدور وتعود إلى الغرفة)
إن عمة مستر كريج تريد أن تبعث ببعض المتاع للإصلاح، ولكن هؤلاء الحمالين يهملون إلى حد أنهم لا يعبئون بهدم البيت.
إيثل :
لم أجد فرصة حتى الآن أتحدث فيها إلى مس أوستن.
مسز كريج :
أعتقد أنها ترتدي لباسها.
إيثل :
ولم أر عمي والتر بعد كذلك.
مسز كريج :
إنه خارج الغرفة هناك يتناول القهوة فيما أظن. هل تودين أن تخرجي وتتناولي القهوة أنت كذلك يا عزيزتي؟
إيثل :
لا أظن أني أستطيع أن أتذوق شيئا يا خالتي هاريت.
مسز كريج :
تستطيعين أن تتناولي جرعة من القهوة.
إيثل :
لا أحب أن يراني عمي والتر وأنا في هذا الانزعاج.
مسز كريج :
وماذا يهمك من هذا يا حبيبتي؟ إنه يعلم بالأمر، ولا يجب في الواقع أن تبدئي رحلتك عائدة إلى بيتك دون أن تتناولي شيئا، وأريدك - عندما تعودين يا إيثل - أن تتدبري جادة ما قلت لك عن مستر فردريكس. إنك لم تتزوجي منه بعد، وإن كان لا بد من القيام بعمل، فإنما يجب أن يعمل الآن؛ فإنك لا تستطيعين بعد فوات الأوان أن تحلي رباطا كرباط الزواج.
إيثل :
لست أدري ماذا أصنع يا خالتي هاريت.
مسز كريج :
ليست هناك ضرورة للتعجل بالقيام الآن بعمل، ولا تسمحي له أن يتعجلك. فكري مليا، من أجله ومن أجل نفسك، فأنت لا تريدين أن تكوني عبئا عليه. أليس كذلك؟
إيثل :
بلي ، بالتأكيد.
مسز كريج :
وماذا عسى أن تكوني له غير ذلك يا عزيزتي ما لم تنفقي من مالك، ولا يؤدي ذلك إلى احترام الرجل. وسوف يتكشف لك في الوقت الملائم - على أية حال - أنه يكره استقلالك عنه.
مس أوستن (عند أعلى السلم) :
نعم هو عندي هنا في حقيبتي يا مسز هارولد.
مسز كريج (تنسحب إيثل نحو ستار الباب) :
فكري في الأمر، وتعالي إلى حجرة الإفطار ودعيني أقدم لك شيئا. (تخرجان خلال ستار الباب، وتهبط مس أوستن من فوق الدرج، مرتدية زي الطريق، وتنظر خلال الستار، ثم تدير قرص التليفون لتطلب رقما، وتهبط كذلك من فوق الدرج مسز هارولد، مرتدية زي الطريق، وهي تحمل حقيبة ملابس وحقيبة أخرى أصغر منها.)
مس أوستن :
أعتقد أنه يحسن أن تسارعي بحمل هذه الأشياء فورا إلى الخارج وتضعيها عند المدخل يا مسز هارولد.
مسز هارولد (تخرج) :
نعم يا سيدتي.
مس أوستن :
أعديها حتى تحضر العربة (في التليفون)
هالو، أرجو أن ترسل عربة تاكسي إلى المنزل رقم 680، في بلمنت مانور، في الحال إن تفضلت. نعم (تعيد التليفون إلى مكانه وتدخل مسز هارولد)
ستكون العربة هنا بعد بضع دقائق، هل أنت على أتم استعداد؟
مسز هارولد :
نعم يا سيدتي، أنا على استعداد.
مس أوستن :
ألا يحسن بك أن تتحدثي إلى مسز كريج بشأن مفاتيحك يا مسز هارولد؟
مسز هارولد :
لقد تركتها مع مفاتيحك على نضد زينتها.
مس أوستن :
أعتقد أنه يحسن أن تخبريها.
مسز هارولد :
هل تودين أن أخطرهم عن ذهابك؟
مس أوستن (تتجه نحو الباب) :
لا، ليس ذلك ضروريا يا مسز هارولد، سوف أكتب لمستر كريج، ولكني أعتقد أنه يحسن أن تخبريهم بذهابك أنت.
مسز هارولد :
لقد أخبرت بالفعل مستر كريج أني ذاهبة، أخبرته بذلك هذا الصباح.
مس أوستن :
أعتقد أنه يحسن أن تخبري مسز كريج أيضا.
مسز هارولد :
حسنا يا سيدتي.
مس أوستن :
فربما كان لديها ما تود أن تطلبه منك.
مسز هارولد :
حسنا سوف أخبرها.
مس أوستن :
سوف أجلس هنا عند المدخل حتى يأتي التاكسي (تخرج وتتجه مسز هارولد نحو المرآة وتعدل قبعتها العجيبة) .
مسز كريج (تدخل من الحجرة المجاورة) :
هل أنت هناك يا مسز هارولد؟ (مسز هارولد تسير نحو مطلع الدرج وتقف مجابهة ستائر الباب، وتدخل مسز كريج)
لقد كنت أبحث عنك هناك يا مسز هارولد؛ لأني أردتك أن تقدمي لابنة أختي فطورا خفيفا.
مسز هارولد :
لقد تركت كل شيء معدا هناك يا مسز كريج.
مسز كريج :
وإلى أين أنت ذاهبة يا مسز هارولد؟
مسز هارولد :
ذاهبة مع مس أوستن يا مسز كريج.
مسز كريج :
حقا؟
مسز هارولد :
قالت لي مساء الأمس إنها سوف تغادر هذا المكان، فقلت أعتقد أني سوف أغادره أيضا في وقت قريب جدا، فقالت ما دمت سأهجر البيت وشيكا، فإنها تود كثيرا أن أصحبها.
مسز كريج :
وإلى أين أنت ذاهبة معها؟
مسز هارولد :
إلى رتز كارلتون أولا، وبعدئذ تقول إنها ستسافر لبضع سنوات.
مسز كريج :
ستكون لك في ذلك قطعا خبرة طيبة.
مسز هارولد :
أرجو ذلك، فإني لم أزر أماكن أخرى غير هذا المكان ولونج برانش، وأظن أنه ينبغي لي أن أنتهز الفرصة عند سنوحها.
مسز كريج :
وهل تظنين أن من حسن المجاملة يا مسز هارولد أن تنصرفي بهذه الطريقة دون إنذاري إطلاقا؟
مسز هارولد :
إنك لم تنذري ميزي بما يكفي في الليلة السابقة يا مسز كريج.
مسز كريج :
إن ميزي لا تستحق الإنذار، فلقد كانت فتاة عصبية جدا، ترفض رفضا باتا ما أكلفها به.
مسز هارولد :
وأنا كذلك لم أكن دائما أؤدي ما تكلفينني به في دقة يا مسز كريج، فربما أستحق أن أذهب كما ذهبت ميزي.
مسز كريج :
تستطيعين بالطبع أن تهيئي نفسك للانصراف يا مسز هارولد، ولكن اعلمي أنني سأخبر مس هيولت عن هذا الانصراف الذي لم يسبقه إنذار.
مسز هارولد :
إنها تعلم كل ما يتعلق بانصرافي يا مسز كريج، بل إنها لتدهش لأني لم أهجرك من زمن طويل. وإني لأصدقك القول في هذا.
مسز كريج :
ولماذا لم تهجريني؟
مسز هارولد :
ليس هنا أطفال، والبيت يجاور الكنيسة . غير أن مس هيولت قالت لي عندما جئت إلى هنا إني لو بقيت شهرا فسأكون الأولى من بين سبع سبقنني.
مسز كريج :
لقد بعثت مس هيولت إلى هنا بنساء لا يرضين البتة.
مسز هارولد :
كثيرات منهن التحقن بالعمل في أماكن طيبة.
مسز كريج (تبتعد، وتتقدم نحو المرآة) :
إن هذا يتوقف بالطبع على ما يصوره المرء لنفسه عن جمال المكان. وأعتقد أن المجموعة التالية التي سوف تبعث بها إلي لن تكون أفضل ممن سبقن.
مسز هارولد :
لو سألتني رأيي يا مسز كريج، لقلت إني أعتقد أن من الحماقة أن تطلبي إليها أن تمدك بأخريات.
مسز كريج :
إن شخصا واحدا لا يستطيع أن يقوم بجميع الأعمال.
مسز هارولد :
سمعتك ترددين أكثر من مرة أنك تعملين بنفسك ثانية كل ما تؤديه لك أية امرأة أخرى تقوم بخدمتك، فلماذا إذن لا توفرين مالك؟ (مسز كريج تلتفت من عند المرآة وتتقدم نحوها.)
مسز كريج :
وأين المفاتيح؟
مسز هارولد :
تركتها جميعا على نضد زينتك في الطابق العلوي، وكذلك فعلت مس أوستن.
مسز كريج :
أليس هناك شيء آخر يجب أن يترك؟
مسز هارولد :
نعم يا سيدتي، تركت ما معي من نقود مع قائمة حساب الأسبوع في مظروف مع المفاتيح.
مسز كريج (تلتفت إلى الستار) :
حسنا، أرجو أن تتمتعي برحلتك حول العالم.
مسز هارولد (تتجه نحو الباب الخارجي) :
في ذلك تغيير على أية حال. (مسز كريج تدور عند ستار الباب.)
مسز كريج :
وأرجو عند عودتك أن تتمكني من العثور على مكان في سهولة هذا المكان.
مسز هارولد (تقف عند الباب وتلتفت) :
لا تنزعجي بشأني يا مسز كريج، فلم تمت قط واحدة من مثيلاتي في بيت من بيوت الفقراء. (تخرج إلى مدخل البيت، وتتابعها بالنظر مسز كريج في جمود، ويدق جرس الباب الخارجي بحدة، وتتقدم مسز كريج ناحية اليمين وتنعم النظر تجاه الباب الخارجي.)
فردريكس (عند الباب الخارجي) :
سلاما.
مسز هارولد :
سلاما.
فردريكس :
أود أن أقابل مس لاندرث إن أمكن. أنا فردريكس. (تتحرك مسز كريج حركة سريعة تدل على الذعر، ثم تنظر إلى ستار الباب، وتدخل إيثل خلال الستائر.) (إيثل ومسز هارولد تتحدثان.)
إيثل :
يحسن أن أنزل متاعي يا خالتي هاريت، فلا بد أن تكون قد قاربت التاسعة.
مسز هارولد :
تفضل بالدخول، أعتقد أن مس لاندرث تتناول فطورها الآن. (يحدث الباب الحاجز صوتا.) (إيثل وفردريكس يتحدثان.)
إيثل :
هل تتفضل بطلب عربة تاكسي بالتليفون؟
فردريكس :
أعتقد أني بكرت بالمجيء. (تسمع إيثل صوته وتقف عند مطلع الدرج، أما مسز كريج فتنسل خلال ستار الباب، وتتقدم مسز هارولد نحو الباب الأمامي.)
مسز هارولد :
كنت آتية الآن لأناديك يا مس لاندرث؛ فهنا رجل اسمه مستر فردريكس يود مقابلتك. (فردريكس يدخل.)
فردريكس :
أهلا يا إيثل. (مسز هارولد تسير خلفه نحو الباب، ثم تخرج ثانية.)
إيثل :
هل لم يحدث لأمي شيء يا جين؟
فردريكس :
لا أعلم أن شيئا حدث لها إطلاقا يا عزيزتي.
إيثل :
هل أنت متأكد؟
فردريكس :
صدقيني يا إيثل، ولم أزر بيتك.
إيثل :
لماذا إذن أتيت إلى هنا في هذه الساعة المبكرة من الصباح؟
فردريكس (يسير نحوها خطوة) :
أردت أن أقابلك. (تشرع في البكاء، ويضمها بين ذراعيه)
اعتقدت أنك قد أصابتك علة أو حدث لك ما يشبه ذلك. لا تبكي يا عزيزتي، أؤكد لك أن البيت لم يصب بسوء، وكل ما في الأمر أني طلبتك تليفونيا عندما تسلمت رسالتك في الحال وأخبرت أنك جئت إلى هنا، ومن ثم طلبتك من بعيد. بيد أن هذا الطلب لم يشف غليلي، ولم أدر ما أصنع؛ ولذا استقللت قطار المساء فكنت هنا في الدقيقة العشرين بعد الثامنة.
إيثل (تستقيم في وقفتها وتمس شعرها) :
إني عائدة فورا يا جين، فهناك قطار الساعة التاسعة والدقيقة السابعة عشرة من محطة المدينة.
فردريكس :
سأعود معك.
إيثل :
لست أدري لماذا أتيت هنا من أول الأمر.
فردريكس (يقودها إلى المقعد على يمين البيانو) :
اجلسي هنا دقيقة يا عزيزتي، فالشحوب الزائد يعلو محياك (يضع قبعته ومعطف المطر فوق البيانو) .
إيثل :
لم يغمض لي جفن مذ جئت إلى هنا، فقد كنت منزعجة أشد الانزعاج.
فردريكس :
كنت منزعجا عليك أيضا، مذ تسلمت رسالتك.
إيثل :
ثم أخبرت خالتي هاريت عن خطبتنا، وكان ذلك سببا في اضطرابي إلى درجة لم أعهدها.
فردريكس :
لماذا؟
إيثل :
يبدو أنها لا توافق على هذه الخطبة كل الموافقة.
فردريكس :
لم لا؟
إيثل (ناهضة) :
لعدة أسباب يا جين، سأخبرك بها في القطار (تسير نحو مطلع الدرج) .
فردريكس (يأخذ يدها وهي تمر به) :
أود أن تخبريني الآن يا إيثل.
إيثل (ملتفتة إليه) :
الوقت لا يتسع يا عزيزي.
فردريكس :
ولكنك تسببين لي القلق.
إيثل :
ليس هناك سبب بعينه يا جين، إنما ظنت أني ربما لم أتدبر الأمر مليا.
فردريكس :
وأي شيء هناك يتدبره المرء يا عزيزتي في أمر كهذا، إلا أننا نتبادل الحب.
إيثل :
قالت إن أمرا كأمر الزواج يجب أن ينظر إليه بطريقة عملية أكثر من ذلك.
فردريكس :
هذه حجة لا أقبلها يا إيثل، فكم عرفت من زواج عقد بعد تفكير دقيق انتهى بالفشل. إنما الزواج فرصة ينتهزها المرء لا أكثر ولا أقل.
إيثل :
لم أفكر في عدم الزواج منك يا جين، إنما كنت أفكر ربما كان من الحكمة أن نؤجله.
فردريكس :
ليس من الحكمة ذلك يا إيثل، وليس من الخير أن يؤجل المرء أمرا كالزواج، فإن أحداثا كثيرة قد تقع (يأخذها فجأة بين ذراعيه)
ولا أود أن يقع حادث ما.
إيثل :
ماذا أملك يا جين لو وقع لأمي حادث؟ (تخفي وجهها في كتفه وتبكي.)
فردريكس :
لن يحدث لها شيء يا معشوقة قلبي، ولو حدث فلن تسوء حالك أكثر مما تسوء حالي (تواصل بكاءها هنيهة، ثم تستقيم في وقفتها وتضع منديلها على عينيها) .
إيثل :
يحسن أن ننصرف يا جين، فلا بد أن تكون قد قاربت التاسعة. (تعبر الحجرة إزاء النضد وتتجه نحو المرآة، ويعبرها كذلك إزاء النضد من الناحية الأخرى ويتجه نحو التليفون، ويدخل كريج خلال ستار الباب.)
فردريكس :
ألا يحسن أن أنادي عربة تاكسي؟
إيثل :
أهلا، عمي والتر، هذا مستر فردريكس. (يواصل فردريكس سيره حتى يصافح كريج، وتسير إيثل إلى يسار فردريكس.)
كريج (مصافحا ) :
أنا سعيد بلقائك يا مستر فردريكس.
فردريكس :
كيف حالك يا مستر كريج؟
إيثل :
مستر فردريكس هو الشاب الذي خطبني ليتزوج مني.
كريج :
إني سعيد بلقائك.
فردريكس :
ألا تعتقد أني محظوظ جدا يا مستر كريج؟
كريج :
أجل، أعتقد ذلك، وهل تم الاتفاق من جميع نواحيه؟
فردريكس :
أتعشم ذلك، وإن كان الظاهر أن إيثل تحس شيئا من القلق في هذا الشأن.
كريج :
وفيم القلق يا إيثل؟
إيثل :
لست قلقة، وليست هذه هي المشكلة، إنما كنت أقول لجين إني ناقشت الأمر مع خالتي هاريت، والظاهر أن من رأيها أني ربما لم أتدبر الموضوع تدبرا كافيا. (فردريكس ينظر إلى كريج.)
كريج :
أي أمر كانت تريدك أن تتدبريه؟
إيثل :
قالت إنها لا تعتقد أني قدرت الجانب العملي في الزواج قدرا كافيا نظرا لحداثة سني.
كريج :
هذا هو الجانب الوحيد في الزواج الذي ينبغي ألا يبالغ في تقديره يا إيثل؛ فذلك معناه انعدام ثقة كل طرف في الآخر.
فردريكس :
هذا ما قلت لإيثل.
كريج :
الأمر الوحيد الذي أعتقد أنكما بحاجة إلى تدبره تدبرا جديا حقا، هو أن يكون كل منكما مخلصا تمام الإخلاص للآخر (ينظر فردريكس إلى إيثل، ويسير كريج أمامهما متجها نحو الدرج)
ويبدو لي أنه ليس بعد ذلك أمر له خطره مما يسبب القلق.
إيثل :
سنعود بقطار الساعة التاسعة والدقيقة السابعة عشرة يا عمي والتر. هل تعرف رقم شركة عربات التاكسي؟
كريج (يسير نحو الدرج) :
لستما بحاجة إلى تاكسي، فأنا سأمر في طريقي بالمحطة.
إيثل :
وهل أنت ذاهب الآن؟
كريج :
نعم، فورا، لديكما متسع من الوقت، وأستطيع أن أبلغكما المحطة في أقل من عشر دقائق.
إيثل :
عمي والتر، هلا جئت بحقيبتي إلى هنا عندما تحضر!
كريج :
سأفعل ذلك.
إيثل :
إنها فوق المقعد هناك داخل غرفتي (تحمل حقيبتها من فوق النضد، وتسير نحو المرآة لترتب هندامها).
ليست بنا حاجة إلى استدعاء تاكسي. (فردريكس ينظر إلى الخارج خلال ستار الباب، ثم يتقدم ويخفض صوته.)
فردريكس :
هل ذكرت لك خالتك أني طلبتك ليلة الأمس؟ (تلتفت إيثل.)
إيثل :
تعني من مسافة بعيدة؟
فردريكس :
نعم، طلبتك من نورثامبتن بمجرد ما تسلمت رسالتك طلبتك في بيتك أولا بطبيعة الحال فأعطوني هذا العنوان.
إيثل :
ثم طلبتني هنا؟
فردريكس :
نعم، في نحو الساعة السابعة، ألم تخبرك؟
إيثل :
نعم، إنها لم تفعل يا جين.
فردريكس :
تحدثت إليها وقالت إنك نائمة.
إيثل :
ما كنت أستطيع النوم يا جين.
فردريكس :
طلبت إليها أن تستدعيك إلى التليفون، ولكن الظاهر أنها لم ترغب في الاستجابة، بل قالت إنك أويت منذ لحظة وأنك منهوكة القوى.
إيثل :
نعم، كنت منهوكة، ولكنها كانت تستطيع استدعائي فربما كانت تعلم أني أود أن أتحدث إليك؛ لأني لم أعرف ما ظننت بمجيئي هنا بعد ما تركت لك رسالة أني ذاهبة إلى بيتي.
فردريكس :
هل رأيتها هذا الصباح؟
إيثل :
نعم، ولكنها لم تذكر لي عن ذلك شيئا، وكنت أتحدث إليها هنا هذا الصباح بشأنك أيضا، وكنت أقول إنه ينبغي لي أن أطلبك على مسافة بعيدة، وإنك لا بد في عجب من الأمر.
كريج (مسرعا فوق الدرج وهو يحمل حقيبة إيثل) :
سأمضي سريعا وآتي بالعربة.
فردريكس :
هل أستطيع أن أحمل عنك هذه الحقيبة يا مستر كريج؟
كريج :
سأتركها هنا عند مدخل البيت، وسوف أعود بعد دقيقتين ولديكما متسع من الوقت.
فردريكس (يتجه إلى البيانو ليأخذ قبعته ومعطف المطر) :
هل أنت مستعدة يا إيثل؟
إيثل :
نعم مستعدة يا جين، يحسن أن أودع خالتي هاريت.
فردريكس :
هل أنتظرك خارج الدار؟
إيثل :
ألا تريد أن تقابلها يا جين.
فردريكس :
لا أظنها تريد مقابلتي يا إيثل.
إيثل :
لم لا؟
فردريكس :
بعد الذي أخبرتني به.
إيثل :
هذا أمر تافه يا جين.
فردريكس :
أنهت مكالمة التليفون معي فجأة ليلة الأمس.
إيثل :
نعم، أود أن أسألها عن هذه المكالمة.
فردريكس (يخرج) :
أعتقد أنه يجمل بي أن أنتظرك في الخارج. (تنظر إيثل خلال ستار الباب، ثم تتقدم مفكرة ناحية اليمين، وتسود فترة سكون يسيرة، وتنسل بعدئذ مسز كريج خلال الستار، وتتقدم نحو المشربية لتتطلع إلى الخارج وتحدق فيها إيثل، ثم تتجه نحو الطرف الأيمن للنضد الوسيط.)
إيثل :
إني ذاهبة الآن يا خالتي هاريت. (تلتفت مسز كريج في شيء من الفزع.)
مسز كريج :
حسبت أنك ذهبت فعلا (تتقهقر صوب إيثل).
لم أسمع صوتا داخل الغرفة، وعجبت كيف تخرجين دون إخطاري.
إيثل :
لا، بل إني ذاهبة الآن.
مسز كريج :
وأين مستر كريج ومستر فردريكس؟
إيثل :
مستر فردريكس هناك عند مدخل البيت (تلتفت مسز كريج إلى الباب الأمامي وتتطلع إلى الخارج).
أما عمي والتر فقد ذهب ليعود بالعربة.
مسز كريج :
هل سيحملكم في عربته إلى المدينة؟
إيثل :
نعم.
مسز كريج :
هذا جميل، فلا تهتمي إذن باستدعاء تاكسي. (تتقدم إلى إيثل مرة أخرى)
هل عند مستر فردريكس خبر عن أمك؟
إيثل :
لا، إنه لم يذهب إلى البيت.
مسز كريج :
لماذا لا تدعينه إلى الداخل يا إيثل، إني أود مقابلته.
إيثل :
ظن أنك ربما لا تهتمين بلقائه.
مسز كريج :
لماذا؟ ما هذا السخف؟ ولم لا؟
إيثل :
ذكرت له ما قلت مساء الأمس عندما أنبأتك بأني أعتزم الزواج منه.
مسز كريج :
إنما كنت يا بنيتي العزيزة أتحدث بوجه عام، ولم أقصد بملاحظاتي مستر فردريكس خاصة. وإني على ثقة من أنه يقدر منطق كلامي.
إيثل :
إنه لا يقدر هذا المنطق يا خالتي هاريت، وقد نقلت له رأيك وهو يؤمن بنقيض ما تؤمنين به.
مسز كريج :
بالطبع؛ لأنه يربح في هذه الصفقة ربحا كبيرا يا إيثل، ويجب ألا يغيب عنك ذلك.
إيثل :
ولكن عمي والتر لا يربح من ورائها شيئا، وهو مع ذلك يتفق معه في الرأي.
مسز كريج :
تذكرين أني قلت لك مساء الأمس: إن مستر كريج خيالي إلى أبعد الحدود.
إيثل (متحجرة جدا) :
لماذا لم تستدعيني مساء الأمس يا خالتي هاريت، عندما تكلم مستر فردريكس بالتليفون؟
مسز كريج :
لأنك كنت نائمة يا عزيزتي.
إيثل :
ما كنت أستطيع النوم، ولم يغمض لي جفن مذ جئت إلى هنا.
مسز كريج :
ظننتك نائمة يا إيثل، وأرسلت ميزي إلى غرفتك فقالت إن بابها مغلق.
إيثل :
كانت تستطيع أن تطرق الباب.
مسز كريج :
وما فائدة إزعاجك يا عزيزتي؟
إيثل :
لأن الأمر هام بالنسبة إلي.
مسز كريج :
سألته إن كان الأمر هاما، وإن كانت لديه رسالة يود إبلاغها، فأجاب بالنفي.
إيثل :
فأنهيت الحديث معه فجأة.
مسز كريج :
لأنه أصر على التحدث إليك، ولم تكن حالتك تسمح بالتحدث إليه (تلتفت وتتحرك نحو المشربية) .
إيثل :
ولماذا لم تخبريني هذا الصباح بأنه طلبني بالتليفون، عندما قلت إنه ينبغي لي أن أطلبه؟
مسز كريج (تلتفت في برود) :
أرجوك يا عزيزتي إيثل، لن أجيب بعد هذا عن سؤال بشأن مستر فردريكس. (تتجه نحو المشربية لتتطلع منها إلى الخارج)
صدمتني هذا الصباح هموم تصرفني عن التفكير في مستر فردريكس، وأظنه عائدا معك. أليس كذلك؟
إيثل (تسير نحو الباب الخارجي) :
بلى!
مسز كريج (ملتفتة إليها) :
يسرني أنك لن تقومي وحدك بهذه الرحلة. وداعا يا عزيزتي، (تقبلها)
وأتعشم أن تخطريني فورا بحال أمك.
إيثل (تقبض على يدها) :
خالتي هاريت ...
مسز كريج :
نعم، يا عزيزتي.
إيثل (بعد فترة سكون، تحدق في عينيها) :
خالتي هاريت، هل اعتزم عمي والتر أن يهجرك؟
مسز كريج :
إني لأعجب كيف ثار هذا الخاطر في ذهنك يا إيثل.
إيثل :
عبارة كان ينطق بها عندما أتيت إلى رأس السلم لأنزل هذا الصباح.
مسز كريج :
وماذا كان يقول؟
إيثل :
شيئا عما أبديت من ملاحظة جعلت من المحال عليه أن يستمر هنا زوجا لك.
مسز كريج :
ثقي أنه ليست لدي أدنى فكرة عما تتحدثين عنه يا إيثل.
إيثل :
ثم إنه قال منذ لحظة - حينما أنبأته بأني أعتزم الزواج من مستر فردريكس - إن الأمر الوحيد الذي يجب أن نهتم به جديا هو أن كلا منا يخلص للآخر إخلاصا مطلقا، وتساءلت: هل كشف الأمر؟
مسز كريج :
أي أمر؟
إيثل :
إنك ذكرت لي ذلك ليلة الأمس، حينما قلت إني لا أظن أن ذلك من الإخلاص. (تسمع حركة عند مدخل الدار، ويحدث الباب الحاجز صوتا، وتدور مسز كريج مسرعة وتنظر خلال المشربية.)
كريج (من الخارج) :
كل شيء معد.
فردريكس (من الخارج) :
كل شيء معد، ولكن إيثل ما برحت داخل الدار.
إيثل (تخرج) :
وداعا خالتي هاريت.
مسز كريج (تلتفت وتتبعها حتى الباب) :
وداعا عزيزتي.
إيثل :
سأكتب إليك بمجرد بلوغي البيت.
مسز كريج :
اكتبي يا عزيزتي، ودعيني أعلم كيف حال أمك.
إيثل :
نعم، سأفعل. (يحدث الباب الحاجز صوتا.)
كريج :
هل أنت مستعدة يا إيثل؟
إيثل :
نعم، إني آتية يا عمي والتر. (مسز كريج تلتفت في اضطراب وتسير جيئة وذهابا إزاء الموقد.)
كريج :
حقيبتك في العربة، وسألحق بكما بعد دقيقة (يدخل ويستخرج من جيبه حافظة مفاتيح صغيرة من الجلد، ثم يسير نحو ستار الباب) .
مسز كريج :
هل أنت ذاهب إلى المكتب الآن؟
كريج :
نعم، فقد قاربت التاسعة (يخرج، وتسير مسز كريج نحو الستار) .
مسز كريج :
إن مسز هارولد تقول إنك لم تأو إلى فراشك طوال ليلة الأمس، فلن يكون بك ميل إلى الجلوس إلى مكتبك طول اليوم.
كريج (من الغرفة الأخرى) :
سوف يتسع لي الوقت لأستريح بعد فترة. (تطرق مسز كريج محاولة أن تسبر غور هذه الإشارة، وتتقدم هي مرة أخرى يمينا في بطء وتفكير. يدخل كريج وهو يربط حافظة المفاتيح الصغيرة، ويسير نحو الباب الأمامي ويتناول قبعته من فوق المنضدة أثناء مروره بها.)
مسز كريج :
هل وجدت ما كنت تبحث عنه؟
كريج :
لم أكن أبحث عن شيء ما، إنما كنت أترك لك مفتاح العربة ومخزنها مع قليل من الأشياء الأخرى. (يدور عند الباب)
إذا كنت تريدينني لأي سبب من الأسباب خلال الأسبوع أو الأسبوعين القادمين يا هاريت فستجدينني في رتز.
مسز كريج (تلتفت بغتة، وتتحرك حركة سريعة نحو النضد الوسيط) :
استمع إلي يا والتر كريج. إنك بالتأكيد لست جادا في هجرانك هذا البيت.
كريج :
لقد كنت أحسب أن هذا القرار يسرك كثيرا.
مسز كريج :
إنه لا يسرني البتة، وإنه ليثير السخرية المطلقة.
كريج :
ولكنه عملي إلى أبعد الحدود.
مسز كريج :
لا تحاول أن تكون مازحا.
كريج :
وكم رثيت لي لأني غير عملي.
مسز كريج :
أحب أن أعرف كيف يكون الرجل عمليا في تصرفه إذا خرج تاركا زوجه وبيته.
كريج :
ليست عندي زوجة لكي أتركها، فأنت لم تحبيني ولم تكرميني.
مسز كريج :
ولكنك تزوجت مني، سواء فعلت أو لم أفعل.
كريج :
إنني لم أعرف قط من قبل في حياتي يا هاريت، حتى مساء الأمس.
مسز كريج :
ألم تتزوجني؟
كريج :
وتزوجت أنت منزلا، وسوف أملكك إياه إن كان يروق لك، وأتركه ملكا لك، كما لو كنت أنا هنا.
مسز كريج (مبتعدة) :
سوف تظل هنا، إلا إن أخطأت أنا التقدير خطأ كبيرا.
كريج :
إنك لا تعرفين رجلك يا هاريت.
مسز كريج :
أعرف عنه ما يكفي في هذا الصدد على أية حال.
كريج :
بل تعرفينني حق المعرفة، وأسلم لك بهذا، وبخاصة عندما قلت إن عقلي يعمل في بطء شديد.
مسز كريج :
إنه يعمل الآن في بطء شديد؛ لأنك لا تقدر سخف تصرفك هذا.
كريج :
ولكنك فشلت في إدراك شمول عقلي يا هاريت حينما يعمل فعلا، فهو يقدر هذا الموقف من كل نواحيه حتى لم تعد استحالة الإقامة هنا وهما من الأوهام.
مسز كريج :
وما وجه استحالتها؟
كريج :
لقد كشف كل منا ورقه يا هاريت وانتهى الشوط.
مسز كريج :
ماذا فعلت بالأمس فكان مزعجا جدا؟
كريج :
لم تفعلي شيئا سوى أنك كشفت أوراقك.
مسز كريج :
بل لم أفعل سوى صيانتك من الظهور بمظهر الغفلة.
كريج :
ولكنك بينت لي كذلك كيف أصون نفسي من الظهور بمظهر الغفلة مستقبلا.
مسز كريج :
أؤكد لك أنك لن توفق.
كريج :
ولكني سوف أكون على الأقل غافلا يحترم نفسه، وهذه صفة لا تلحقني لو لبثت هنا؛ لأني أعلم أنك لا تحترمينني.
مسز كريج :
إنك لا تقول الصدق، لقد قدمت لك الاحترام دائما.
كريج :
لا تحاولي أن تخففي من حدة الصفعة يا هاريت. وثقي أن لا ضرورة لذلك (يدور نحو الباب وتتقدم هي نحوه) .
مسز كريج :
إلى أين تذهب حين تترك هذا المكان؟ (يلتفت وينظر إليها.)
كريج :
يهمك جدا أن تعرفي يا هاريت إلى أين يذهب الكثيرون من أمثالي؟ ربما كان ذلك أمرا غير مألوف.
مسز كريج :
وأمتعتك؟ ألن تأخذ شيئا منها معك ؟
كريج :
تستطيعين إرسالها إلي إن شئت.
مسز كريج (مبتعدة) :
لن أرسلها لك إذ يحتمل جدا أن تعود في خلال أسبوع.
كريج :
سيان عندي أن ترسليها أو أن تبقيها يا هاريت؛ لأني أرتبط بكل أمر ارتباطا عاطفيا، وقد أنظر إلى الوراء وأنقلب إلى أحمق خيالي.
مسز كريج :
أعتقد أنك لن تصفح عني لأني أطلقت عليك هذه الصفة.
كريج :
كلا، ليس في الدنيا أمر لا أسامحك فيه يا هاريت. من أجل هذا لن تدعوني الضرورة إلى العودة هنا مرة أخرى، فليست هناك مشكلة تتطلب الحل. وأعتقد أني ربما كنت أميل إلى الطراز القديم - الذي يوثق فيه - ولكنك لم تثقي في بتاتا.
مسز كريج :
لن أثق في رجل بعد الذي شهدته.
كريج :
لا ألومك في هذا، ولكني أعجب كيف لم يطرأ لك - بكل ما أوتيت من حكمة - أن المرء لا يستطيع أن يمثل دور الخيانة إلى ما لا نهاية؟
مسز كريج :
إني لم أمثل قط دور الخيانة.
كريج :
ربما لم تفعلي، حكما بمقياسك، ولكني أعتقد أنك فعلت وأحسب أنك تعلمين ذلك في قلبك. وهذه هي الصخرة التي ترتطمين بها كما أرتطم يا هاريت. وإذا كان ما حدث في بيت باسمور لم يكشفك، فإن أمرا آخر كان سوف يفضحك؛ ولذا فهجراني اليوم كهجراني غدا، ووداعا يا هاريت. (يخرج، وتستند هي إلى النضد، ويحدث الباب الحاجز صوتا، ثم تتحرك نحو المشربية وترقبه وهو يركب السيارة. وبعدئذ تتقدم نحو النافذة اليمنى وتراقبه وهو يسير في الطريق، وبعدما يختفي عن نظرها تجول ببصرها في الغرفة مرة أخرى، وتلمح قطعتين صغيرتين من التحفة المحطمة إلى جوار الموقد، فتنحني لتلتقطهما، مبعدة بقدمها أي أجزاء أخرى غير مرئية قد تكون ملقاة هناك، ثم تنظر إلى التحفتين الباقيتين على رف الموقد، وتحاول أن تصل إلى قرار بشأن وضعهما، فتضعهما على أبعاد متساوية بينهما وبين طرفي الرف، وتقف بعيدا لتلاحظ تأثيرهما في هذا الوضع، عندئذ يدق جرس الباب بحدة، فتدور وتذهب إلى الباب لترى من به.)
صوت فتى (عند الباب الخارجي) :
برقية لمسز والتر كريج. (توقع إيصال استلام برقية، ثم يحدث الباب الحاجز صوتا، وتدخل وهي تفض البرقية، وتقرؤها، ثم تحملق ببصرها إلى الأمام لحظة وهي تفكر، وتعود إلى البرقية، ثم تنفجر باكية، وترتمي فوق المقعد إلى يمين البيانو، ويعلو صياحها برهة، ثم تفض البرقية مرة أخرى وتعاود قراءتها. وتظهر عندئذ مسز فريزير عند الباب، في رداء رمادي، وهي تحمل ملء ذراعها من الزهور البيضاء وتتقدم متسائلة.)
مسز فريزير :
صباح الخير يا مسز كريج. (فلا تسمعها مسز كريج)
صباح الخير. (توجه مسز كريج إليها بصرها مذعورة، ثم تنهض مضطربة، ثم تتجه أمام النضد الوسيط، وهي تمسح عينيها وشعرها)
أتعشم أن تتسامحي في دخولي دون أن أدق الجرس، ولكني ظننت مس أوستن عند المدخل، وأردت أن أحمل إليها هذه الزهور (وتناولها إياها).
قلت لها بالأمس سآتيك ببعضها، لأنها ذكرت لي أنها تعجب أيما إعجاب بالزهور البيضاء، وعندي منها الكثير الآن هناك.
مسز كريج :
لم أرها بعد هذا الصباح.
مسز فريزير (تتأهب للرحيل) :
أرجو أن تقولي لها إني تركت لها هذه الزهور.
مسز كريج :
سوف أفعل، وشكرا كثيرا لك.
مسز فريزير (ملتفتة وراءها) :
هل بلغك نبأ عن أختك هذا الصباح يا مسز كريج؟ فلقد ذكرت لي مس أوستن بالأمس أنها مريضة جدا.
مسز كريج (تعود إلى البكاء) :
ماتت هذا الصباح في الساعة السادسة.
مسز فريزير :
وا أسفاه! ويا لها من مأساة!
مسز كريج :
تسلمت هذه البرقية منذ لحظة.
مسز فريزير :
يا للهول ويا للفجيعة!
مسز كريج :
لم أكن أحسب أنها بلغت هذا الحد من المرض وإلا ما عدت.
مسز فريزير :
يا إلهي! ما أشد أسفي! وما كان ينبغي لي أن أزعجك البتة.
مسز كريج :
لا تأسفي على ذلك.
مسز فريزير :
ثقي أني أشاطرك الأحزان.
مسز كريج :
شكرا لك.
مسز فريزير :
أرجو أن تخطريني يا مسز كريج إن كانت هناك وسيلة أستطيع أن أقدم لك بها خدماتي.
مسز كريج :
أشكرك كثيرا، لا أظن أن هناك أمرا يستطيع أي امرئ أن يقوم به.
مسز فريزير :
أعتقد أنك ستعودين إلى هناك فورا. أليس كذلك؟
مسز كريج :
أصدقك القول يا مسز فريزير أني لا أدري إن كنت سأستطيع ذلك أو لا أستطيع، فأنا مجهدة إلى أقصى الحدود.
مسز فريزير :
نعم، فالأمراض التي يطول أمدها مروعة جدا، ولكني أتعشم ألا تترددي في إخطاري عن أي شيء أستطيع أن أؤديه.
مسز كريج :
هذا منك جد جميل، وسوف أقدم هذه الزهور لمس أوستن عندما أقابلها.
مسز فريزير :
أرجو أن تتفضلي بذلك، (وتتجه نحو الباب)
إني جد آسفة، وسوف أعود على عجل. (تخرج، وتقف مسز كريج في سكون تام حتى تسمع الباب الحاجز وهو يغلق، ثم تتقدم نحو الباب وتوصده بالمزلاج، وتدور، ثم تتقدم بضع خطوات في الحجرة مرة أخرى، وتقف وهي تضم الزهور إلى صدرها وتنظر إلى الخارج رأسا. وتدق ساعة في إحدى الغرف المجاورة: التاسعة، في صوت حزين، وتحوم ببصرها بعد الدقة الرابعة في اتجاه الساعة، ثم تتقدم متباطئة نحو ستار الباب، ثم تتقدم يمينا، هائمة، وتسير إزاء النضد نحو البيانو. وتتساقط على الأرض أوراق كثيرة من الزهور. وعند البيانو تقف لحظة، وهي تتطلع من المشربية، ثم تعود أدراجها، وتنظر إلى أوراق الزهر دون أن تراها، وتواصل سيرها نحو ستار الباب، وترسل بصرها صوب الحجرات المهجورة، وتلزم أخيرا مكانها. وتتساقط على الأرض بضع أوراق أخرى.) (ويبدأ ستار المسرح في النزول رويدا رويدا، وترى مسز كريج وهي تتلفت مستوحشة، وتهيم عائدة نحو البيانو مرة أخرى، وهي تشدد على الزهور قبضتها، وعيناها مفتوحتان تنمان عن اليأس والقنوط.) (النهاية)
نامعلوم صفحہ